امين محمد حطيط
لم يكن مفاجئا ان يوصف الدور السعودي في لبنان بانه دور تعطيلي و تدميري، فان الامر بذاته يدركه المتابعون و المعنيون بشكل اكيد لا لبس فيه، لكن المفاجأة جاءت من جهة الطرف الذي وصف السعودية بهذا الوصف و قال فيها ما لم يقله مالك في الخمر، حيث ان جيفري فيلتمان السفير الاميركي السابق في لبنان، و المساعد الحالي للامين العام للامم المتحدة لشؤون الشرق الاوسط، و الذي له موقع خاص في الدبلوماسية الاميركية و الدولية و الاممية ومن كان قائدا لجماعة 14 اذار الحريرية السعودية هو الذي وصف الدور السعودي في لبنان بانه ” تعطيلي ” يمارس بحقد و وقاحة لا يمكن لاحد ان يتصورها او يتقبلها. و السعودية تمارس الدور ذاته في العراق الذي ” قطعت معه كل العلاقات ” على حد قول فيلتمان ذاته و لا تريد ان ترى فيه جديدا او تطورا او اي شيء فيه خير للعراقيين.
نحن لم نفاجأ بما قاله جيفري فيلتمان اذن، و الذي ذكر لبنان و العراق كضحايا للدور السعودي و لم يذكر سورية و البحرين حيث ان الدور التدميري السعودي هنا افظع مما تقدم، و اذا شاء المتابع ان يجري جردة بسيطة و بالعناوين الرئيسية للسلوك السعودي في المنطقة خاصة و في البلدان الاربعة تلك و يبحث عن الاسباب و النتائج لكانت صدمته كبيرة مزلزلة.
فمن حيث الوقائع نجد ان السعودية قامت و تقوم :
– في لبنان : اسقطت حكومة ميقاتي لاخراج حزب الله منها، منعت تشكيل حكومة جديدة لمنع عودة حزب الله الى السلطة، منعت السير في عملية تلزيم بلوكات النفط حتى لا تدع لبنان – الذي لا تسيطر عليه كمستعمرة لها – لا تدعه يدخل الى نادي الدول النفطية، مولت و تمول الصراعات المذهبية و فتكت مباشرة او عبر حريريها و الجهات السياسية التي ترعاها فتكت بالوحدة الوطنية و اقامت الخنادق المذهبية، اهانت لبنان اهانة موصوفة عبر الغاء زيارة مقررة لرئيس الجمهورية، تستمر في تمويل الحركات و التنظيمات التي تزعزع الامن في لبنان…و تشيطن المقاومة ضد اسرائيل و تضعها على لائحة الارهاب الخليجي و الاروبي.
– في العراق : فتكت بالوحدة الوطنية، و تعمل على تعميق الصراعات المذهبية و زعزعة استقرار الكيان العراقي سياسيا و الافظع منه امنيا، عبر رعاية و تمويل التنظيمات الارهابية من “قاعدة ” و تفرعاتها و امتدادتها بكل التسميات ( داعش و جبهة النصرة و سواها ) و هي التنظيمات التي تمعن في قتل العراقيين بشكل يومي و تدمر حياتهم الاجتماعية كما تدمر مساجدهم و مزاراتهم المقدسة و اماكن عملهم.
– في البحرين : غزت الجزيرة تحت عنوان اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون الحليجي، و بررت ادخال جنودها الى المملكة بالدفاع عن البلاد و لكن كانت الحقيقة من اجل قمع حركة الشعب البحريني المطلبية، و هي حركة سلمية بامتياز الحركة التي رغم كل صنوف القهر والارهاب و العنف الذي تمارسه السلطة لم تخرج عن سلميتها، ثم منعت (السعودية ) استجابة ملك البحرين لمقتضيات الحوار الوطني و اجراء اصلاحات ترضي الشعب باغلبيته الساحقة، و تمسكت برئيس وزراء البحرين كممثل قمعي يمنع اي اصلاح.
– اما في سورية و هنا تبدو الاهوال و الجرائم الكارثية الكبرى من السلوك السعودي منذ نيف و 30 شهرا، فبعد ان سخرت اعلامها للتحريض على الفوضى و الفتنة في سورية و دفع الناس لقتال دولتهم، فانها رعت و مولت تشكيل كيانات و هيئات سياسية لمناهضة الدولة و منازعة الحكومة الشرعية شرعيتها، ثم اقدمت و خلافا لميثاق الجامعة العربية على تعليق مشاركة سورية بشرعيتها القائمة مشاركتها باجتماعات الجامعة ثم و بوقاحة واضحة منحت مقعد سورية لفئة من نزلاء الفنادق يدعون زورا انهم يمثلون الشعب السوري دونما دليل او قرينة حتى بسيطة على صحة ما يدعون… و لم تكتف السعودية بهذا القدر من السلوك العدواني ضد دولة هي قطب الرحى في الصراع العربي الصهيوني، بل انها دعت الغرب و الناتو بشكل خاص للعدوان على سورية و تدمير جيشها و الاجهاز على مقومات الحياة فيها، و التزمت منذ اذار الماضي ملف الارهاب و القتل في سورية فرفعت من وتيرة تسليح الارهابيين و اعادة تنظيمهم في الوية و فيالق و تنظيمات ترتبط مباشرة بمدير مخابراتها المعروف دوليا بتسمية بندر بوش ( بدل اسمه الاصلي بندر بن سلطان )، و خلال دورها هذا زودت الارهابيين بالسلاح الكيماوي و امرتهم باستعماله يشكل استفزازي و الصاق التهمة بالحكومة السورية من اجل استجلاب عدوان خارجي عليها ينفذ مباشرة بقوى عسكرية تابعة لاميركا و حلف الناتو كما كانت تشتهي.
هذا غيض من فيض السلوكيات السعودية في المنطقة، ضد العرب و المسلمين، سلوك ليس اقله التعطيل و القتل و التدمير، بل ان فيه من المخاطر ما يقود الى الخوف على مستقبل المنطقة كله و مستقبل امنها و العيش فيها، و نسأل لماذا تقوم السعودية بهذا الدور القاتل ومن اجل من ؟
قد يقول قائل بان السعودية التي اقنعت نفسها و بعض العالم بانها تربعت على عرش القيادة للامة العربية ثم للامة الاسلامية منذ ان اهتزت صورة عبد الناصر في العام 1967 اثر الحرب العربية الاسرائيلية، انها و بعد امتلك زمام ” الامتين” و بات مليكها ” خادم الحرمين” ( ويعني في العمق و الحقيقة القابض على امر الحرمين الكعبة في مكة و مقام النبي في المدينة) بعد كل ذلك باتت تعتقد ان خروج اي دولة عربية عن قيادتها و ممارستها لسيادتها و قرارها المستقل انما هو ” اعتداء على السعودية يبرر مواجهته بكل الاساليب والطرق ممارسة ل”حق السيد في تأديب العبد “.
ان لهذا القول من المنطق ما يجعلنا نفسر السلوك السعودي، بما يتطابق مع القاعدة الاستعمارية الشهيرة “لنا او للنار ” بمعنى ان المستعمر او الحاكم المستبد اما ان يملك الامر ويتحكم به في كل تفاصيله، او ان يحرقه و يدمره و يحرم الاخر من الاستفادة منه. و هي – اي السعودية – ترى نفسها صاحبة الولاية و الامرة في البلدان الاربعة التي ذكرنا و تتعامل معها على اساس الاستتباع و الالحاق بفضاء النفوذ و السيطرة او ان تمنع قيامها كدولة و تدمرها كطاقات و قدرات.
لكن و رغم ما في هذا التفسير من وجاهة الراي فاننا لا نستطيع ان نهمل ما هو ابعد منه و اشد خطرا، اذ ان السعودية و رغم اعتناقها المذهب الوهابي التكفيري منذ ان اسسها عبد العزيز بن سعود، و رغم ما قامت بها من سلوكيات سابقة ضد فكرة القومية العربية و وحدة الامة العربية و العمل الاسلامي المشترك، الا انها لم تصل الى هذا المستوى من السلوك التدميري التعطيلي الانتقامي. ثم ان نظرة ممحصة في البلدان التي تستهدفها السعودية بسياستها التدميرية تلك و بالاسباب الموجبة التي تبرر السعودية فيها سياستها في السر، و الاهداف التي تبتغي تحقيها من اعلامها التحريضي على مذاهب اسلامية محددة، حتى و ما قامت به في موسم الحج الحالي من توزيع كتب و منشورات تكفر بعض المذاهب الاسلامية و تصف اتباعها بالعدو مع عبارات ” احذر عدوك ” او “فلان عدوك “، مقترنة ب ” اقتلوهم حيث ثقفتموهم “.. بجمع كل هذا وعطفه على مقرارت مؤتمرات هرتزيليا الصهيوني و توصياته منذ العام 2007، و كلها تحض على نشر الفتنة و الصدام بين السنة الشيعة، و العرب و الفرس، من اجل اراحة اسرائيل، كما و معطوفا على الدعوة الاميركية الى الفوضى الخلاقة من اجل تفتيت المنطقة واعادة تركيبها خدمة لاسرائيل، بجمع كل ذلك و تحليله و تفسيره بعضه على ضوء بعض نصل الى نتيجة واحدة ابعد من من مسألة السيطرة و النفوذ، هي ان السعودية تنفذ مشروعا قرره ارباب التكتل الصهيو اميركي الغربي ضد الامتين العربية و الاسلامية كما و ضد الاسلام ذاته من اجل اسرائيل.. فاذا كانت لا تعرف ذلك فتلك مصيبة و ان كانت تعرف فالمصيبة اعظم.
ثم ان الاخطر من هذا هو ان السعودية لا تدرك – كما يبدو – ان اصحاب المشروع انفسهم يئسوا من النجاح في الوصول الى اهدافهم بعد ان صمدت الجبهة – المحور المستهدف، ما جعل قيادة المشروع تبحث عن سبل اللقاء و التفاهم مع المكونات الرئيسية للمحور، و بدل ان تشكل سلوكيات اميركا حيال ايران و سورية، و التبدل في المناخ الدولي برمته حيال المحور كله، بدل ان تشكل فرصة تحفيز الوعي السعودي و الاستيقاظ للخروج من طريق بات السير فيه عقيما، نجد السعودية تمارس سياسة الانفعال و الانتقام و الضرب على غير هدى.. و هي سلوكيات لا تجدي نفعا و لا تعوض خسرانا بطبيعة الحال.
و في الخلاصة نرى ان على السعودية ان تدرك – و قد لا يكون الوقت قد فات بعد – ان تدرك ان الجهات التي تستهدفها تملك من المناعة الدفاعية و القدرة على المواجهة ما يجعل انتصار السعودية عليها امرا مستحيلا ( قلنا هذا منذ اربعة اشهر و وصفنا مهمة السعودية في سورية بالمستحيلة ) و ان الجهات الغربية التي تتكل عليها تخلت عن المشروع بعد ان تيقنت من عقمه، كما ان بعض من كان معها من دول الخليج تخلى عن متابعة السير في المشروع و راح يتلمس الطرق للتقرب من سورية و العراق و ايران حتى و من حزب الله… و قد يكون هناك متسع من الطريق للتراجع و توفر على نفسها الانتحار وعلى غيرها القتل و التدمير. فهل تتراجع حتى ولو كلف الامر التضحية ببعض الرؤوس ؟
:::::
جريدة الثورة دمشق