الابراهيمي2 بين عقد العدوان و ثوابت الحل؟!

العميد د. امين محمد حطيط

عندما استنكف كوفي انان عن متابعة المهمة التي انيطت به من قبل الامم المتحدة كوسيط للبحث عن حل سلمي للازمة التي اختلقت لتدور رحاها على الارض السورية، كلف  الجزائري الاخضر الابراهيمي بالمهمة بعد ان رأى اصحاب النفوذ الدولي انذاك انه و بما لديه من مزايا و مؤهلات و ما سيدعم به من ضغط في الميدان سيكون لديه من الفرص  ما يمكنه من تحقيق المراد و و التسريع في الوصول الى الاهداف التي انطلق العدوان على سورية من اجلها. و في المقابل  ظن البعض من حسني النية بان الابراهيمي سيكون وسيطا محايدا يسعى الى حل مناسب يستجيب لقواعد العدل و الحق السوري بالكرامة و السيادة و القرار المستقل للشعب السوري.

 لكن هذا البعض الحسن النية سرعان ما اصطدم بحقائق تغاير ما كان تصور، خاصة بعد ان كشف الابراهيمي نفسه في سلوكه و اتصالاته و مقترحاته، و اظهر ان مهمته جاءت في العمق من اجل تسهيل ما اراده من خطط للعدوان على سورية و قاده و موله، مهمة ترمي الى تغيير العنوان السوري في الخريطة الجيوساسية للمنطقة. لكن الميدان السوري خذل الطموح العدواني، و اجهز على مهمة تحت عنوان دولي غايتها الاجهاز على سورية المستقلة ذات السيادة و المتمسكة بحقوقها الوطنية و القومية. و لاجل ذلك احتجب الابراهيمي عن المسرح الدولي لاشهر طوال، احتجاب  رافقته الاشاعات بانه استقال او اقيل او اعتكف او… الخ من العبارات التي تشير الى وقف مهمة الابراهيمي و وضع حد لمسعاه بالمفهوم المتقدم الذكر.

و بعد ما يزيد قليلا عن السنة على تعيينه وسيطا دوليا بصفة الممثل للامين العام للامم المتحدة في سورية، عاد الابراهيمي للظهور مجددا و للتحرك، لكن كما نعتقد – او هكذا يجب ان يكون – عاد للتحرك بهدف يغاير هدفه الاول الذي  قاده الى حاط مسدود املى عليه الانسحاب من المسرح كما ذكرنا، و برأينا جاء التغيير في الهدف نتيجة لمتغيرات سورية داخلية و معادلات اقليمية و دولية جديدة تخالف ما كان قائما عند التعيين الاول و المحاولة الاولى.

و من اجل احياء بعض ما في الذاكرة، نقول بان الابراهيمي1 و استجابة لتوجيه اميركي غربي و بتنسيق و توافق مع عربان الخليج الذين صادروا قرار الجامعة العربية، سعى في تحركه الاول الى القفز فوق الشرعية السورية القائمة، و تعيين حكومة ذات سلطة مطلقة استئثارية  تجمع في يدها كافة الصلاحيات التشريعية و التنفيذية و تمسك بقرار السلطة القضائية، وتمارس قيادتها للجيش و القوى الامنية كافة مع صلاحية باعادة هيكلة تلك الاجهزة بما يناسب المصالح الخارجية و وفقا لما يذكرنا بحال العراق بعد الاحتلال الاميركي حيث شطبت تلك الاجهزة بقرار من الاميركي برايمر و بات العراق بين ليلة و ضحاها من غير جيش او قوى امنية…

و قد كان سعي الابراهيمي1  هذا منطلقا او مبنياً  على تصور او افتراض بان ما اسمي زورا بانه “ثورة ” في سورية.. نجحت في تحقيق سيطرتها على الدولة و بات بامكان الوسيط ان يترجم هذا النجاح سياسيا وصولا الى حد وضع الشروط حتى الوقحة منها من قبيل اشتراط عدم ترشح الرئيس الاسد في الانتخابات الرئاسية المقبلة…و بطبيعة الحال و لان الحقيقة كانت خلافا للتصور و الافتراض، فقد رفضت شروط الابراهيمي و انهارت مساعيه الرامية لتحقيق اهداف العدوان و فرض عليه الانهيار الاحتجاب كما ذكرنا حتى تغير الحال و باتت الحقيقة اقوى واسطع من يخفيها ظن وسيط او تصور منظمة او هيئة دولية.

و الحقيقة تلك اكدتها مسارات عدة بدءا بمجريات الميدان السوري حيث بات امر نجاح الجماعات المسلحة و الارهابية في  تحقيق انجازات يبنى عليها سياسيا امر مقطوع بانتفائه، وبات التدخل العسكري الاجنبي لصالح تلك الجماعات و فرض اهداف العدوان امر مستبعد كليا خاصة بعد ان باتت روسيا ضامنة لهذا الاستبعاد ضمان كرسه التفاهم الاميركي الروسي حول السلاح الكيماوي السوري و ما ترتب على هذا التفاهم من موجبات، و هو ضمان اضيف الى قوة الردع التي يملكها اصلاً محور المقاومة، ردع منع العدوان بالجيوش الاجنبية على سورية، ثم زاد من سوداوية صورة  المعتدين حالة التفكك و الصراع الميداني بين الجماعات المسلحة، و حال الشرذمة و التنافر بين من يسمون انفسهم “معارضة سورية” في الخارج و مع الداخل ايضاً،  حتى بات امر تشكيل وفد موحد يمثلهم في اي عملية تفاوضية بحثاً عن  الحل السلمي في سورية امر مستحيل.

على ضوء الحقائق الثابتة تلك يتحرك  الابراهيمي2  الان في مسعاه في صيغة  جديدة   وبالتالي سيكون عليه ان يأخذ هذه الحقائق  كلها في الاعتبار حتى يتجنب النهاية التي انتهت اليها مساعيه في صيغتها الاولى، و حتى لا يفشل و يضطر الى الاستقالة كما فعل سلفه..وعليه و من اجل ان ينجح في مهتمه السلمية الواضحة و الصريحة و هي توفير فرص الحوار السوري السوري لبلورة ما يريده الشعب السوري دون تدخل اجنبي و بعيدا عن الخداع والايقاع بهذا الطرف او ذاك  سيكون ضروريا لا بل واجبا عليه معالجة عقبات توضع في طريقه من قبل جبهة العدوان التي لا ريد وقفا لعدوانها و تستمر في خوض حرب استنزاف لسورية طالما ان النار بعيدة عنها و عن شعبها، كما ان عليه فهم  و احترام الثوابت الوطنية السورية و بالتالي من المفيد ان يدرك :

1)    اهمية فهم المرحلة الانتقالية التي نص عليها جنيف 1 على انها  تمكين لمن هو خارج السلطة الان من “المعارضة الوطنية” ( و بعيدا عن  الارهابيين و الذين هم في اكثريتهم الساحقة غير سوريين )  من المشاركة في الحكم لفترة مؤقتة و عبر حكومة تشكل وفقا للدستور القائم و تمارس صلاحياتها وفقا لهذا الدستور، و  برعاية رئيس الجمهورية ثم ان تقوم هذه الحكومة و في مهل محددة باجراء التعديلات التي تقترحها و تعرض ذلك على الشعب لانه صاحب القرار النهائي في الشأن. اما التفكير خلافا لذلك من قبيل الادعاء بان المرحلة الانتقالية تعني حل او تهميش كل السلطات القائمة و تشكيل حكومة تفرض على الشعب السوري فتنتج انتدابا او استعمارا مقنعا فهو امر لا يمكن القبول به فضلا عن عدم القبول بمصادرة حق اي مواطن سوري لم يمنعه القانون النافذ من ممارسة كامل حقوقه المدنية و السياسية. و ان تشكيل هذه الحكومة يستوجب على اي حال حوار سوري – سوري دون تدخل اجنبي، لان سورية ملك ابنائها اولا و قبل كل شيء، و ان تجاوز هذه الحقيقة سيؤدي الى انهيار المساعي مهما كان حجمها.

2)  اهمية تعاون دول الاقليم و الجوار السوري في تشكيل بيئة أمن و سلام تسهل  الحوار يؤدي الى  الحل السلمي و هنا سيكون الضوء مسلطا بشكل اساسي على قطر و تركيا و بصورة خاصة على المملكة العربية السعودية التي تجاهر برفضها للحل السلمي و لجنيف 2 و تصر على دعم الارهاب و العمل الاجرامي ضد السوريين و دولتهم. و اننا في هذا الصدد لن نخدع بما يقال عن خلاف و صراع اميركي سعودي و نصر على فهمنا للامر الظاهر بانه توزيع ادوار و عندما تقرر اميركا السير قدما بالحل السلمي بامكانها اسكات السعودية و الزامها بالقرار باقل من 24 ساعة اذ لا يمكن ان يخدع عاقل بان السعودية تخرج على ارادة اميركا وتغادر بيت الطاعة الاميركية و اذا كان بعض المسؤولين السعوديين الان يتظاهرون او يظهرون غروراً  و سوء تقدير كما لو كانو قد  نسوا طبيعة علاقة المملكة باميركا بانها علاقة اداة تابعة بمتبوع آمر، و يطلقون  العنان لانفسهم في اتخاذ هذا الموقف او ذاك المعرقل للحل السلمي، فاننا لا نأخذ مواقفهم على محمل الاستقلال في القرار و نحن على يقين بان اميركا قادرة لحظة تشاء على اعادة هؤلاء الى جحرهم او عزلهم كما فعلت في قطر.و ما ينطبق على السعودية ينطبق على سواها من دول الاقليم الاخرى. و بالتالي نرى ان اميركا اذا كانت صادقة في السير في الحل السلمي و بجنيف 2 فانها قادرة على الزام اتباعها  بذلك فاذا فعلت عندها يمكن الحديث عن فترة هادئة يجري الحوار السوري السوري خلالها.

3)  اهمية الالتزام بقواعد الحل السلمي، على اساس انه حل لاعادة الاستقرار لسورية و ليس حلاً و تفكيكاً  لسورية، و انه حل يستجيب لارادة الشعب السوري و ليس حلاً لقهر الشعب السوري، و انه حل وطني برعاية دولية و ليس وصاية دولية تصادر القرار الوطني، و هو حل يحفظ سورية الدولة بمؤسساتها و مصادر قوتها و ليس حلا لهذه المؤسسات و تجفيفا لمصادر القوة الوطنية. و اخيرا و الاهم من كل ما تقدم انه حل يراعي موازين القوى التي تمخضت عنها المعركة الدفاعية التي خاضتها بنجاح سورية و محورها و حلفاؤها، و حققت فيها الانتصار الذي املى على الابراهيمي العودة الى التحرك بذهنية و باهداف اخرى.

هذه هي مستلزمات الحل السلمي الواقعي و العادل الذي تستقبل دمشق الابراهيمي 2 على اساسه، لكن يبدو ان اميركا غير جاهزة للسير فيه الان و لهذا رأى الرئيس الاسد بان الظروف الموضوعية لا تجعل من جنيف 2 قريبا،  لان اميركا تعول كما نظن على شيء ما  في الميدان السوري المباشر او في الجوار ( لهذا تتكثف عمليات الارهاب السعودي التكفيري في العراق وتتصاعد الاستفزازات و التهديد بالحرب الاهلية في لبنان بقيادة التيار السعودي )  من اجل الضغط على سورية و حلفائها علهم يقبلون بتنازل ما يخفض حجم خسارة المعتدين، و لهذا ستكون الحاجة  قائمة للاستمرار في اعلى درجات اليقظة و المتابعة للعمل الميداني النوعي الذي تقوم به الدولة السورية و  الذي faمن دونه و دون الانجازات العسكرية عبره لن تكون نهاية للارهاب و لن يكون حل سلمي و لا عودة الى الاستقرار الذي يرضي الشعب السوري قبل كل  شيء.

:::::

صجيفة “الثورة”، دمشق