العميد د. امين محمد حطيط
لا يستطيع احد ان يستهين بما يجري في مصر من احداث مؤلمة بدأت منذ 30 حزيران الماضي و استمرت في خط تصاعدي ينذر بمخاطر كبيرة تتهدد امن البلاد و وحدتها فضلا عن اقتصادها و موقعها الجبوسياسي في منطقة تلتهمها نيران الحريق العربي المستمر ( الذي اسمي زورا بانه ربيع ).
و لا يمكن حصر الموضوع المصري في الداخل المصري و اعتباره شأنا داخليا لا ينعكس بآثاره على ما عداه من الاطراف و الكيانات في المنطقة و العالم، و رغم ان المصريين – خاصة من هم في قيادة المرحلة الانتقالية الان- يصرون و باحساس وطني خالص، يصرون على الصفة الداخلية للاحداث وعلى كونها شأناً مصريا بحت و يصرون على الاخرين الامتناع عن التدخل فيها احتراما لسيادة مصر و كرامتها و قرارها المستقل. فاننا و مع تأكيدنا على حق الشعب المصري بكل ذلك اسوة بغيره من الشعوب و الدول ذات السيادة، فاننا لا يمكن ان نفصل ما يجري في مصر عما يضرب المنطقة العربية من اعصار مركب الاسباب والعناصر من داخلي و خارجي، محلي و اقليمي و دولي.
فهناك ترابط بنوي و وظيفي بين اجزاء المسرح المشرقي العام تجعل للصوت في مكان صدى متصل به وثوقا في مكان آخر. ما يعني ان النار المشتعلة في سورية تؤثر و تتأثر بنار اضرمت في مصر و الحال نفسه يصح بادخال ما يجري في العراق و ليبيا و تونس فضلا عن اليمن والبحرين. لان الصراع في المنطقة و بغير حاجة الى علماء و فلاسفة و استراتجيين كبار لتوصيفه، هو الان بكل بساطة صراع بين مشروعين قد يقوم اختلاف حول تسميتهما على اساس سياسي او ديني او فكري او اقتصادي، لكنهما في النهاية مشروعين : غربي تسلطي، واقليمي مشرقي استقلالي و ان انتصار مشروع هنا قد يقود الى احتمال انتصاره هناك ليراكم الانتصار، او تطويقه هنالك ليحجم النفوذ و التوسع.
و انطلاقا من هذا القناعة نجد ان “الاخوان المسلمين” الذين احتلوا مقعدا مميزا في قطار المشروع الغربي وظيفيا مع انهم يعلنون صباح مساء انهم جزء لا يتجزأ من المشروع التحرري الاستقلالي، نجد ان هذا التنظيم الذي فشل في ادارة الحكم في مصر فشلا ادى الى ثورة شعبية عارمة اخرجته من السلطة اخراجا تسبب له بمصاعب في اقاليم اخرى، ترجمت تراجعا له في تونس الى الحد الذي بات مؤكدا استحالة استمراره الحاكم الفعلي الوحيد استحالة شبه مطلقة و ان افضل الاوضاع الممكنة له هو ان يستمر شريكا في الحكم مع اخرين، والامر نفسه سيجد صداه في ليبيا رغم العقبات، اما في سورية و مع سقوط امال الجهات الخارجية التي قادت العدوان عليها و فشل المحاولات باسقاط سورية المقاومة، فان آمال “الاخوان” في الوصول الى السلطة منفردين تبخرت كليا، كما سقطت احتمالات وصولهم الى السلطة مع اخرين بشكل فاعل بعد تراجع الاطراف الدوليين الراعين لمشروع “الاخوان” عن التزاماتهم حيالهم.
فشل مشروع “الاخوان” اذن، و كان سقوطهم المدوي في مصر العنوان الابرز لهذا الفشل والذي سيكون له او اضحى له فعلا من التداعيات ما وضع “الاخوان” في مصر امام احد خيارين : اما التسليم بالهزيمة و اعتماد استراتيجية تحديد الخسائر عبر الدخول في حوار وطني مع الاخرين من مكونات الشعب المصري وصلا الى اعتماد صيغة حكم لا تقصي احدا و لا تجمع السلطة بيد فريق واحد ليستأثر بها و يلغي الاخرين، و هو الحل المنطقي الذي يستجيب للعقل و المصلحة الوطنية كما و الذاتية، او ان يسلكوا الطريق الاخر و يحجموا عن الاعتراف بالواقع و يتمسكوا بمقولة “شرعية الرئيس الذي يجب ان يعود”، فان لم يعد سلما فلاش بأس من اللجوء الى القوة و العنف مهما كانت النتائج و حجم الخسائر و المخاطر والتهديدات.
و يبدو ان “الاخوان” اختاروا الطريق الثاني و اتجهوا الى العنف آملين بان يمكنهم ذلك من افساد المرحلة الانتقالية و منع وصولها الى الاهداف التي رسمت في خريطة الطريق السلمي للحل و اعادة تكوين السلطة في مصر في مرحلة اولى، ثم اسقاط هيئات الحكم الانتقالي و اعادة الرئيس مرسي الى الرئاسة. و مع هذا الخيار تكون مصر قد وضعت على عتبة مرحلة تثير القلق الشديد بشكل يذكر بما حل بسورية و لا يزال، او قد يتجاوزها خاصة و ان ظروف مصر تختلف عن ظروف سورية في اكثر من ناحية نذكر منها على سبيل المثال المعادلة الدفاعية (الجيش السوري 540 الف لشعب عديده 23 مليون، بينما في مصر لا يتعدى عديد الجيش الى 430 الف لشعب عديده 92 مليون ) او التركيبة الديمغرافية، فضلا عن التحالفات الاستراتيجية و دول الجوار.
هذا المشهد يدفع للقلق على مستقبل مصر و مسار امنها و يزداد القلق ايضا مع استعادتنا للذاكرة للخطط الصهيونية لتدمير الجيوش العربية التي قاتلت اسرائيل او التي تشكل تهديدا جديا لاسرائيل و جيش مصر منها، كما و يتفاقم هذا الخطر مع المحاولات الخليجية لمصادرة القرار المصري او وضع اليد عليه بحفنة من البترودولار نقول قلق رغم الممانعة و الرفض المصري الذي يبديه بوضوح كلي المسؤولون عن المرحلة الانتقالية الحالية كما تجلى في الموقف المصري من طلبات السعودية ضد سورية في الجامعة العربية و لكن يبقى الحذر و الاحتياط واجبا مع معرفتنا بمطامع السعودية و رغبتها في تعويض خسائرها في العراق و سورية ولبنان الذي قد يدرج في قائمة ميادين الخسائر السعودية كذلك.
في مقابل هذا و رغم قناعتنا بان الحل الافضل لمصر يكمن في التفاهم و اللقاء و الحوار الوطني، لكننا و بتحليل موضوعي للمواقف و السلوكيات للاطراف و مع رفض “الاخوان” لهذا السبيل، نجد ان هناك تحدي كبير امام السلطة الانتقالية المصرية و امام الشعب و الجيش المصري، تحدي يكمن في البحث عن السبيل الاكثر نجاعة في منع الانزلاق الى ما هو اسوأ، حل يحفظ لمصر جيشها و وحدتها و امنها مع الحد الادنى من الخسائر و التضحيات، و هنا نرى ان مصر ستكون امام قرارات تستلزم الجرأة و الشجاعة خاصة لجهة :
– اعداد البيئة المنيعة و القوة الامنية القادرة على منع استشراء الاعمال العسكرية و الارهابية و ذلك عبر تشكيل خلايا المجتمع الوطني الحارس للامن، و لا يعني ذلك تشجيعنا لما يسمى حل عسكري او امني بل انه يتركز على تكوين البيئة التي تحول دون تفلت الامن.
– تشكيل المظلة الدولية التي تكسب الدولة مناعة امنية مضافة، دون ان يعني ذلك دعوة للانخراط الكلي في سياسة المحاور و استعداء محور لاسترضاء محور آخر.
– الاسراع في انجاز متطلبات خريطة الطريق لاعادة تكوين السلطة دون
اقصاء احد بقرار من هيئة او سلطة رسمية، و ترك القرار للشعب الذي له وحده ان يقرر ويختار شرط ان يؤمن له ظرف ممارسة حرية الاختيار.
اننا نرى ان مصر لا زالت في بدايات المواجهة، و هو امر قابل للاحتواء و الاستيعاب والمعالجة الان، لكن التأخير في اتخاذ المواقف او الاحجام عن اعتماد التدبير المناسب في وقته، قد يضيع فرص العلاج و يفاقم الامر، و يضيف الى الخسائر العربية كارثة جديدة لم يعد الجسم العربي قادرا على تحمل المزيد منها.
:::::
المصدر: “البناء”، بيروت