إنتهازي من يتذيل للإخوان ومن ينصحه

بعدم التذيل لأن مستقبلهم إنتهى

عادل سمارة

يتضح يوما بعد آخر تواضع دور الخليط الحاكم في مصر لصالح قيادة الجيش. كما يشعر الشارع باستراحة ما أو حتى تراخٍ على قاعدة الثقة بالجيش. نقول الشارع لأن الحراك الشعبي الذي اسقط مبارك (وبعض الحزب الوطني)  ومن ثم مرسي (وحكم الإخوان) ، لم يكن حركة شعبية منظمة وصاحبة برنامج بل كانت جماهير اجتماعية وطنية ولا تزال كذلك. صحيح أن هذا الحراك أسقط قوى التجويف –تجويف الوعي- وإن لم يُسقط القمع كلياً، وربما ليس معنيَّاً  بذلك بعد لإن إسقاط او تقويض قوى تجويف الوعي لا بد أن تقوم به حركة طبقية شعبية تذهب في التغيير إلى عمق إسقاط الطبقة المالكة/الحاكمة. والأخطر أن هذا الحراك لم يُسقط  قوى التجريف-تجريف الثروة- حيث لا تزال الطبقة/ات الكمبرادورية والطفيلية وخاصة رجال الأعمال متحكمة بالثروة وتجني الفائض بلا معيق وهي موجودة او متمثلة في السلطة، وربما لم يتضرر منها سوى بعض الشخوص الذي يمزجون بين الدور السياسي القيادي وبين الرسملة معاً. وهذا لا يعني مساسا حقيقياً بسلطة راس المال كطبقة لا تزال تحكم عملياً،  وإن لم تبدو شكلياً وظاهرياً. وحكم هذه الطبقة هو في الاقتصاد والسياسة والثقافة والتطبيع مع الكيان الصهيوني والابتعاد عن العروبة والاقتراب من المركز الإمبريالي…الخ . وربما الأمر اسوأ بمعنى أن الأصوات التي تنادي بإسقاط سلطة راس المال هي اصوات ضعيفة أو لقوى ليست قوية بما يحقق على الأقل رفع الشعار فما بالك بتنفيذه.

إذا صح هذا التشخيص الطبقي لمصر حالياً  فهو يعني  أن الثورة المضادة في مصر حصرت الحراك الشعبي في نطاق الإرهاصات حتى الآن بمعنى أن:

·         البرجوازية التابعة لا تزال على قوتها

·         الطبقات الشعبية لا تزال وجودا بلا حضور

·         المسألة الوطنية/القومية لم يتم التصدي لها.

·         وبأن الحضور السياسي (وبالطبع الاجتماعي الإقتصادي) هو للبرجوازية

قد يتسائل البعض وهل المسألة هي طبقية إلى هذا الحد ومحصورة في البرجوازية والطبقات الشعبية؟

من ناحية وجودية حقيقية هاتان هما الطبقتان الرئيسيتان، وإن كان هذا لا ينفي وجود مزيح من الطبقات وخاصة الوسطى التي تتداخل هوامشها أو محيطها مع محيط الطبقتين الرئيسيتين. صحيح أن كثير من الاقتصادين يتحدثون عن الطبقة الوسطى كرافعة للاقتصاد من حيث قدرتها الاستهلاكية ، وهو اعتقاد مأخوذ من التجربة الإميركية التي بدأت في عشرينات  وثلاثينات القرن المنصرم.

ولكنني أعتقد بأن تعظيم دور هذه الطبقة هو أمر مبالغ فيه في بلدان المحيط وذلك لسببين:

·         لأنها أي الوسطى ليست بنفس الإمكانات التي لنظيرتها في المركز

·         والأهم، لأن التركيز على دورها منوط بكونه عامل تبريد للتناقض ومن ثم الصراع الطبقي.  والحفاظ على استقرار المجتمع  والذي معناه سيطرة مستريحة لراس المال.

وبغض النظر عن التباينات في تحديد الأهمية الطبقية، فإن ما يهمنا في هذا السياق هو المأزق الذي يعيشه اليسار في مصر من حيث عدم تمكنه من تمثيل الطبقة التي يُفترض تمثيله لها. وقد يكون الخلل المركزي لدى اليسار ليس في عدم رؤيته لدوره، ولمعسكره ولبيئته التي هي واضحة وموجودة في الشارع قبل وجوده.

قد تكون مشكلة اليسار في التالي:

أولاً: انشغال قوى اليسار في البحث عن تحالفات تابعة للقوى البرجوازية  ولا سيما خليط السلطة المكون من لبراليين، وناصريين ذووي توجهات يمينية وغير قومية (تيار حمدين صباحي الذي كان يسابق مرسي على العدوان على سوريا!!!!) اي مأخوذين بالوصول إلى السلطة وليسوا أصحاب برنامج وطني وقومي، ووفديين وحتى مع الحزب الوطني الذي يمثل النظام السابق بوضوح، وربما حتى السلفيين.

ثانياً: عدم توجه قوى اليسار إلى سياسة النفس الطويل وهي الحفر في العمق الاجتماعي بالعمل على تحقيق مكاسب للطبقات الشعبية سواء فيما يخص الحد الأدنى والحد الأعلى للأجور وليس فقط تحديد الحد الأدنى، والنضال النقابي والتحريض على الإضرابات والنضال من أجل حقوق العمال وضد منع الإضرابات العمالية بحجج إبقاء خط الإنتاج مشتغلاً…الخ بحجة حماية الاقتصاد الوطني التي يُقصد بها طبعاً حماية مصالح البرجوازية واستمرار تدفق  فائض القيمة إلى حساباتها..

إن القوى الاشتراكية والشيوعية وحدها هي المطالبة برفع الوجود الطبقي للطبقات الشعبية إلى حضور طبقي، إلى طبقة واعية وفاعلة سياسيا وطبقيا معا، وهو الشرط لحضورها وطنياً في النهاية.

وللوصول إلى هذا الدور، لا بد من حسم الموقف لدى قوى الاشتراكية والشيوعية بأن تقدم تحليلا ورؤية وموقفا من السلطة أو الصراع السياسي على السلطة. اين تقف من الصراع في مصر؟  وهل هو صراع طبقي الذي يدور بين المتصارعين على السلطة في صراع على السلطة أم هو صراع  عى السلطة من أجل المسألة الوطنية؟

طبعاً حينما يكون التناقض والصراع على المسألة الوطنية اي بين من يحاول تثبيت الوطن وبين من يحاول تمييع الوطن، فهي حالة أو لحظة ربما مُعيبة لأية أمة أو شعب   معيبة تاريخياً.

هناك في بنية الخليط قوى لا تؤمن بالوطنية المصرية، وبالطبع لا تؤمن بالقومية العربية. قوى التبعية هي متخارجة غرباً، وهي قوى تغطي بل وتحمي البرجوازية الكمبرادورية والطفيلية التي لم تطالها حرارة الحراك الشعبي بعد. لا يمكن لقوى يقودها عمرو موسى وعمرو حمزاوي والبرادعي أن تلعب دورا وطنيا خارج التبعية. ولا يمكن لحزب الوفد رغم وطنيته أن يكون حزباً لغير البرجوازية المصرية ورجال الأعمال. وكل هذه القوى مضادة لمصالح الطبقات الشعبية عمالا وفلاحين على الأقل.

ورغم وطنية الجيش المصري، فليس من المتوقع أن يتحول إلى جيش “البروليتاريا” بالطبع، وفي أحسن أحواله قد يقف على الحياد في الصراع الاجتماعي، وهو أمر مشكوك في صحته حيث لا وجود حقيقي لدور البونابرتية.

وفي الجهة المقابلة هناك معسكر الإخوان المسلمين الذين يجلسون على قاعدة من الطبقات الشعبية لكنهم يتحكمون  بها بآليتين خطيرتين:

·         أخذ جمهورهم من الوطن إلى الدين السياسي مما يُفرغ هذا الجمهور من التصدي للسيطرة الإمبريالية وخاصة الأميركية ويُبعد هذا الجمهور عن مواجهة اتفاق كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني الإشكنازي.

·         إبعاد هذا الجمهور عن المشكلة الاجتماعية الطبقية التي يعاني منها وذلك بشراء المفاتيح الاجتماعية والثقافية لهذا الجمهور التي تولج في عقل الجمهور بأن الفقر مسألة ربانية لا بشرية اجتماعية وهذا دور المثقف العضوي لقوى الدين السياسي. كما تعمل على تقوية ركائزها الطبقية المتنفعة في اوساط جماهير الإخوان وذلك عبر تمويل إقامة مصالح صغيرة متعدد لهذه العناصر القيادية الوسطية التي تشكل عامل تتبيع القاعدة للقيادة.

وهنا يبرز سؤال اللحظة بمعنى: اين تقف القوى الثورية؟ أين تتخندق ؟ ربما يصلح التذكير بالشعار الذي رفعه لينين ذات وقت: من هم اصدقاء الشعب وكيف يحارب الاشتراكيون الديمقرطيون؟

هل تقف هذه القوى مع الخليط الحاكم وعلى رأسه الجيش أم تقف مع الإخوان المسلمين؟ وما هو الموقف المبدئي المرتكز على دور وواجب هذه القوى؟

وقد يساعدنا هنا السؤال التالي:

من الذي اختار الآخر في مصر 30 يونيو 2013: هل الطبقات الشعبية هي التي اختارت الجيش؟ أم أن الجيش هو الذي اضطر للانحياز للطبقات الشعبية كي يقودها وليس كي يحقق أمانيها؟ طبعاً سيقول البعض بأنه انقلاب وهذا ما نترك الإجابة عليه للمصريين.

وهل كان الجيش حزبها أم أن المشكلة أنها حجم بلا قيادة وحزب؟

وجود بلا حضور؟

كما يساعدنا  كذلك التأكيد على حقيقة أن هذه الجماهير لم تختر الإخوان، وهذا أهم ما في المعادلة. وهذا يفتح على سؤالين رئيسيين:

الأول: طالما أن الجماهير لم تختر الإخوان؟ فلماذا تختار قوى يسارية (ولو صغيرة) الوقوف مع الإخوان؟

والثاني: هل المسألة بالنسبة لليسار هي في الوقوف مع المحتجين بغض النظر من هم؟

يذكرنا هذا بالقول الشعبي: “الحركة بركة” وهذا ليس صحيحاً، ففي علم الديالكتيك، هناك حالات تكون فيها الحركة ارتدادية، وإن كانت الحركة غالبا إلى الأمام فهذا درس التاريخ. إن اليسار الذي يعجز عن تحريك الطبقات الشعبية من أجل مصالحها ووطنها ويتلطى بتحريك قوى الدين السياسي للجماهير هو يسار في أفضل أحواله إنتهازي وفي إحدى درجات أحواله خطير لأنه ربما يحمل في أحشائه ارتباطات أجنبية للغرب والكيان الصهيوني وهي أحشاء لن نكتشف حملها إلا حين تضع ذلك الحمل!!! ولا يحتاج عاقل لشرح باي اتجاه تقوم قوى الدين السياسي بتحريك الجماهير!!!فليس لديها اي توجه قومي بل هي باتجاه أممية دينية لا تتأتى إلا يوم القيامة.

إن الوضع أو الدور الطبيعي لليسار هو الحفاظ على مسافة حقيقية بينه وبين أفضل قوى الخليط وخاصة الجيش، وأن يحدد موقفه منها بناء على موقفها واقترابها من المطالب الشعبية اجتماعيا ووطنيا وقوميا، وأن يناضل من أجل هذه المطالب سواء في الحركة العمالية أو النقابات أو اتحاد الفلاحين والمطالبة باجور أعلى وبالأرض…الخ وهذه تضعه في موقع الصراع الطبقي مع السلطة، وهو الصراع الأكثر شرفاً.

أما الانحياز إلى الإخوان (كما يفعل أحفاد تروتسكي-الإشتراكيون الثوريون)  لأن جمهورهم هو المنتفض او المحتج، فليس بموقف يساري ولا وطني وخاصة بعد تجربة مصر للإخوان. ولا يمكن لعجز اليسار عن تحريك الشارع أن يكون مبررا لليسار كي يلحق نفسه بالإخوان لأنهم في الأساس لم يلتفتوا ولا يمكنهم الالتفات إلى الطبقات الشعبية ولم يلتفتوا إلى المسألة الوطنية ولا القومية. فعلام ينحازهذا اليسار إليهم؟ هذا الموقف ناجم عن رسوخ تقليدي لدى كثير من اليسار بأنه يسار محكوم عليه بأن يبقى ملحقاً. وهذا يفقده تماما دوره الطبقي ويحوله غلى مجموعات هامشية وكلما زادت هامشيتها زادت انتهازيتها.

في مغازلة بعض المثقفين العرب “مقاولي ومحتكري شركة- الصراع الطبقي” في مغازلتهم للتروتسكيين المتحالفين مع الإخوان يقومون باسداء النصح للتروتسكيين بأن الإخوان المسلمين لن يتمكنوا من تصدُّر المشهد، وبالتالي فالتحالف معهم لا مستقبل له!

والمثير بأن هذه النصائح هي كذلك موقف انتهازي يحاول إسعاف موقف انتهازي آخر.  لأن المفترض في اليسار أن لا يتسلل بين حبات المطر كعاشق جبان. دور اليسار  اذا كان اشتراكيا وشيوعيا هو أن يقف بعيدا عن السلطة البرجوازية ، وأن يناضل وطنياً وأن يناضل إلى جانب ذلك دفاعاعن الطبقات الشعبية لا أن يتذيل لقوى الدين السياسي حتى لو أن لها “مستقبلاً”!!!