عادل سمارة
معذرة للرسول الكريم وأنا أُحرِّف عبارته التاريخية حينما قال لكفار قريش :”إذهبوا فأنتم الطلقاء”. وهو ما قاله سيد المقاومة لعملاء الكيان الصهيوني ، إذهبوا إلى الدولة لتحاكمكم/ن.
لماذا استذكر هذا؟ لأننا حينما كنا في سجون الاحتلال (وبدون جميلة للوطن كل الناس سٌجنت) كانت ” تتبرعم” بواكير العملاء، وكان البعض يشويهم بتسييل محروق صحون البلاستيك كي يعترفوا. كان رأيي حينها رغم انني كنت فتيا وعفياً، أن ليس هذا هو السلوك الصحيح، فسوف تحاكمهم المقاومة. ولكن وا أسفاه …ألن المقاومة وها نحن في ألفية جديدة!!! ، وقد صارت الخيانة وجهة نظر. لذا اقول إذهبوا فأنتم العملاء، الرزق في الأرض المحتلة لكم/ن. ولكن نحن لا نريد رزق السوق والتسوية.
كتب الصديق صبيح صبيح على صفحته ينقد مجيىء (ما يسمون “فنانين” عرباً، ولأنني أحب صبيح الفقير والعالم معاَ والذي يعيش في مترين مربعين (هناك التقيته في باريس) كي لا يقف على ابواب المطبعين والأنجزة والمال المسموم، لذا شاركت معه بالقول: يا ريت لو المطبيعن من الفنانين وحسب.
يقول المثل: مزح الرجال جد. وأنا أضيف مزح الحرائر جد ايضاً فليست المرأة ضلعا قصيرا. كلماتي وهي بضع كلمات اثارت كثيرين/ات وما أكثر من يثيرهم كلامي. فهم يملكون المال والصحف والسلاح والفضئيات والراديوهات (المذاييع –إن صح جمع التكسير هذا)، وهي ما اسمتها وسائل الإعماء.
بداية لا يهمني كم لديهم، يهمني : من اين لك هذا؟؟؟
ذات يوم كتب ميرون بنفنستي (نائب رئيس بلدية القدس سابقا تيدي كوليك- ترأسها لدهور أطول من ماراثونات المفاوضات في عصرالحياة مفاوضات) مما كتبه الخواجا ميرون:”في الضفة والقطاع قلة نادرة اثرت وكثرة افتقرت”. قال الرجل ذلك لأنه كان ممن يصنعون اثرياء المناطق المحتلة ويصنعون فقر الفقراء بالطبع.
في جانب آخر كان هناك مصنع هو الأخطر، مصنع يودا بن مناحيم الذي برز في عصر ما قبل الفضائيات. كانت الرجال تصطف على بابه ليُبرزهم على راديو الكيان ، فهو مؤسس سلسلة مصانع الإعلام لصناعة القيادات. أذكر حينما عقدنا ندوة عام 1991 في القدس عن استعادة العراق للكويت أنه جاء ووضع ميكروفونه أمامنا وكنت أحد المتحدثين وهم (صائب عريقات، وغسان الخطيب والمتوكل طه) . قلت له لماذا؟ قال نسجلها لراديو إسرائيل. قلت لا غير مسموح لك؟ دُهش الرجل ، نظر إلي ، لم يقل شيئا ومضى. لا شك أنه قال في دخيلته: هذا سلفي فلسطيني.
قبل ايام كتبت مصطلح سلفي يساري. وإذا به مصطلح يتم تداوله بسرعة البرق. تذكرت ما تعلمناه في الاقتصاد بان العملة القوية هي التي تدور سريعا بين ايدي الناس لأن سوق التبادل نشيط، وهي بالتالي عملة قوية وصعبة ومطلوبة. ولولا أنني لست من دُعاة السوق وراس المال والقبض والشفط واللهف لطلبت حق الملكية الفكرية.
كثيرون في الأرض المحتلة يعيشون حالة انحباس ذهني ثقافي إبداعي ابتكاري، لا يرون ما يحصل في العالم ، لا يقرأون كتبا مثلا، ولكنهم يقرأون العناوين والشعارات ولأن وقت الفضائيات (ما في بركة) فهو يحميهم لأنهم لا يضطروا إلى الذهاب في العمق، وهم بلا عمق اساساً. أحدهم ذات وقت قال قرأت كتاب عادل سمارة : “التطبيع يسري في دمك” لكنه لم يكتب شيئا بدليل أنه لم يقرأه ولكن لأن لديه مؤسسة إعلام، فكان عليه يسيراً أن يدعي …الخ.
في الأرض المحتلة فلتان من مختلف الأنواع: أمني، تطبيعي، مصطلحاتي، اقتصادي، ثقافي، جندري…الخ (بل وجنسي. ألم تصدر يونيفيم كتابا عن الدعارة في رام الله عام 2008!!! يتم من خلالها تصدير نساء إلى المستوطنات!!! أليس هذا ايضا تطبيعاً ؟ . وفي كل لون من هذا هناك تطبيع يكمن في رحمه.
في سياق الفلتان هنا: في الاقتصاد يسمون التمويل الأجنبي تنمية، وفي السياسة يسمون التنازلات مقاومة شعبية، وفي الجندر يسمون التخارج المتغربن حداثة.وفي الإعلام يسمون الصراخ تحليل سياسي.
لذا لا غرابة أن يشدد أهل التطبيع الإعلامي (الإعمائي) حربهم على عادل سمارة!!! فيصدرون فتوى تسويغ التطبيع الفني والتجاري والاقتصادي والثقافي…الخ. فخير دفاع هو الهجوم.
وماذا يا عزيزي القارىء يمكن ل فيس بوك أن يعمل في مواجهة وكالات أنباء وفضائيات وراديوهات تعيش من عشرت ملايين المال المسموم؟؟؟
ولكن، قد يكون هذا سحر الفيس بوك، بل هذا هو الديالكتيك بعينه وليس السلفية اليسارية. إنه قيام البرجوازية بصناعة ما يمكن أن يمتطيه الفقراء ويكسروا به احتكار راس المال في مجال ما. لم يعد سهلاً على أحد خنق أحد. وهذا ما يؤذي اصحاب الامتيازات التي خلقت لهم الاحتكارات. لذلك مثلا حينما قررت اليساريات التطبيع في جمعية إنعاش الأسرة، تمكننا من فضح السلوك التطبيعي رغم قلة الإمكانيات!!! اليس هذا عجييباً؟ لا ليس عجبا، فطالما ان حزب الله هزم الكيان بحرب الغُوار ، فكل شيء ممكن وحزب الله ليس سلفياً. أما جهاد النكاح فلن يهزم سوريا.
الذين يثرثرون عن السلفية اليسارية لم يفهموها. كان يجب أن يقرأوا، أو يسألوا لا أن يتفذلكوا. لا لشيء بل لأن اليسار ليس لا ماركسيا ولا اشتراكيا ولا شيوعيا ولا ثوريا…ولذا فهو يطبع. أليس متديس فرانس يساري وتوني بلير يساري وشمعون بيرس يساري. أقول هذا لأعيد للفكر والعمل الثوري مقامه.
والذين يثرثرون عن المرونة والحرية والانفتاح وحق القول والكلام، هم يمضغون مقولات الإعلام الإمبريالي والذي على الأقل كشف غزو سوريا كم هو كاذب ومريض. هؤلاء ليسوا من أمة إقرأ، بل من أمة ثرثر.
اساس الانفتاح أن يقرأوا لكنهم لا يقرأون، بل يزدرون عبارات يثرثروا بها دون فهم ولا تعميق.
يذكرني هؤلاء ب د. عبد العزيز حجازي كان استاذ اقتصاد في جامعة الإسكندرية وعام 1975 عينه السادات وزير الاقتصاد فبادر إلى تبني سياسة الانفتاح. وماذا حصل، ولكي لا استخدم عبارات جنسية، تدمر الاقتصاد المصري. وفي عام 1985 حضرت ندوة في لندن عنوانها عرب بلا نفط وكان هو من المتحدثين فقال:” ده إ حنا فتحنا الباب شوي، لكن كانت الريح شديدة فخلعته”. ضاعت مصر ونأمل أن تجدها اليوم حكومة الخليط بعد أن خلعت الأممية الوهابية والسلفية.
المرونة والحرية تبدأ بوعي الضرورة، وكما كتب جورج ولهلم فريديرك هيجل: “الفلسفة هي العصر محاط بالفكر” وكتب كارل هنريخ ماركس : “الحرية هي فهم الضرورة” اي تبدا من فهم الواقع حرية التفكير، وكتب عربي يقول: ” من الناس من يدري ويدري أنه يدري فهذا عالم فاتبعوه، ومن الناس من يدري ولا يدري انه لا يدري فهذا ضال فاهدوه، ومن الناس من لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فهذا جاهل فاتركوه” ما أبلغك ايها العربي، وليت عرب التطبيع الإعلامي يفهموك!!! لذا اؤكد أن من يقرأ العناوين ويثرثر بالعناوين هو على الأقل النوع الثالث.
وأنا اقول بأنني لست مع حرية التفكير بل انا مع التفكير الحر. حرية التفكير هي ان هناك شيئا ما صنما ما سلطة ما تعطيني حرية محدودة برؤيتها ان افكر وبوسعها منعي. أما التفكير الحر فهو أن افكر أنا بحرية تامة. لذا رغم اصولنا الفلاحية التي نحبها تمكننا من الوصول إلى بعض المعرفة الديالكتيكية التي تمكننا من التفريق بين الدين الإيماني وبين الدين السياسي، بين الحياة مقاومة والحياة مفاوضات، بين الوطن وبين السلطة، بين الإنتاج وبين الريع، بين الشغل وبين القبض، بين التنمية وبين التمول بين الأرض المحتلة وبين اوسلو-ستان المسماة زورا وكفرا فلسطين. هنا آمل أن يفهم البعض معنى التطبيع.
والآن عن الفنانين. ماذا يمكن لشاعر مثل ابراهيم نصر الله ان يقدم لنا حين يلقي شعرا ومن ثم يقدم دفتره للحسان كي يبدين إعجابهن، وبعضهن لم يفهم ؟ أو اللشاعر المصري الجخ!!! الذي ثرثر وطنيا وإذا به يركع أمام جنود الاحتلال ولا شك يقبض شيكا من المال المسموم لقاء مجيئه!!!أو أصالة السورية المنشقة. حبذا لو يعلم المتعالمون أن التسجيل في حالة اصوات كثيرة افضل من السماع المباشر. هنا أكرر تحيتي للزميل المفكر المتميز د. سمير امين الذي ببساطة اقتنع مني عام 1995 بأن لا ياتي حيث دعاه مطبعون من جامعة بير زيت.
لم يسمع السلفيون في ما يسمى الإعلام بأن التكنولوجيا تُغني عن الحضور وخاصة حينما يكون الحضور من تحت نعل الجندي الصهيوني؟ تصوروا مثلا لو قال جندي على الجسر لأصالة أن تغني له؟ إن غنت سيقولوا الفن أممي، وإن رفضت سيبصق عليها فيقول المطبعون “الأخ الصهيوني سلفي”!!!
ماذا كان سيفعل عبد اللطيف اللعبي الذي جلبه المركز الثقافي الفرنسي (فرنسا تعتقل جورج ابراهيم عبد الله وكارلوس الشاجال رفيق وديع حداد وقتلت مليون جزائري ولم تعتذر وتشن اليوم حربا على سوريا) لو قال له الجندي الصهيوني (عربيم لخلاخ:عربي وسخ)! وماذا كان سيفعل ابراهيم نصر الله لو صفعه جندي على قفاه؟ (كتب البياتي ذات يوم: فليُصفع الشاه على قفاه” وماذا كان سيفعل إلهام المدفعي لو قال له جندي صهيوني: ممنوع حتى تغير إسمك لأن المدافع لإسرائيل فقط…الخ
أنا أفهم أننا نتحمل هذا وغيره لآننا نحاول تثبيت وطن؟ لكنني لا أفهم أن ياتي هؤلاء الأوغاد كي يُهانوا مثلنا. فالعرب الحقيقي لا يأتي عشقا للذل تحت زعم عشق الوطن.
بقي أن اقول بأن الحرية مقرونة بالوعي هي التي نؤمن بها. كما آمل ان يفهم من يستقوي بالمال المسموم بأن المرتد ليس كالمتطور وليس كالشخصية النمطية التي هي ثابتة على الثابت لأن الثابت هو الوطن والتطبيع ينفي الوطن، فيصبح الاحتلال الصهيوني احتلال ديمقراطي.