عبداللطيف مهنا
لعقود مريرة تتالت ، خبر الفلسطينيون ملاقاة العيد وهم عزلاً يرسفون في أسار الإحتلال ، وأن يستقبلوه وهم في حال المستفرد به الذي يتعرض لمختلف محاولات سحقه ، مادياً ومعنوياً ، تحت وطئة نيره الثقيل الغاشم . عقود توالت تأتيهم سنواتها بالمناسبة فيحتفون بها وهم يواجهون اشرس واخبث أنواع الإحتلالات التي عرفتها البشرية ومرت بها الشعوب أوخبرتها الأمم ، ويصمدون ويناضلون في ظل ظروف عسفه القهرية الموجعة . و في حين كان غالب من هم سواهم يستقبلون العيد بفرح الآمل بما يبهج فيه ، أو المتفائل المستبشر ببركة قدومه المرتجاة ، ظل لايلقاهم إلا وكأنما ليشاركهم فحسب مرارات ومكابدات واقعهم الحزين ، وألا يودِّعونه إلا وهم يأملون بأن يعود لهم وهم على غير مثل الحال الذي غادرهم وهم فيها .
هذه المرة مر الأضحى على الفلسطينيين ليجدهم ليسوا على تلك الحال التي كانوا فيها فيما سبق من اعوام فحسب ، بل والأسوأ منها . ارضهم من حولهم تنهب يومياً وتسرق من تحت اقدامهم وأمام اعينهم ، والحصارات الإبادية الرهيبة تطبق بلارحمة على أنفاسهم ، ودمهم المُسترخص المستباح يسفح بلاحساب ويهدر دون محاسبة ، وحرماتهم تنتهك وكراماتهم تمتهن وحريتهم وتزهق ، وكله وحيث لامن نصير أومجير أو مغيث … جاء هذه المرة والعالم كعهده ، أي وكأنما هو في واد آخر . بعيده وغريبه ، هو إما المشارك المباشر أوغير المباشر في ديمومة محنته كراع داعم لأعدائه المحتلين ، أو متستر مغطي لجرائمهم ، أو في حال من لايعنيه مايحل بهم ، أو هو اعتاده فلايلتفت اليه … و القريب الشقيق الذي هو البين حالين ، المنشغل بهمومه واولوياته التي زاده منها هبوب رياح سموم الفوضى الخلاَّقة التي يضرب عجيجها راهناً في اصقاع دنيا العرب مغارباً ومشارقاً ، أو المستغرق المتلهي ببائس نزاعاته ونزعاته وخلافاته ومماحكاته القطرية المستشرية ، والتي عليها وبها ، إلى جانب لجوء بعضه لضروب التبعية والارتهان للغرب المعادي ، يعتاش غالب نظام الأمة الرسمي المهترىء والآسن ويضمن استمراريته … وإما من انتهج ، وللأسباب المذكورة أو من دونها ، سبل اشاحة الوجه عما يجري للأشقاء ونفض اليد تحللاً من التزامه المستوجب اتجاه قضية قضايا أمتة المركزية في فلسطين ، بل تواطىء ، وأقله بصمته ، بغية الخلاص من اعباء ومستحقات هذا الإلتزام ، ليقترب في بعض حالاته من شبه التحالف الموضوعي مع المحتلين .
هذا العيد يغشى الفلسطينين وقد تفاقم سييء الحال وصعَّد المحتلون فزادوا من سوءه المعهود ، والأمثلة عديدة نكتفي منها بإراد بعض ما رافق حلوله ووقفة حجيجه على عرفات لاأكثر ، كاقتحام مجاميع من المستعمرين لباحات أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من باب المغاربة ليرفعوا فيها علم الإحتلال تحميهم وتسند عربدتهم الموجهة والمدروسة والمبرمجة اعداد كبيرة من القوات الخاصة ، وأدت مجموعة أخرى طقوساً تلمودية عند باب الرحمة ، كما وكُشف عن مخطط لهم لبناء كنيس على ثلث مساحة الحرم ، وعلى مقربة في المدينة الأسيرة طعن مستعمرفتاة مقدسية نقلت على اثر فعلته للمستشفى ، واعتدى آخرون على ممتلكات المواطنين في الشيخ جرَّاح وامعنوا فيها تخريباً . هذا في بيت المقدس ، أما في اكنافه ، وفي اطار جاري تهويدها ، فاخطرت سلطات الإحتلال تسع عائلات في وادي المالح بمنطقة الأغواربمغادرة منازلها في مهلة لاتتجاوز ظهيرة يوم الوقفة ، وفي سياقات الغارات والمداهمات وما يتبعها عادة من اغتيالات واعتقالات ، كان ما شهدته مدن طول كرم ونابلس ورام الله والخليل ، والذي انتهى باعتقال 16 مواطناً . ولايمكن الحديث عن عيد الفلسطينيين في الضفة دون التعرض لحالهم في قطاع غزة المكابد لسنوات الحصار الإبادي البشع بشقيه الصهيوني والعربي ، أوأنباء متواصل ضروب البطش الذي يلاقيه فلسطينيو النقب أويعانيه اخوانهم في المثلث والجليل أو من تبقى منهم في يافا ، أوما يواجهه فلسطينيو المهاجر ومخيمات الشتات .
… وإذ أتاهم العيد ، فهناك خشية حقيقية من أن تسفر المفاوضات المكتومة الجارية بين الأوسلويين والصهاينة برعاية العدو الأميركي عن تنازلات تصفوية متوقعة من شأنها تصفية القضية ، يسهم فى تمريرها راهن المناخات الدولية والإقليمية والعربية السائلة ، والإنسداد الموضوعي لأفق مايعرف بالمصالحة الفلسطينية المستحيلة لغياب إجماع الساحة على برنامج حد أدنى وطني مقاوم يوحد ها ، ويضع حداً لمتواصل الإنجراف الأوسلوي في المنحد ر التصفوي والغرق في مستنقع مفاوضاته العبثية المجرَّبة على مدار عشرين عاماً ، هذا الذي أدى بالساحة والقضية الى مثل هذه الحالة البائسة التي يمر هذا العيد عليها ليجدها فيها ويتركها عليها … وما الحل ؟!
لقد بلغ السيل الزبى ، وبات الحال قاب قوسين أو ادنى من الإنفجار ، وهذا مايرجحه العدو ويقلقه ويستعد إليه ، وكثيرون ممن كانوا يتوقعون اندلاع الإنتفاضة الثالثة هم الأن باتوا في حكم المتأكد من اندلاعها الوشيك … هل تسمح الظروف الإحتلالية القاهرة ، وفعالية التنسيق الأمني الأوسلوي مع الإحتلال ، وتحوطات سلطة مرتهنة وترى في أي انفجار شعبي نهايتها ، باندلاعها ؟ الجواب ، وهل من خيار سواها ؟؟!!