امين محمد حطيط
ينتاب الفرد العربي شعور مركب متناقض بين السلبي و الايجابي من المشاعر عندما يطل على حرب تشرين التي خاضها الجيشان العربيان السوري و المصري ظهيرة السادس من تشرين اكتوبر 1973، حيث سطر العريي قائدا كان عسكريا ام سياسيا او جنديا في الميدان كلمات ساطعة باحرف من نور العزة و الاحتراف و الشجاعة، كان من شأنها لو تمت المتابعة فيها وفقا لما هو مخطط ان تغير وجه المنطقة و وجه العالم و مواقع القوة و السيطرة فيه.
ففي تشرين 73 كان اول هجوم عربي ضد اسرائيل، و كان اول قرار عربي هجومي ضد الكيان، و كان اول انتصار ميداني فعلي يسطره جيش عربي ضد الجيش الاسرائيلي الذي نظم و درب على اساس عقيدة عسكرية هجومية لا محل فيها لمفهوم الدفاع – الا لمراحل عابرة سريعة و موقتة – و ان لا قتال الا على ارض الخصم حتى لا يكتوي الصهيوني في فلسطين المحتلة بنار االحرب. و ان لا قتال الا على جبهة واحدة حتى لا تشتت القوى الاسرائيلية ما يمكن الخصم من تحقيق الانتصار عليها.
لكن المخطط العسكري العربي في مصر و سورية، اعتمد خطة تكسر قواعد العقيدة الصهيونية تلك، و فرض على اسرائيل ان تكون في حال دفاع، و ان تقاتل على ارض كانت قد احتلتها، وان تحارب على جبهتين معا ما فرض عليها توزيع الجهد و تشتيت القوى و لان الامر كذلك كانت النتائج الباهرة و من الساعات الاولى للحرب حيث سطر العسكري العربي انجازات تاريخية رائعة يكاد يصعب تصديق امكان تحققها، و يكفي ان نذكر بكيفية اجتياز المصريين لقناة السويس و الاندفاع عبر خط بارليف على الجبهة في سيناء، و كيفية احتلال المرصد الاسرائيلي في جبل الشيخ و الاندفاع السوري عبر خط آلون في جبل الشيخ وصولا الى جسر بنات يعقوب و التهيؤ لدخول اراضي فلسطنية كانت احتلت في العام 1948، ما اوقع اسرائيل و وزير دفاعها انذاك في اليأس الذي حمله على التهديد باستعمال القنبلة الذرية التي كانت اسرائيل صنعتها قبل بضعة سنوات بمساعدة غربية وخاصة فرنسية..قتبلة اعدت كما يصف الاسرائيليون للحظة الخطر الشديد و التهديد الجدي لكيان الصهاينة في وجوده.ما يعني ان الجيش العربي السوري و في لحظة من الزمن دفع اسرائيل الى هذه الدائرة من الخطر.
و مع التخطيط و القرار الهجومي الذي اتخذته القيادة السياسية و العسكرية في مصر و سورية، و مع الاداء و التنفيذ الميداني الذي مارسته التشكيلات العسكرية العربية المصرية و السورية وبعد النتائج الباهرة التي تحققت في الايام الثلاثة الاولى من الحرب مع كل هذه الايجابيات الكبرى كانت الثغرة التاريخية في مسار الحرب، على الجبهة المصرية عندما توقف العمل بقرار مصري منفرد و دونما تنسيق مع القيادة السورية، قرار فرض ايقاعا على الميدان غير من اتجاه النتائج و هنا يعود الباحث فيتوقف عند المرونة و قابلية التكييف مع الواقع التي ابدتها القيادة السورية و مارسها العسكري السوري في الميدان، و ما تبع ذلك من يومها و حتى يومنا الحاضر، بحيث انه من الممكن القول بان الاربعين عام التي خلت كانت محلاً لسلسلة من الحروب المتصلة المتعددة الوجوه و المتوحدة في اهدافها ضد سورية.
و هنا و بكل بساطة نقول ان الحرب الكونية التي تشن على سورية اليوم ما هي الا حلقة من تلك السلسلة التي تعود الى العام 1973، فاسرائيل لم تنس و لن تنسى ان الجيش العربي السوري وفي لحظة من التاريخ هدد وجودها، و هي لا تستطيع ان تتجاوز الاداء السوري بفكر قومي ونفس وطني يحول دون التنازل عن الحقوق العربية في فلسطين و كل ارض محتلة في جوارها، لذلك نرى ان اسرئيل و بعد ان فشلت في حرب الاستنزاف التي انتقل اليها الجيش العربي السوري مباشرة بعد وقف تفيذ خطة حرب تشرين و استمر بها لنيف و سبعة اشهر، وبعد خسارتها في حرب التحرير الشعبية التي خاضتها المقاومة في لبنان منذ العام 1982، وكان الجيش العربي السوري الظهير و السند فيها بما قدمه على شتى الصعد التي تحتاجها، فان اسرائيل بعد كل ذلك و مع التحول الى استراتيجية القوة الناعمة، تخوض الان في سورية و ضد الجيش العربي السوري الحلقة الرابعة من الحرب و هي حلقة “الحرب البديلة ” التي جندت لها عشرات الالاف من الارهابيين من غير السوريين، و حشدت لها منظومة واسعة من العرب الذين انقلبوا الى اعداء للحق العربي و الكرامة العربية، بعد ان كانوا في تشرين 73 نصيرا وظهيرا لذلك.
نعم ان العدوان على سورية و على جيشها اليوم لا يمكن ان ينظر اليه او يفهم الا بشكل متصل و مرتبط وثوقا بحرب تشرين 1973، تلك الحرب التي كان سجلت فيها بدايات الانجازات العسكرية العربية، و التي فتحت الطريق امام مقاومة فاعلة لتسجل اولى الانتصارات العربية المكتملة الابعاد و التي تمثلت بتحرير معظم ارض الجنوب اللبناني، و ان هذا الربط يقود وببساطة كلية الى القول بان الدفاع الذي يمارسه الجيش العربي السوري في الداخل السوري وفي سياق الحرب البديلة التي تشنها اسرائيل و ارباب المشروع الصهيو اميركي، هو دفاع ضد العدو الحقيقي للامة و لا يغير من هذا التوصيف ان يكون من يحمل البندقية شخص ينطق بلغة عربية او يتظاهر بمظهر اسلامي او يدعي سعيه لحرية او ديمقراطية، فكل هذه المظاهر والشكليات هي مظهار احتيالية خادعة ليس لها وظيفة في الامر سوى اخفاء الجهة التي تقف حقيقة خلف العدوان و تتوجهه و تقوده و تستعد لقطف ثماره فيما لو تحققت الاهداف منه.
في مقابل ذلك نجد ان سورية عامة شعباو قيادة، و الجيش العربي السوري خاصة، و كل الشرفاء الاوفياء من حلفاء سورية الحقيقين، نجدهم يفهمون هذه المعادلة و يدركون ان الدفاع عن سورية في سياق الحرب االبديلة تلك ليس مواجهة للشعب السوري او ” للثورة السورية ” كما يلفق المعتدي و يزور، بل هو دفاع عن الحق القومي و الوطني، و دفاع عن الاسلام الحقيقي، و دفاع عن حق الانسان في الحرية و الكرامة، انه دفاع عن القوة العربية الوحيدة المتبقية و المتمثلة بالجيش في سورية و بالمقاومة في المنطقة ضد المشروع الغربي، بعد ان حيد الجيش المصري و الاردني باتفاق سياسي مع اسرائيل و فكك الجيش العراقي اثر الاحتلال الاميركي، انه دفاع الخير و الحق في وجه الشر و الباطل الذي تمثله اسرئيل و ارباب المشروع الغربي و الصهيو اميركي في المنطقة المشروع الاستعماري الناهب للحقوق والهادر للكرامات. دفاع تمت ممارسته بصبر و احتراف و تحمل للتضحيات الجسام، ما مكن المدافعين من ادخال المعتدي في دائرة القتنوط من النتائج.
و اليوم وكما ادخل الجيش العربي السوري في العام 1973 اسرائيل في دائرة الخوف على المصير، فانه يدخل المعتدين اليوم في دائرة اليأس من تحقيق المطلوب، و بسبب هذا اليأس نرى الانفعال و التخبط الذي يضرب صفوفهم على شتى المستويات ففي الميدان تشتت واقتتال داخلي بين الجماعات الارهابية، و في الاروقة السياسية ارتباك و تغيير او استعداد لتغيير الحكام، و صفوف المعتدين تتصدع لتتهاوى…اما صفوف المدافعين عن الحق العربي والانساني في سورية فانها الى مزيد من التماسك في طريق صنع الانتصار الاكيد الذي ينهي جولة الحلقة الرابعة المتصلة بحرب تشرين.
:::::
صحيفة الثورة، دمشق