عادل سمارة: مختارات من صفحة الفيس بوك

اسئلة

 

الأخطر  تطبيع أوسلو وجوهره الطبقي

يشتمل أي مستوى من التطبيع على مستوياته السياسية والاقتصادية والثقافية والنفسية. وبالتالي تنسحب هذه المستويات على مختلف الطبقات الاجتماعية مما يبين بأن تطبيع كل طبقة يختلف بدرجة أو أخرى عن تطبيع أُخرى، هذا وإن تشابه كتطبيع في النوع. وعليه، فإن ما يتعلق بالفلسطيني العادي داخل الأرض المحتلة  ربما كانت المقاطعة مسألة قيد الإمكان في مستويات كثيرة ولا نقصد مطلقة . وحالة الفلسطيني هذه هي التي ترتب عليها التطبيع الاضطراري في حين أن اي تطبيع من اي عربي هو اختياري.

فمقاطعة منتجات ومؤسسات الكيان الصهيوني أمر حتمي ما لم تكن هناك ضرورة فردية أو وطنية. فردية بمعنى أن هناك اضطرارا مثلا للعمل داخل الكيان الصهيوني  لا سيما إذا كان الخيار الآخر هو الرحيل. أي الإنزياح الذاتي   ( انظر مقالة الاستيطان من الطرد إلى الإزاحة فالانزياح الذاتي ، عادل سمارة في مجلة كنعان العدد 94  كانون أول 1999) خضوعا لسياسات الكيان التي بدأت بالطرد عام 1948 وتأخذ منذ 1967 شكل الإزاحة(بالقمع والتضييق والاعتقال ومصادرة الأرض …الخ) . فعدم المقاطعة حيث هي ممكنة يعتبر تطبيعاً. لذا حينما بدأت الانتفاضة الأولى قامت الطبقات الشعبية بمقاطعة سوق العمل ومعظم منتجات الاحتلال بشكل عفوي. وهذا يثبت أن ارتفاع السقف الوطني يخلق حالة نضالية عالية حتى دون ضخ ثقافي. وهنا لا نقلل من التثقيف الوطني والقومي والطبقي وهو بالضرورة نقيض استدخال الهزيمة ومواقف وأطروحات الطابور السادس الثقافي.

وللتذكير فقط، فإن مقاطعة الكيان الصهيوني بدأت منذ عام 1948 إثر احتلال ثلاثة أرباع فلسطين ولا يزال مقر مكاتبها في دمشق، بينما مناهضة التطبيع بشكلها الفعلي بدأت من الحركة الوطنية المصرية  إثر اتفاق كامب ديفيد 1979 (انظر كتاب التطبيع يسري في دمك، عادل سمارة ، 2010) والتي لعب الراحل البابا شنودة دوراً اساسياً في إضفاء الطابع الديني والأخلاقي إلى جوهرها القومي . أي أن الفلسطينيين تأخروا عن المصريين، وأعتقد أن لهذا علاقة بالتبلور الثقافي والطبقي في التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية في مصر وبهشاشتها في كيانات مثل الأردن وفلسطين ولبنان…الخ  حيث التطبيع والمقاطعة تنخرانها بسهولة، بل إن أنواع المطبعين يهاجمون رافضي التطبيع وكأنهم هم الوطنيون الحقيقيون. بل إن قرابة نصف القيادات السياسية والطائفية في لبنان هي اقرب إلى الكيان الصهيوني منها إلى الوطنية اللبنانية.

وكما اشرنا في مقال سابق، فإن موشيه ديان هو الذي وضع سياسة الجسور المفتوحة بهدف تطبيعي وليس إنساني وبقي السماح او عدمه بيد الكيان مما يعني أن لا ضرورة ولا معنى لعنتريات اي فلسطيني في تبريره لتصاريح  الزيارة، فهي في النهاية من الكيان.  ومن هنا  كان طبيعياً أن تكون هناك زيارات اسرية بين الفلسطينيين، بغض النظر عن استثمار الكثيرين لها اقتصاديا. وهنا اؤكد أن هذا التطبيع السهل والاستسهالي يمكن لأن يتلاشى أو يقل في حالة  الصعود الكفاحي القومي والطبقي. ربما يكفي الاستشهاد هنا بأن المقاومة في جنوب لبنان بعد احتلاله 1982 حالت دون خلق مناخ تطبيع زيارات فلسطينيي لبنان إلى فلسطين المحتلة، مع أن ارضهم فلسطين وأقاربهم فيها. وهذا يهز الأطروحة العاطفية التي يتلطى البعض خلفها وخاصة من لهم وضعاً سياسياً أو فنياً. فهل قام ناجي العلي بطلب زيارة قرية الشجرة من جنوب لبنان؟ بينما يتدفق شعراء وكتاب فلسطينيون كثيرون من عمان إلى رام الله!!!! وهم الذين شكلوا جسر تطبيع كتاب ومثقفين عرب!!!

إن الممارسة الأخطر للتطبيع هي التي نشأت مع اتفاق أوسلو بمختلف تمفصلاته. فهو بحد ذاته تطبيع  بما هو اعتراف بالكيان الصهيوني حتى لو اعترف الكيان بدولة فلسطينية، وهو على اية حال لم يعترف، ولا نعتقد أنه سيفعل. كما أن استجلاب سلطة أوسلو إلى الأرض المحتلة دفعها لإعلان انتهاء المقاطعة التي قامت بها الطبقات الشعبية مع بدء الانتفاضة الأولى. وهنا تلاقح التطبيع مع المقاطعة تحت شعار “السلام”! لذا، فإن اتفاق أوسلو هو الناقلة للتطبيع وإنهاء المقاطعة مما جعل الجدلية السوداء بينهما هي :

·         استدخال الهزيمة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

·         وتكوين الطابور الثقافي السادس والذي من تمفصلاته الأساسية منظمات الأنجزة

وعليه، فإن الإشتباك الحقيقي في مسألة التطبيع هو مع اتفاق أوسلو وتمفصلاته. بمعنى أن الزيارات العادية للمواطنين كانت قبل أوسلو ولم تكن حالة اشتباك بغض النظر عن هدف موشيه ديان من سياسة الجسور المفتوحة. ولكن هذا الاتفاق هو الذي أدخل رموز العمل الوطني ضمن مسارب التطبيع والذي فتح بالطبع أوتوستراد التطبيع الاقتصادي  لراس المال الفلسطيني في الخارج وراس المال العربي وخاصة القطري والسعودي والإماراتي. فهل هذا التطبيع المالي هو نتاج شوق شاعري إلى حيفا!!!(انظر كتاب عادل سمارة: ثورة مضادة إرهاصات أم ثورة،  2012، الفصلين الثاني والثالث ص ص 64-147) . ومن هنا مسألة الاشتباك الرئيسي مع القوى الفلسطينية التي مارست التنظير والاستفادة من اتفاق أوسلو حيث يردون بأن قيادة منظمة التحرير قد انتقلت إلى الداخل. وهذه وغيرها تبريرات بلا معنى فلا يمكن لعدو أن يجلب نقيضه إلى حضنه.

إذن اتفاق أوسلو هو الذي خلط الأوراق، وفتح باب التطبيع المندلق على الكيان وهو الأمر الذي وضع الكيان في موضع المتخيِّر بأن يسمح لهذا ويرفض ذاك. وفي هذا تاثير نفسي خطير قد لا يراه الكثيرون. فالكيان هو الذي يعطي تصاريح الدخول والخروج، وليس سلطة الحكم الذاتي سوى ساعي بريد. ومن التضليل أن يغطي البعض هذه المسألة بغير حقيقتها. ولنشر إلى المسائل التالية:

·         هل بوسع فلسطيني  في الأرض المحتلة الحصول على تصريح من الكيان لأي فلسطيني في اللجوء؟ اي ان الاحتلال هو الذي يقرر زيارة فلسطيني لوطنه. لذا، فإن حتى هذه الزيارات لا معنى لها سوى بالضرورة.

·         بل لا يمكن لأي فلسطيني في الأرض المحتلة الخروج إذا رفض الاحتلال ذلك.

·         ومن ناحية طبقية، قام الاحتلال بإصدار بطاقات V.I.P لمن يرضى عنه هو تمييزاً عن بقية الناس.

من هنا، فإن اضطرار المواطن البسيط للزيارة شيء ومجيء من له وضع قيادي أو موقع سياسي أو ثقافي من الفلسطينيين هو شيء آخر، هو تطبيع لأن على الرموز أن يكونوا أكثر استعدادا للتحمل والتضحية من المواطنين كي يكونوا قدوة.

ولعل الخلل الأخطر أن مجيء الرموز الفلسطينية بناء على اتفاق أوسلو هو الذي فتح الطريق للكثير من العرب لزيارة الأرض المحتلة حيث تطوعوا لابتلاع إهانتين:

·         إهانة لثقافة ونفسية الفنان او الكاتب العربي بوقوفه الذليل أمام الجندي الصهيوني  الذي بوسعه ركله وإعادته أو بوسعه ختم جواز سفره بخاتم الاعتراف بدولة الكيان. وهذا ما حصل مع كاتب مثل واسيني الأعرج والشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي وغيرهما.

·         وإهانة للبلد الذي أتى منه كذلك.

ويبقى السؤال: هل يمكن لمن مارس التطبيع من موقع قيادي سياسيا او ثقافيا أو اقتصاديا، أن يمتنع عن ذلك، ولا نقول أن يعتذر!!!

 

***

 التطبيع من إرث موشيه ديان

 

التطبيع مشروع سياسي تركيعي يفرضه المنتصر اي الكيان الصهيوني ويكرِّسه القيادي والبرجوازي  صاحب المصلحة  المستفيدّيْن منه، ويبرره الرمز المهزوم (مستدخل الهزيمة) ، ولا يشعر به المواطن البسيط، ويرفضه المقاوِم.

للتذكيرفقط، بدأ مشروع التطبيع إثر هزيمة 1948 حينما قررت قيادة الكيان الصهيوني الإشكنازي استثمار ثقافتها الاستعمارية الاستشراقية في تفكيك ثقافة الشعب الفلسطيني فأخذت تسمح في أعياد الميلاد لبعض العرب المسيحيين في المحتل 1948 بزيارة ذويهم في الضفة الغربية التي كانت مضمومة إلى النظام الأردني حينها. وكان قصد الكيان ضرب إسفين بين العربي المسلم والمسيحي لإظهار أن المسيحي “مقرَّب” من اليهود. حينها لم يكن مسموحا لفلسطيني لاجىء  مطردو من المحتل 1948 بزيارة فلسطين المحتلة أولاً لأن الكيان يرفض (حتى حينه) وثانياً لأن سقف الموقف العربي تجاه الاحتلال، حتى الموقف الرسمي كان عالياً. ومن المهم أن نلاحظ بأن هذه الزيارات كانت فقط من بوابة مندلبوم بين شطري القدس الشرقي  (تحت الحكم الأردني) والغربي المحتل، ولم تكن مع اي بلد عربي مجاور لفلسطين المحتلة أي مصر ولبنان وسوريا.

بعد هزيمة 1967، وضع وزير الحرب الصهيوني موشيه ديان سياسة الجسور المفتوحة بحيث يزور الفلسطينيون بعضهم البعض من وإلى الأرض المحتلة. ولم يكن الأمر إنسانيا بالطبع بل كان لتطبيع العلاقة مع الأردن ومنه مع بقية العرب.

حينها لم يتم التركيز على زيارات الآتين من الأردن لأكثر من سبب منها الإنساني الذي لا نقاش فيه وحتى اليوم، ومنها الإقرار بالهزيمة، ومنها عدم الوعي السياسي…الخ. ومن خلال الجسور المفتوحة وخاصة بعد اقتلاع المقاومة من الأردن، رست علاقة الأردن بالكيان على تطبيع واضح بقي بانتظار الشكل الرسمي الذي تجسد في معاهدة وادي عربة والتي أتت سريعا بعد اتفاق أوسلو مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.

إذن باختصار، التطبيع مشروع صهيوني مكرس لخدمة الكيان الصهيوني ولا علاقة له باية مشاعر إنسانية. وبالطبع للتطبيع وجوهه المتعددة كالهيدرا، مما يجعل الإفتاء به في غاية الشائكية. وقد يكون جانب الزيارات الأسرية الفلسطينية العادية الآتية من خارج فلسطين هو الأقل إشكالية وهو الذي لا يمكن رفضه لأن رفضه يجب ان يكون بعد تنظيف المجتمع العربي ومنه الفلسطيني من كافة آليات التطبيع الطوعي والذاتي للقيادات والرموز وأصحاب الأعمال ومثقفي الطابور السادس…الخ. وهذا سياق طويل، ولذا، لا يمكن أن نبدأ بالفقراء  والطبقات الشعبية ليكونوا هم دوماً الضحية  أم يجب أن يبدأ الأمر كمسألة منهجية تبدأ من “الكبار” إلى أن يقتنع بها المواطن العادي  بشكل طبيعي كما يقتنع بالإيمان. أي حين يناقش المواطن نفسه بنفسه.. إذن، فهل التطبيع طبقي؟ هذا لوقت آخر.

***

شيخوخة وعد بلفور

ها قد بلغ السادسة والتسعين. لكن كل شيء اختلف منذ ميلاده البغيض. والدته التي حملت به سفاحاً (بريطانيا) غدت عجوزاً اقتصادياً على الأقل، وجميع الدول (اللصوص المتآخيىة كل الغرب الراسمالي)  في مازق حقيقي اقتصادي وأخلاقي. القبائل والمشايخ والتوابع والأنظمة العربية التي وُلد وعد بلفور بسبب وجودها تتراجع أمام صعود المقاومة والممانعة. والأمة التي كشفت ثورتها مؤامرة سايكس-بيكو ، أمة البلاشفة، تنهض مجددا وتقف إلى جانبنا. وسوريا تصمد أمام كافة أعداء البشرية والأديان وإيران تقف معنا كذلك، وتركيا تضيع بين الشرق والغرب لينطبق عليها بيت الشعر العربي لامرأة عشقت ولن تُعشق ( عُلِّقتها عَرَضاً وعُلِّقت رجلاً غيري، وعُلِّق أُخرى ذلك الرجلُ) . العالم الذي خلق بلفور يتراجع مقهورا ممروراً. اليوم وبعد 96 عاماً يسأل كل مستوطن نفسه: هل كان هذا المشروع ضرورياً!! فمجرد السؤال يعني الإجابة السالبة. لماذا إذن لا نتمثل بلاغة الآية الكريمة: “إن يمسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله” وهذا يعني الصمود ومواصلة السير. هذا اليوم هو سباق اللحظات الحاسمة بيننا وبين الثورة المضادة. لذا، أتيقن ان وعد بلفور شاخ.

::::

صفحة الكاتب على الفيس بوك

https://www.facebook.com/adel.samara.5?fref=ts