الإخوان والمخابرات
(الجزء الرابع والأخير)
شادي عمر الشربيني
الإخوان 4-4
الجماعة كثقب أسود..!!
أعرف أنني أحارب الظلام الواسع.. لكنني في هذا الليل العربي الداجي.. سأملأ فمي بالضوء وأتحدث.. وسأملأ قلمي بالضوء وأكتب على وجه الليل الواسع أنني حر.. فأين هوالليل الذي يقدر على أن يطمس نورا مضيئاً وقبساً حراً حتى لو كان وشاح الليل الأسود مبللاً بالنفط الأسود؟
و أعرف أني في مقاييس الزمن ما أنا إلا زمن صغير أحارب جيوش القرون الهرمة التي تكللت بالشيب و القادمة من جلابيب التاريخ ذات الغبار.. ولكن من ذا الذي يقدر أنينزع مني حريتي و أجنحتي بعد اليوم..؟؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يمنعني من أن أحب الضوء وأسعى اليه وأخفق حوله.. و من أن أكره الظلام و أنفر منه..
هذه المقالات تسعى لأن تكون طلقة نور في الظلام الداجن، تسعى إلى أن تستدعي العقل و المنطق في ساحة غطت فيها غبار المعارك على كل عقل و منطق… و من هذهالمعارك كان تداعيات تصريحات “أبو العلا ماضي” بخصوص جيوش البلطجية التي تملكها المخابرات…!!
لقد أعطى لنا “ماضي” الفرصة لكي نستعرض تفاصيل علاقات شاء البعض إخفاءها.. المقال الأول.. و أن نفتح ملفات أريد لها أن تذهب في جب النسيان.. المقال الثاني والثالث.. و أخيرا نأتي للمحطة الأخيرة فنكشف كيف وصل الصدام بين المخابرات و الجماعة إلى الهجوم المباشر الصريح، و كيف أن جماعة الإخوان بدت أنها تتصرف بعدالثورة كأنها قوة احتلال ؟ فلا ترى في مرايا الواقع الوطني إلا نفسها، حكما و استحواذا و سطوة.
1- صد العدوان الملتحف بالثورة
في اندفاعة الموجة الأولى لثورة يناير، لم يكن المقر الرئيسي للمخابرات العامة، وعدداً من مقراتها الأخرى، في أوج لحظات اقتحام مقرات أمن الدولة و السجون و أقسامالشرطة، بعيدا عن محاولات متزامنة و تالية لاقتحامه باستخدام القوة المسلحة، وهي محاولات تم التصدي لها وتحطيمها على صخرة دفاع منظم ومستعد، فالمخابرات العامة، والمخابرات الحربية، كان لديهما تقدير موقف مسبق في أوج اقتحام عدد من السجون، التي تم انتخابها بدقة لإطلاق سراح أشخاص بأعينهم، و كان هذا التقدير ينطوي على تحذيربأن موجة الاقتحام التالية ستطول مقرات المخابرات و الداخلية، وإذا كانت المخابرات العامة قد حصّنت مواقعها، وردت محاولات الاقتحام خائبة، فإن الوثائق الأصلية التيتدخل في حيز أمن الدولة والأمن العام، إضافة إلى اسطوانات الكمبيوتر المركزي للداخلية، قد تم تأمينها ونقلها إلى مواقع بديلة بواسطة مجموعات خاصة من القوات المسلحة،قبيل اقتحام هذه المقرات، و ربما هذا ما يفسر دهشة البعض، من أن وحدات من الجيش لم تكن بعيدة عن أبواب هذه المقرات ساعة الاقتحام، دون أن تصطدم بمجموعاتالمقتحمين، فقد كان الدفاع عن المقرات التي أفرغت من وثائقها الأصلية، بعد أن جرى تأمينها و نقلها، كلفة في غير محلها، و صداما في غير موضعه. و لهذا فإن الهدف الأوللاقتحام مقرات الأمن الداخلي، و هو الاستيلاء على هذه الملفات أو تحطيمها و تدميرها، جرى إجهاضه تقريبا في نفس الوقت الذي تم فيه تفادي صدام كان مخططا له.
إن هذه المؤسسات السيادية، وهي على وجه التحديد، القوات المسلحة والمخابرات العامة، ظلت في قلب زلزال الثورة تؤدي وظائفها الحيوية، حفاظا على قواعد الدولة الوطنيةوالأمن القومي، وقد تسلحت ببصيرة نافذة، وبقدر كبير من الانضباط و الحكمة، فلم تخلط بين “السلطة” التي أخذت تترنح على حافة الهاوية، وبين “الدولة” التي عليها أن تتحملمسئولية الحفاظ عليها، وهي مسئولية لا تشكل قطيعة مع الانحياز للشعب و الثورة، بقدر ما تتكامل وطنيا معها على نحو كامل.
2- المخابرات و منصات التنشين
يمكن وصف الفترة الانتقالية التي بدأت مع تسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة المسئولية و انتهت بتسليم السلطة للرئيس الجديد بأنها الفترة التي كان يتم دفع الأمور بها من أجلتحقيق هدفين وهما: تصعيد تيار سياسي معين إلى سدة الحكم، و ضرب و حصار المؤسسات التي تبقي الدولة المصرية صامدة، و على رأسها الجيش و المخابرات.
من الملفت للنظر أن الحملة علي المخابرات بدأت بعد أقل من شهرين من تنحي “مبارك”، و أن طلقة البداية فيها كانت صحف وشخصيات أمريكية مشهورة بقربها من الكيانالصهيوني، تزامنت مع حملة هجومية أخرى شنتها صحف إسرائيلية بصحبة القناة السابعة الإسرائيلية وحاولوا من خلالها التشكيك في رئيس الجهاز الجديد، اللواء “مرادموافى”، وإثارة قلق دول العالم وأجهزتها الاستخباراتية منه ومن توجهاته. و بعد الكشف عن قضية الجاسوس الإسرائيلي “إيلان جرابيل”، انطلقت موجة و حملة من السخريةمن المخابرات شارك فيها الكثير من الإعلاميين الكبار، و سار على دربهم شباب الائتلافات و القوى الثورية، منتقدين جهاز المخابرات المصري، و معتبرين أن الإعلان عنقصة الجاسوس “إيلان جرابيل”، كانت جزءا من مؤامرة المخابرات على الثورة المصرية، وكعادة تلك الأيام الأولى من ثورة 25 يناير، و التي كان يظهر فيها شباب الائتلافاتللإفتاء في السياسة والدين والاقتصاد، قرر بعضهم أن يتصدر للإفتاء المخابراتي، وبدأوا في تقديم تحليلات استخباراتية حول الكيفية التي اخترعت بها المخابرات المصريةقصة الجاسوس الإسرائيلي من أجل تشويه الثورة المصرية، وإظهارها وكأنها فتحت بطن البلد لأجهزة المخابرات العالمية، أو أنها تدار وفقا لأجندات هذه الأجهزة؟، و كيف أنهذا الجاسوس تافه، ولا يستحق هذه الضجة التي افتعلها جهاز المخابرات المصري..!!
لكن أحدا لم يسمع كلمة اعتذار واحدة عن ما صدر تجاه الجهاز، بعد أن بدأت مفاوضات ساخنة بين مصر من جانب، و إسرائيل و الولايات المتحدة من جانب آخر حول عقدصفقة ما للإفراج عن الجاسوس “إيلان جرابيل”، بل وتحرك وزير الدفاع الأمريكي بنفسه من مكانه، وزار القاهرة للتفاوض حول هذا الأمر، وأعلنت بعض المؤسساتالأمريكية أن الصفقة قد تشمل مد مصر بأسلحة متطورة مقابل الإفراج عن إيلان، ليكتشف الإعلاميون وشباب الثورة فجأة أن الجاسوس الذين طالما سخروا منه، وأكدوا علىتفاهته، بل واتهموا المخابرات بفبركة القضية، لم يكن تافها ولا مفبركا، بل صيد ثمين للدرجة التي دفعت أمريكا للتدخل، ودفعت تل أبيب للإعلان عن استعدادها لمبادلته بحوالي80 أسيرا مصريا في سجونها.
3- مخابرات الإخوان
في الوقت الذي أصبحت فيه مصر مرتعا لأجهزة المخابرات المختلفة، اشتدت فيه الحملة على الأجهزة الأمنية المصرية، و في مقدمتها المخابرات، فحتى إن لم يكتب النجاح فيإسقاطها، فقد كان من المطلوب أن تبقى في حالة حصار دائم، لا تفعل شيئا سوى الدفاع عن نفسها، و لكن المخابرات استطاعت أن تفك هذا الحصار، و لم تنجر إلى ما يراد لها،في ذلك الوقت كان من أكثر المسائل التي أثارت قلق الجهاز، هو توسع تنظيم مخابرات الإخوان بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث تضاعف عدد العاملين به، و لقى هؤلاءالعاملين تدريبات مكثفة على تقنيات متقدمة على يد المخابرات القطرية (صنيعة المخابرات الأمريكية و الموساد الإسرائيلي) في الدوحة، و توسعت دائرة أعماله وأصبح مكلفابمراقبة كافة الشخصيات العامة ورموز المعارضة والمعارضين من الإعلاميين، بالإضافة إلى أنه يستخدم تقنيات حديثة جدا ودقيقة في التجسس تم تهريبها من الخارج لهذاالغرض ولدعم التنظيم، وهو ما يمثل خطورة بالغة على الامن القومي.
كانت جماعة الإخوان المسلمين قد بدأت في تأسيس هذا الجهاز عام 2006، و في مايو عام 2009 وبدعوة من “خيرت الشاطر” و “محمد بديع” و الدكتور “محمود حسين”أعضاء مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين تم طلب عقد جلسة طارئة ومستعجلة لمكتب الإرشاد لجماعة الاخوان المسلمين في مصر، عقدت الجلسة في أحد أرياف مصربسرية و تكتم شديد، كان سبب الدعوة أن هؤلاء الثلاثة تقدموا لمكتب الإرشاد بمذكرة وخطة للعودة للعمل بالتنظيم الخاص للإخوان المسلمين، مبررين ذلك بأن النضال السياسيوالبرلماني أصبح غير مجدٍ في مواجهة النظام الذي ازداد قمعاً واستبداداً في الشعب المصري. إذن، المذكرة و بكل وضوح طالبت بمصادقة مجلس الإرشاد على احياء العمل فيالتنظيم الخاص، و على الرغم من اعتراض بعض من أفراد مكتب الإرشاد، مثل “محمد حبيب” و “عبد المنعم أبو الفتوح”، و تحفظ البعض الآخر، مثل “عصام العريان”، إلاأنه تم إجازة طلب أحياء التنظيم الخاص وأصبحت قيادته هي القيادة الفعلية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. كان التنظيم الخاص يعني: العمل الأمني و العسكري واختراقالمؤسسات ومحاولة السيطرة عليها.
كان من الملفت أن تمضي الأمور في الجماعة بهذه الوتيرة، من إنشاء جهاز مخابرات إلى أحياء التنظيم الخاص، حتى الوصول إلى يناير 2011 و لذلك أيضا كان من المفهومأن تكون الجماعة هي أقدر تنظيم على الوصول إلى السلطة بعد ثورة يناير.
4- الرئيس الإخواني
الأكيد أن موضوع فوز “مرسي” بانتخابات الرئاسة سبب قلق في جهاز المخابرات، فجهاز المخابرات العامة في مصر قبل الثورة و بعدها يتبع مباشرة رئيس الدولة، الوجهالأساسي لهذه التبعية التنظيمية، هو قيام الجهاز يوميا برفع تقرير بالمعلومات التي حصل عليها بقدراته الخاصة، و شبكة أسلحته و أدواته إلى رئيس الجمهورية، وهو تقريريطول كافة الأصعدة الاستراتيجية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و العلمية. كانت الخشية أن القادم الجديد لن يكون سوى مندوب لجماعة الإخوان في مقعد الرئاسة، ممايعنيه ذلك من تدفق كل الأسرار، الموجودة في التقارير المرفوعة إلى الرئاسة، إلى خارج حدود القصر الرئاسي، بل إلى خارج حدود الوطن ذاته. كان هناك احتمال آخر يطرحنفسه، و هو أن معنى تولي المنصب الرفيع، مع إدراك ضخامة المسئولية و حساسيتها، كفيل بأن يجعل هناك مسافة ما بين الرئيس الجديد و الجماعة، مسافة تكون ضامنة أنأسرار و ملفات الأمن القومي المصري لن تصل إلى أيدي الجماعة.
بالفعل بدء جهاز المخابرات تعامله مع الرئيس الجديد على أساس الاحتمال الثاني، و حتى يتم التعارف و إطلاع الرئيس الجديد على أهم الملفات و قضايا الأمن القومي المصري،فقد تم دعوته إلى الإفطار، في شهر رمضان الماضي، لكن المفاجئة الأولى كانت أن الرئيس لم يأتي و حده، أو بمعنى أدق، كان برفقته أناس لم يكن أحد يتخيل أن يصحبهم معهعلى الأقل إلى مبنى المخابرات العامة..!!
بعد انتهاء المأدبة، همس أحد ضباط الجهاز في أذن الرئيس أنهم يريدون أن يجتمعوا به على انفراد، و مرة أخرى فوجئ رجال الجهاز بالرئيس يرد بصوت مرتفع: « تكلموا…لا يوجد أحد غريب»، لكن اللواء “مراد موافى”، مدير الجهاز، أصر أن يكون الاجتماع مع الرئيس منفردا، و في هذا الاجتماع كان هناك تشديد قوي من رجال المخابرات علىالتقرير المرفوع إلى الرئاسة بخصوص هجمات متوقعة في سيناء، و رفح بالذات.
لقد فوجئ الجهاز بعد ذلك أن تأشيرة الرئاسة على التقرير هو “يحفظ”…!!! فتم رفع التقرير إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لكن الوقت كان قد فات.
عقب حادث رفح مباشرة، وجهت أصابع الاتهام إلى جهاز المخابرات لأنه لم ينبه و يحذر، في الوقت الذي أطلقت فيه إسرائيل إنذار مبكر و نصحت مواطنيها بعدم الذهاب إلىسيناء لوجود معلومات استخبارية باحتمالية وقوع هجمات إرهابية بسبب وجود نشاط غير اعتيادي على شريط الحدود بين مصر و غزة، لكن الواقع أن المخابرات بالفعل نبهتو حذرت، و عندما واجهت وكالة أنباء الأناضول التركية، اللواء “مراد موافى” بهذه الاتهامات، رد أنه توافرت معلومات مسبقة لدى المخابرات العامة بخصوص حادث رفح،وأنه تم إبلاغ هذه المعلومات للجهات المعنية، و أن المخابرات ليست جهة تنفيذية، أي أن تصريح اللواء “مراد موافى” حمَّل جهات أخرى مسئولية عدم الاستفادة من هذهالمعلومات، لكن الحديث لم يحدد هذه الجهات، لقد اتخذ هذا التصريح كتبرير لإقالة “مراد موافى” من رئاسة الجهاز، لأنه تصريح لوكالة إعلام أجنبية في توقيت صعب لأزمةتمر به البلاد ولم تتضح أبعاده بعد ويسعى الجميع لكشف أسرارها. كان هذا هو الصدام الأول بين الرئيس الجديد و المخابرات العامة….
كانت التحقيقات الأولية تشير إلى أن هناك عناصر سلفية تكفيرية ومن بينها عناصر تنتمى إلى جماعة «جلجلت» هي المسئولة عن هذا الحادث، وأن بعضاً من هذه العناصر قدجاءت من قطاع غزة، لتلتقي بالعناصر المصرية ويجرى تنفيذ العملية المشتركة بين الطرفين، وأن هذه العناصر تمكنت من الهرب عبر الأنفاق بعد تنفيذ العملية الإرهابيةمباشرة.
لقد جرى في هذا الوقت خلاف كبير بين الرئيس “مرسى” و المشير “حسين طنطاوي”، حول إعلان أسماء المتهمين بارتكاب هذه الجريمة، حيث توصلت سلطات التحقيقالعسكرية إلى أسماء هذه العناصر، إلا أنه و في يوم التاسع من أغسطس، أبلغ المشير “طنطاوي” الرئيس بنتائج التحقيقات وطلب الإذن بإذاعتها، حيث أشارت التحقيقات إلىتورط عناصر فلسطينية من قطاع غزة إلى جانب بعض العناصر المصرية المتطرفة.
رفض الرئيس طلب المشير، وطالبه بتأجيل الأمر لحين الانتهاء من التحقيقات بشكل نهائي ومعرفة ما إذا كان المتهمون ينتمون إلى بعض الفصائل الفلسطينية أم إلى حركاتجهادية أخرى في غزة.
5- و بدأ الصدام….
توقع البعض أن تهدأ الأمور و تسير كما ينبغي بعد إقالة اللواء “مراد موافى” و تعيين اللواء “محمد رأفت شحاته” رئيسا للجهاز، إلا أن اللواء “رأفت شحاته” فوجئ بأن أولطلب للرئيس مرسي منه هو إقصاء متابعي النشاط الديني عن عملهم بالجهاز….!!!
لكن “شحاته” رفض، و شرح ل”مرسي” الأمر بالتفصيل، حيث أن تعداد أفراد المخابرات العامة (موظفين – سائقين – إداريين – فنيين – أمن – عناية صحية – ضباط – وظائفأخرى) لا يتعدى سبعة آلاف شخص، والضباط بضع مئات فقط، أكثر من نصفهم حاصل على الدكتوراه في تخصصه.. أي أن الجهاز يعمل بأقل القدر من التكاليف، توفيراللنفقات، خاصة أن “مبارك” رفض زيادة ميزانية الجهاز في سنوات حكمه الأخيرة.. و من يتابعون النشاط الديني، خارجيا و داخليا، لا يتجاوزون 12 فردا.. ولا علاقة لهمبمحاصرات أو تضييقات من أي نوع، هم فقط يجمعون المعلومات ويقدمونها لصانع القرار أياً كان انتماؤه السياسي.
ثم كان بعد ذلك أن علم جهاز المخابرات أنه عقب تصاعد حركة الاحتجاجات في الشارع – تلقت الرئاسة (و الجماعة) عرضا أمريكيا، يسمح بدخول شركات الأمن الأمريكية(أو فرق الموت و المرتزقة كما يعرفها الكثير من الخبراء) للأراضي المصرية.. وفى مقدمتها شركة بلاك وتر، و قال الأمريكيون أنها واحدة من الشركات المهمة التي تتعاملمع الولايات المتحدة، مثل (البريهات الخضر) و(دلتا فورس) التابعة للبنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) لحماية مؤسسات و مرافق حيوية.. و وافقت الرئاسة مبدئيا على هذاالطلب…!!!! فما كان من المخابرات إلا أن أبلغت الجيش الذي أعترض على هذه الموافقة بشكل شديد.. فلا حاجة لنا لمثل هذه القوات على أرضنا بأي حال من الأحوال.. بلتمتلك القوات المسلحة فرقا تتفوق عليها بمراحل مثل 777 و 999.
6- نتائج تحقيقات رفح
في ذلك الوقت كانت التحقيقات في حادثة رفح متواصلة، و أثبتت صحة النتائج الأولية و لكنها كشفت أيضا أن حماس متورطة بشدة في تنفيذ عملية رفح، و توضح المعلوماتالجديدة أن مخطط العملية تضمن قيام حركة حماس بالدفع بمجموعتين بنحو 10 – 12 شخصا؛ تسللوا عبر الأنفاق بين غزة و مصر، تمركزت المجموعة الأولى بمنطقةالماسورة غرب رفح لتنفيذ الدعم الإداري ورصد التحركات و تقديم المعلومات و المساعدة للمجموعة الثانية التي تتكون من عناصر تنظيم «جلجلت» السلفي و التي تشكل القوةالضاربة للعملية من 6 أشخاص، يتولون مهاجمة موقع الجيش المصري، و الاستيلاء على المدرعات وإجبار الجنود المصريين على قيادتها و التوجه بها نحو الحدود الإسرائيليةعبر معبر كرم أبو سالم، وشن عملية مباغتة لخطف جندي أو أكثر من جنود إسرائيل و اصطحابهم عبر المدرعات عائدين إلى داخل الأراضي المصرية و التحفظ عليهم فيإحدى المناطق التي تتولى المجموعة الأولى تجهيزها لذلك.
كما تضمن المخطط أنه فور نجاح المرحلة الأولى من العملية و هي مهاجمة موقع حرس الحدود المصري والاستيلاء على المدرعات، يتم تنفيذ المرحلة الثانية وبكل سرعة، قبلأن يبدأ الجيش المصري في ملاحقة الجناة، و قبل أن تستعد إسرائيل و تتأهب لأى عمل عدائي، وهو ما يفسر اختيار موعد تنفيذ العملية وقت الإفطار، حيث يكون هناك تراخ فيكل مؤسسات الدولة المصرية، و بالتالي يسهل شن الهجوم وسط انشغال الجنود بالإفطار، وكذلك جميع المواطنين والمسئولين و القيادات، بخلاف الانشغال بعد الإفطار بأداءصلاة التراويح.
وكان من سيناريو العملية أن تقوم المجموعة الأولى بالانسحاب بشكل فورى بعد تنفيذ العملية إلى داخل قطاع غزة، عبر الأنفاق، بينما تحتفظ المجموعة الثانية وهى منفذة الهجومعلى موقع الجيش المصري و الهجوم على معبر كرم أبو سالم، بالجندي الإسرائيلي الذى يتم أسره – وفقا للمخطط- لفترة بسيطة داخل الأراضي المصرية، لحين هدوءالأوضاع، وتسهيل عملية تهريب المجموعة و بصحبتها الجندي الأسير إلى داخل قطاع غزة عبر الأنفاق.
إلا أن الرياح تأتى بما لا تشتهى السفن، حيث بدأ تنفيذ المخطط في موعده، في يوم الأحد 5 أغسطس، وقت الإفطار، بعد تسلل المجموعتين، وتجهيز سيارات وأسلحة الهجوم،وبدأ التنفيذ بالهجوم على موقع حرس الحدود المصري و بالفعل استطاعت المجموعة الإرهابية المنفذة الاستيلاء على مدرعة لحرس الحدود وإجبار أحد الجنود على قيادتها، بعدفتح النار على زملائه فوقع 16 جنديا مصريا مضرجين في دمائهم شهداء، لكن إسرائيل كانت على أهبة الاستعداد، فقامت بالإجهاز على الخلية المنفذة عند وصولها للحدودالمصرية – الإسرائيلية.
أعتقد أنه من المفيد هنا التوقف لحظة عند علاقة حماس بتنظيم «جلجلت» السلفي التكفيري. فتنظيم «جلجلت» بقيادة “ممتاز دغمش”، له تواجد في غزة و له علاقات قوية معمجموعات سلفية في سيناء، “ممتاز دغمش” الذي كان على خلاف مع حركة حماس وطاردته فترة طويلة مهددة إياه بحكم قاسٍ، خضع و تجاوب لرغبات حماس وكتائبالقسام، ويقال إن “ممتاز دغمش” حالياً في السجن.
كشفت المخابرات المصرية المعلومات الجديدة ل”مرسي”، و طالبت أن تعلن نتائج التحقيقات للشعب، لكن “مرسي” وضع التقارير في الأدراج، و لم يعطي أي جواب لطلباتالمخابرات، و في المقابل بدئت المعلومات تتسرب أن حماس تحضر قائمة بأسماء من قتلوا جميعاً سواء على الحدود المصرية الإسرائيلية أو في غزة، و جميعهم من تنظيم«جلجلت» السلفي، و ستعطي هذه القائمة للأمن المصري لكي يتم إعلانها و أتهام جماعات سلفية متطرفة في سيناء و غزة بمسئوليتهم عن عملية رفح، و ينتهي الموضوع عندهذا الحد، حيث ستسلم حماس أربعة أشخاص من السلفيين المطلوبين سابقاً لديها إلى الأمن المصري كمتهمين أساسيين في عملية رفح.
علمت المخابرات ذلك و وصلها ما يجري لعمل تعتيم على نتائج التحقيقات و إبدالها بإذاعة و نشر الرواية التي اتفقت عليها حماس مع الجماعة في المقطم، فما كان من الجهازسوى أن سرب محتوى التحقيقات إلى مجلة «الأهرام العربي» التي نشرت تفاصيل كثيرة عن الحادثة و كشفت لأول مرة عن أسماء ثلاثة من الحمساويين الذين شاركوا فيالعملية.
ما هو الثقب الأسود..؟؟
الثقب الأسود هو منطقة في الفضاء تحوي كتلة كبيرة في حجم صغير يسمى بالحجم الحرج لهذه الكتلة، والذي عند الوصول إليه تبدأ المادة بالانضغاط تحت تأثير جاذبيتهاالخاصة، تصبح قوّة جاذبيته قوّية إلى درجة تجذب أي جسم يمر بالقرب منه، مهما بلغت سرعته، و بالتالي يمتص الثقب الأسود الضوء المار بجانبه بفعل الجاذبية، وهو يبدولمن يراقبه من الخارج كأنه منطقة من العدم، إذ لا يمكن لأي إشارة أو موجة أو جسيم الإفلات من منطقة تأثيره فيبدو بذلك أسود.
جماعة الإخوان المسلمين تتصرف بمنطق و تأتي بفعل الثقب الأسود، ففي حركتها المندفعة نحو الاستيلاء و التمكين تعمل على امتصاص مؤسسات الدولة المصرية و الدفع بهاإلى المجهول… أو إذا شئنا الدقة فهي تلقي بها إلى العدم…!!!
لقد كانت حركة جماعة الإخوان المسلمين نحو جهاز المخابرات العامة المصرية مسكونة دائما بهاجسين، هاجس الانتقام من الجهاز الذي أجهض وثبتها الكبرى إلى السلطة فيعام 1965، و هاجس أنه أكبر جهاز مخابرات في العالم يملك معلومات كاملة عن تنظيمها الدولي و مخططاته و خريطة حركته و مصادر تمويله، هذه الهواجس، بالإضافة إلىاستحالة اختراق الجهاز و الاستيلاء عليه من قبل الجماعة، كانت تدفع حركة الإخوان نحو المخابرات، حتى بدوافع اللاوعي، بأن يكون منطقها هو حصر هذا الجهاز و تقليصهتمهيدا لتدميره و التخلص منه و استبداله بجهاز مخابرات الجماعة الخاص.
الجهاز بالفعل يشكل عائق أساسي و عنيد أمام فاعليات الاستيلاء و الأخونة و التمكين، فهذه الفاعليات تقضي، بطبائع الأمور، الإتيان بأفعال تمثل انتهاك لصميم الأمن القوميالمصري. ظهر هذا جليا في عملية رفح، فعندما فهم الإخوان أن الأمريكان غير متمسكين بالمجلس العسكري، وأنه آن الأوان لهم أن يطيحوا برموزه، فكان دور التنظيم الخاصالإخواني (بقيادة “خيرت الشاطر”)، ومن خلال كتائب القسام باستخدام مجموعة سلفية تقيم في قطاع غزة، و لها امتداد محدود في سيناء، و كانت مذبحة الجنود المصريين فيرفح، هذه الجريمة التي شكلت غطاءً كاملاً ل”مرسي” للإطاحة بجهاز المخابرات و المجلس العسكري، حيث إن هذه القرارات لاقت تجاوباً شعبياً واسعاً اثر مذبحة الجنود، وأصبح “مرسي” و الإخوان هم الحاكم الأساسي لمصر و بصمت أميركي، و تمت إقالة مدير المخابرات المصري الذي يعتبره الإخوان امتداداً ل”عمر سليمان”، وتم أيضاً إقالة”طنطاوي” و “سامي عنان”.
لكن الأمر برمته بدا أنه يتعرض لتهديد عنيف عندما كشفت المخابرات دور حماس في حادثة رفح، و طالبت بإعلان نتائج التحقيقات، فما كان من الرئاسة إلا انها لجئت إلىالمماطلة و التسويف، في نفس الوقت الذي كانت فيه الجماعة تتفق مع حماس على شكل إخراج الموضوع بطريقة يتم فيها تحميل المسئولية كاملة للتنظيم السلفي و نفي أيمسئولية لحماس. ما ان وصلت للمخابرات أنباء عن هذه الاجتماعات و الاتفاقات، حتى لجأت إلى تسريب تفاصيل التحقيقات إلى الصحافة حتى يتم الكشف عن المسئول الحقيقيو يوضع الجميع أمام مواقفهم.
لهذا كله لم يكن بوح “أبو العلا ماضي”، بحديثه نقلا عن “مرسي” في لقاء أخير، من قبيل المصادفة العشوائية، إنه رد “مرسي” على التسريبات التي كشفت و فضحت،فبالإضافة إلى أن شخص متحفظ مثل “ماضي” لا يملك رعونة أن ينسب إلى من نقل عنه ما لم يقله، فإنه لا يملك شجاعة أن يبوح للرأي العام بما سمعه دون أن يراجع صاحبه،ولهذا فإن تصريحات “ماضي ” بخصوص المخابرات تنطوي بالفعل على إحساسا مفرطا بالقلق والتوتر، إحساس ينعكس عن إدراك حقيقي لفشل محاولات متعددة لتطويعواحتواء جهاز المخابرات العامة.
بعض الناس لا يدركون أن الزمن نفسه يكبر و ينمو و أن من كان صغيراً صار كبيراً.. وأن من كان كبيراً صار صغيراً.. و لا شك أن عمر الأزمة المصرية لم يعد قصيرا وأنناجميعا كبرنا عامين.. لكنهما أثمن عامين في خزانة القرن الواحد و العشرين.. و أثمن عامين في ذاكرة هذا الجيل.. ففي عامين هرم الأعداء أيضا وشاب شعر أردوغان و نطقالغرب بأسرار الربيع.. وتضاءلت أصوات النعاج.. في عامين تقيأ الإسلام كل ما في جوفه من مرض عضال.. وعرفنا لماذا لم ننتصر في القرن الماضي كله و كيف لن نهزمفي هذا القرن؟.. وعرفنا أن المشكلة لم تكن في غياب أن (الاسلام هو الحل).. بل المشكلة هي كيف تحول الاسلاميون الى كارثة.. وصار بسببهم (التيار الإسلامي هو الكارثة)….و أن الاخوان هم قلب الكارثة…
من ينظر الى إخوان مصر و تونس و سوريا و ليبيا و تركيا و حماس و كيف ينهشون في الدساتير كالضباع الجائعة وينهشون في عقول الناس وفي خرائط أوطانهم و كيفينهشون مؤسسات الدولة القانونية ويقضمون قياداتها العسكرية و الفكرية و الثقافية من أجل سلطانهم.. ويرى كيف يمضغون لحم القرآن حيا و يلوكون آياته كشرائح اللحم.. وكيف يعلكون أحاديث النبي و صوت النبي و يأكلون لحوم اخوتهم أحياء.. من يرى ذلك فسيعرف كيف حول هؤلاء الاسلام من حل الى كارثة.. ومن ينظر كيف يمسكون الدنياومتاعها بأسنانهم و كيف يهزون ذيولهم أمام الناتو و السادة الغربيين وأن آخر شيء يبحثون عنه هو الآخرة.. من ينظر اليهم يعرف أن معادلة “الاسلام هو الحل” تفككتوصارت في عهدهم “الاسلام هو أداة التفكيك وضرب الوحدة و هدم الدولة الوطنية”…
فماذا فعل الإسلام بكم كي تفعلوا به كل هذا….؟؟؟!!!!
قالوا: “عليك أن تتحلى بالشجاعة الكافية لاستخدام عقلك” إمانويل كانط
:::::
المصدر: “كنعان” الفصلية، العدد 153، صيف 2013