أي موقع للعرب بين امريكا وإيران!

عادل سمارة

هل يعني أن  تضاؤل الحديث العلني مؤخراً عن العلاقات الأمريكية الإيرانية تطور  راجع إلى تضاؤل  في أهمية الحدث نفسه، أم يجب أن يعني الاهتمام به أكثر وخاصة من جانب بعض العرب؟ نعم بعض العرب لأن العرب ذوي أهواء عديدة لا يجمعهم جامع في هذه الحقبة سوى التمترس وراء الاختلاف الذي  صار يبدو كما لو كان طبيعة. وهذا ربما التفسير الأفضل لاستدخال الهزيمة. فالعرب المعنيون بما يحصل هم عرب وعي اليوم، صمود اليوم أي عرب الغد، لأن بين العرب من تمترس عند ما كان. وإذا كانت قراءة الماضي ضرورة  فهي كذلك فقط من أجل غدٍ لا من أجل تبريرموتورية أو مصلحة محدودة أو بالطبع الدفاع عن ارتباطات متخارجة.

حين يدور الحديث عن قوة عالمية وقوة إقليمية،وحين ينتقل الحديث من الإعلام إلى الكواليس يكون  على العرب الانتباه جيداً، وأولى درجات الانتباه هي: الإدراك بأن الوضع الطبيعي للعرب ان يكونوا قوة في المستويين الإقليمي والعالمي! لا أن يكونوا تراكما من من الهامشيين ينتظرون ارفضاض لقاء الاقوياء ليعرفوا إن كان بقي لهم حق العيش البئيس الذي يغوصون فيه.

ولكن، ما هو السؤال الأساس في الشأن الأمريكي الإيراني؟

هو في إطار قطبية كبرى تنقل مركز ثقلها نسبيا من منطقة إلى أخرى وتعمل على ترتيب المنطقة الأولى باقل الخسائر لحليفها الصيوني وبأقل الأرباح لخصمها إيران وكل ذلك على حساب توابعها العرب. وإن صح هذا فليست المنطقة مقبلة على تسوية شاملة بل على تسويات بالقطعة.

وهذا يعني أن الولايات المتحدة مضطرة  لتسوية ما مع إيران قد تبدأ التوقف عن القلق المصطنع من النووي الإيراني  لتحقق مقابله:

  •  بقاء النووي حكرا على الكيان الصهيوني مما يُبقي على القلق الإيراني وعرب المقاومة في محله
  • تحقق درجة من اقتسام النفوذ في الإقليم اي ضمان ما بحماية صهيونية للخليج تغض إيران الطرف عنها،  أو لا تعترضها. ولكن تضعها في الاعتبار الدائم مما يزيد استنزاف إيران تسليحيا ويعيق تطورها المدني وهي تجربة “ناجحة” للغرب ضد الاتحاد السوفييتي السابق.
  • وهذا يوفر للكيان سيولة مالية هائلة ك “حامي” لخليج النفط لفترة زمنية مقبلة مما يخفف العبىء المالي الصهيوني عن كاهل واشنطن ويضمن توترا في المنطقة لأمد طويل قادم ويخلق شغلا متواصلا لشركات السلاح المشتركة.
  • يُبقي على الخليج محتجزا من “خطر”  الاعتماد على الذات أو على اي بلد عربي مما ييطيل عمر التفكك العربي.
  • يحتجز إمكانية عودة مصر للعب دور ضامن أمن ذلك الجزء من الوطن العربي.
  • ويحاول فك ولو نسبي لسوريا إيران عن بعضهما ضربا لمحور المقاومة والممانعة وهذا مرتبط جدا بسير الدفاع السوري عن العدوان المتعدد على أرضها.
  • ضبط اي خلاف تركي إيراني لتبقى تركيا الأطلسية والصهيونية قوة تهديد لأي نمو للدور السوري، الذي يواجه خليجا متصهينا.

إن صح هذا ففيه تفسير لعدم تعجُّل روحاني للقاء أوباما، وعدم تجاوبه مع دعوة الملك فيصل لزيارة السعودية تحت غطاء فريضة الحج.

ولكن هذا لا يعني ان السعودية سوف تكف عن محاولة تحسين العلاقة مع إيران مستندة، وهنا المفارقة،  عوامل تناقض لا تجاذب:

  • الانفتاح الخليجي على الكيان كقوة عدوان ضد إيران مما يجعل هذا الانفتاح ورقة بيد السعودية من جهة ويُخرج الخليج علانية ونهائيا من الصراع العربي الصهيوني.
  • الإيحاء لإيران بأن بين السعودية (الخليج جميعه) وبين إيران مصلحة في بقاء العرب في حالة تجزئة  على اعتبار أن من مصلحة إيران أن تكون القوة القوى في إقليم للعرب فيه وجود سالب  وليس حضوراً.
  • فأكثر ما يخيف حكام الخليج، ليس عدوانا إيرانيا على الخليج وإنما نهوض قومي عربي تتلاقى ضده مصالح  حكام الخليج والكيان وأمريكا وتركيا ولكن إلى حد ضئيل إيران.

وقد يكون هذا ما تساوم به أمريكا إيران في اللحظة بمعنى هل ستختار إيران هذا الطيف الواسع من (الأصدقاء/الأعداء) أم تختار سوريا المعزولة عربيا على الأقل. وهذا ما يؤكد ان التسوية بالقطعة والموقع وليست شاملة.

إجتهادي حتى اللحظة أن إيران ذاهبة باتجاه التمسك بالعلاقة مع سوريا والمقاومة لأن هذه مؤشرات حركة المستقبل، وبأن مرونة أعدائها لا يمكن أن تتحول إلى صداقة. هذا ناهيك عن أن الرابح الأساسي من  بين معسكر الأعداء هو الكيان الصهيوني وتركيا وبأن إيران ولاعتبارات عديدة لا ترى نفسها باتجاه تحالف مع هذا الكيان.

وقد يساعد على هذا الاجتهاد أن علاقات إيران تتراجع مع الغرب (بمفهوم الامتداد الزمي) وتتجه شرقاً وخاصة مع روسيا والصين بل مع البريكس عموماً. وكما نلاحظ فقد اخذ بوتين أحياناً يذكر إيران وفنزويللا كجزء من البريكس.

يبقى في معالجة هذه المسألة أكثر من سؤال:

الأول: هل ستصمد سوريا أمام محاولات أمريكية لإخراجها من معسكر المقاومة والممانعة وهو أمر يقلق امريكا جداً كما يُقلق عجوزا على مستقبل ابنه في وادغير ذي زرع؟ ولعل من المؤشرات على هذا محاولات وساطة الحكم الذاتي بين قطر وسوريا)؟ ونقصد بالصمود هنا أن تتمسك سوريا بشرطين هما وحدهما اللذين يجعلان لتضحياتها وانتصارها معنىً:

  • تجذير النظام اجتماعيا واقتصاديا
  • وتجذير موقفها تجاه الكيان الصهيوني كبلد مقاومة ورفض مساومة  حكام الخليج من مدخل قومي يعمل على إعادة العروبة لهذا الجزء من الوطن العربي.

والثاني: قدرة سوريا على تركيز التحالف مع إيران ليكون تحالفا عربيا إيرانيا وليس تبعية جديدة إقليمياً،

والثالث: قيادة سوريا لمحور عربي يتجه شرقا في السياسة والاقتصاد والثقافة والدفاع.

في هذه السياقات جميعها يصعب التطرق إلى مصر طالما سياسة الخليط لم تستقر من جهة ولم تتضح بالطبع. هذا مع أن مصر تشكل الرديف الأساس لسوريا ربما بانتظار أخذ دورها القيادي.

وإذا كان كل هذا الحديث عن الأنظمة والقيادات وربما الطبقات الحاكمة، يبقى محرك الزمن المقبل وجود قوى سياسية شعبية