ماذا سيقول كيري في السعودية؟

د. ليلى نقولا الرحباني

في فترة مشوبة بالترقّب والتعجّل لعقد مؤتمر دولي لحل القضية السورية سلميًا، يبدأ وزير الخارجية الأميركي جون كيري زيارة للمنطقة يبدأها بالسعودية ومصر، ويستكملها في دول أخرى. علمًأ أن مدينة جنيف السويسرية ستشهد الأسبوع المقبل لقائين هامين جدًا، الأول هو لقاء أميركي روسي لبحث التحضيرات حول جنيف 2، يستتبعه لقاء لهؤلاء مع ممثلين عن الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، وبحضور الابراهيمي. أما الثاني، فبعده بأيام، إذ سيعقد اجتماع جديد بين ايران والدول الاعضاء في مجموعة “5+1” في 7 و8 تشرين الثاني، لبحث الملف النووي الايراني.

ومن تزامن اللقاءات وسرعة وتيرتها، ومن الايجابية التي تطبع التصريحات الدبلوماسية، واللقاءات التي يعقدها قادة الدول الاقليمية، يبدو أن مسار الحل السلمي في المنطقة قد انطلق شاء من شاء وأبى من أبى. وهكذا تشهد المنطقة حركة دبلوماسية نشطة، وإعادة وصل ما انقطع بين العديد من الدول الاقليمية والاطراف الدولية، وخاصة بين معسكري الصراع في سوريا، فنجد:

–  زيارة المالكي الى واشنطن وتأكيد على وحدة الهدف ووحدة العدو بين العراق وأميركا، فالارهاب بات يضرب الجميع، ولا شكّ أن العراق قد تضرر كثيرًا من الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة الاميركية للمعارضة السورية المسلحة، والذي أدى في نهاية المطاف الى سيطرة “داعش” على مناطق واسعة على الحدود العراقية السورية، مما بات يهدد المنطقة بأكملها وليس الدولة العراقية ووحدتها فحسب.

– زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الى تركيا، والتصريحات التركية والايرانية التي أعقبتها، والتي شددت على ضرورة الحل السلمي في سوريا وأن للبلدين مقاربة متشابهة حول الوضع في سوريا، ثم توجيه الرئيس التركي عبدالله غول، دعوة رسمية الى الرئيس الإيراني حسن روحاني، للقيام بزيارة الى تركيا.

وكان وزير الطاقة التركي قد أعلن في وقت سابق، أن تركيا ستستورد 5 ملايين طن على الأقل من النفط الخام الإيراني العام المقبل، وأنها سترفع مستوى مشتريات الغاز إذا عرضت إيران المزيد منه، علمًا أن ما تركيا تستورد ما يبلغ 10 مليارات متر مكعب من الغاز من إيران سنويًا.

– لقاء مرتقب لوزير الخارجية الايراني ونظيره الفرنسي، لوران فابيوس، في العاصمة الفرنسية باريس، حسبما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية، وتعتبر زيارة ظريف الى فرنسا أول زيارة لوزير خارجية إيراني الى فرنسا خلال الأعوام الأخيرة، ما يعكس إعادة نظر اوروبية تجاه العلاقات مع ايران، وتأكيد على دورها الاقليمي.

– بوادر انفتاح وانقطاع قطري مع السياسة السابقة التي اتخذتها دولة قطر منذ بداية الأحداث في سوريا، فمنذ ملف المخطوفين اللبنانيين في سوريا، وتتابعًا مع الرسائل التي أرسلها أمير قطر الشاب الشيخ تميم الى الرئيس السوري بشار الأسد، يمكن القول أن محور “الأخوان المسلمين” – بزعامة تركيا وقطر- بات يتحضّر لإعادة نفسه الى الساحة السياسية الاقليمية بقوة من بوابة الحل السياسي السوري، بعدما تمّ عزله على أثر فشله في إسقاط النظام السوري بالقوة، وفشله في الميدان.

انطلاقًا من كل هذا الحراك، وما كشف منه وما لم يكشف، ماذا يمكن أن يقول كيري في السعودية التي يبدأ بها جولته؟.

 يمكن أن يتصور أنه من مسار الأحداث المتسارعة، فإن كيري قد يقول للسعوديين ما فحواه:

– تشديد على العلاقات التاريخية الاستراتيجية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، وتطمينات للعاهل السعودي حول أهمية دور المملكة في المنطقة.

– تهديد بأن مؤتمر جنيف 2 سيُعقد، سواء شاركت المملكة العربية السعودية أم لم تشارك. ومن الأفضل للمملكة العربية السعودية أن لا تقصي نفسها وحلفاءها عنه. فإذا لم تعطِ المملكة الضوء الأخضر للائتلاف المدعوم منها لتشكيل وفد معارض والذهاب الى جنيف، فإن الأميركيين سيتكلون على معارضة الداخل، والمعارضة المحسوبة على الأخوان – من الشخصيات المعارضة التي تمّ تهميشها لصالح وكلاء السعودية- لتشكيل وفود والذهاب الى محاورة النظام في جنيف في الاسبوع الأخير من تشرين الثاني الجاري.

وهكذا، سيجد السعوديون أنفسهم أمام مأزق: فأما “التراجع والتهميش” وإما “القبول بما تيسّر”. وتبقى الخشية الحقيقية لبنانية صرف، فالسعوديين قد يطالبون بحصة وازنة في التركيبة السياسية اللبنانية في المستقبل، كتعويض عن خسارتهم في جبهات عدة في المنطقة، فهل سيشهد لبنان معادلة جديدة قوامها “س – أ”  (السعودية – ايران) كبديل عن معادلة  “س – س” ( السعودية – سوريا) السابقة؟