لهذه الاسباب سيقر الغرب لايران بحقوقها النووية … و التداعيات ؟!

العميد د . امين محمد حطيط

بات من الموكد بان الملف النووي الايراني رغم المماطلة و العرقلة الغربية  سيسلك طريقه الى الحل سلميا ، و اذا كانت جولة المفاوضات التي انعقدت في الشهر الماضي شكلت فرصة للاطراف للتحقق من الجدية و محاولة بناء قاعدة من ثقة يبنى عليها ، فان جولة المفاوضات التي اسدل الستار عليها بالامس احدثت الخرق الاول في الجدار المانع لاي مسعى او طريق للتفاهم او التفاوض . و هنا يطرح السؤال حول الاسباب و الخلفية التي دفعت بالامور الى هذا المشهد خاصة و ان الغرب الذي كان يتذرع بظنه ان ايران تسعى الى امتلاك السلاح النووي ، يعلم في اعماقه بان هذا الظن لم يكن مبنيا على قاعدة معلومات او وقائع صحيحة او سليمة ، فمالذي تغير الان حتى يظهر الغرب استعداده  للقبول بمعظم ما كانت تطرحه ايران حلاً للشأن منذ ان اثير  الموضوع و فرضت العقوبات و الحصار عليها .

لقد مارس الغرب بقيادة اميركية و على  مدى عقد من الزمن كل ما يمكن من ضغوط سياسية و اقتصادية و مالية ضد ايران وصولا الى التهديد بالحرب لتدمير منشآتها النووية من اجل منعها  من ممارسة حقها المشروع بامتلاك التقنية النووية و استعمال الذرة من اجل اهداف سلمية في قطاعات الطب و الزراعة و الطاقة ، و هو استعمال سيوفر لشعبها امكانات اضافية تدفع به الى مزيد من  الارتقاء الحضاري و الانتماء الى العصر ، دون ان يكون فيه اي خرق لقاعدة من قواعد في القانون الدولي .

 لقد تذرع الغرب بظنه غير المستند الى دليل ، و خشيته من  وصول ايران الى مستوى يمكنها من تصنيع القنبلة الذرية و امتلاكها السلاح النووي الذي في حال تحققه  قد يخل  بزعمهم بالتوازنات الاقليمية و الدولية و يؤثر على مصالح الدول الكبرى التي فرضت لتفسها و استأثرت  بحق امتلاك السلاح النووي ليكون السلاح الاستراتيجي الحاسم الذي يحمي مكتسبات المنتصرين في  الحرب الثانية  الذين امتلكوا حق الفيتو في مجلس الامن حتى لا يكون في المجلس قرار دولي يعارض مصلحة اي منهم المباشرة او مصلحة حلفائه الاستراتيجيين .

لقد تصور الغرب ان  فرض الحصار و العقوبات المتنوعة و المؤذية  سيؤدي الى تركيع ايران ، و يجعلها تستسلم للارداة الغربية ، و اذا تطلب الامر عملا عسكريا ، فان الهجوم يكون اسهل بعد ان يكون الجسم الايراني اصيب بالضعف و الوهن و الترهل اما  ايران و حيال تلك الضغوط الشديدة و المؤلمة في كثير من الجوانب فقد صمدت و وضعت لنفسها استراتيجية مضادة للمواجهة بنتها على  اتجاهات ثلاثة  في الداخل فضلا عن سياستها الخارجية و هي :

–         في المجال العسكري الدفاعي ، حيث  طورت ايران قدراتها العسكرية رغم الحصار و تمكنت من امتلاك التقنية العسكرية العالية في مجال التصنيع العسكري خاصة في مجال القدرة الصاروخية و الدفاع الجوي ، و الميدان  البحري  حيث تمكنت من ان تقتحم  اعالي البحر و اهلت نفسها لتكون  دولة اقليمية كبرى على طريق امتلاك مرتبة  الدولة الكبرى عالميا ، هذا فضلا عن قدرات عسكرية برية هامة تمكنها من الدفاع عن اليابسة بشكل يركن اليه بطمانينة ، و قطعت بذلط الطريق على اي عدوان عسكري يشن عليها .

–         في المجال  الاقتصادي :حيث رفعت شعار السعي الى الاكتفاء الذاتي و حققت الكثير على طريقه و جعلت قسما كبيرا من العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها  فرصة للعمل والانتاج بالقدرات الذاتية و  لم تجمد امامها و تتخذ منها حواجز و عوائق تمنعها من توفير احتياجات شعبها و تقودها الى الخضوع .

–         في المجال  النووي التقني و هذا هو المهم في هذا السياق ، فقد ركزت جهودها على هذا الخط اذ  رغم كل انواع الحصار و العقوبات و التهديد تمكنت ايران من تحقيق  التقدم المذهل للغرب و توصلت الى تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% و ضاعفت عدد اجهزة الطرد المركزي الاف المرات ، و ادخلت الى الخدمة مفاعلين نووين جديدين و تمكنت من تصنيع الوقود النووي الذي يلزمها للاستعمال الاني في القطاعات الطبية ذات الحاجة اليه حاضرا .

اما  على الصعيد الاقليمي و الدولي ، فقد حافظت ايران على موقعها الجيوسياسي و فعاليتها في محور المقاومة و لم تثنها الضغوط و العقوبات و الحصار عن القيام بالتزاماتها حيال هذا المحور ، لا بل انها في كثير من الحالات زادت من وتيرة دعمها للمقاومة و تحملت اعباء اضافية في سبيل ذلك . و قد استمرت في توسيع فضائها الاستراتيجي الى ان جاء الاختبار الصعب لها و المتمثل في العدوان الصهو -غربي -تكفيري بقيادة اميركية على سورية ، حيث ظن المعتدون ان ايران ستضطر  للانكفاء و تمتنع  عن الوقوف الى جانب سورية في مواجتهها الدفاعية ، او ان ايران لن تستطيع اصلا ان تقدم شيئا لسورية في معركتها الدفاعية تلك .

و لكن ذهل المعتدون عندما تحققوا من فشل رهاناتهم و لمسوا يقينا بان ايران جاهزة لاي ظرف و احتمال دفاعا عن سورية لانها كانت و منذ اللحظة الاولى على يقين بان العدوان على سورية لا يستهدف الدولة السورية و موقعها فحسب بل يستهدف محور المقاومة بكافة مكوناته ، و بالتالي رأت ان الوقوف مع سورية انما هو دفاع عن النفس ، و جاهرت بهذه المواقف الدفاعية و ارسلت بذلك  للمعتدين خاصة اميركا  الرسائل الواضحة القاطعة حول مخاطر المواجهات في المنطقة  في حال نفذت اميركا تهديدها بالعدوان على سورية .

لقد ظن الغرب الصهيو اميركي بالقيادة الاميركية ، ان بامكانه ترويض ايران و محور المقاومة معها من البوابة السورية ، و اعتقدوا بان اسقاط سورية سيفكك هذا المحور بعد اقتلاعه قلعته الوسطى ، و يليها احتواء مزودج لايران و حزب الله ، ثم منع العراق من التفكير بالتنسيق مع هذه القوى او التحالف معها . لكن النجاح الدفاعي لسورية خيب هذا الظن و اسقط الاوهام  حول امكانية تفكيك محور المقاومة ، خاصة و ان مستجدات سجلت على صعيد هذ المحور تجلت باستعداد مكوناته للعمل خارج حدودها الوطنية الاساسية من اجل الدفاع عن ذاتها على اي ارض تفرض مواجهة دفاعية ، و ارتسم مشهد الميدان الواحد الذي تخوض المعارك فيه قوى من مكونات محور المقاومة كلها .

في ظل هذه الوقائع و الحقائق وجد الغرب عامة و اميركا خاصة ( و هي الاصل في موضوع حصار ايران و معاقبتها لاخضاعها ) و جدوا ان الاستمرار في سياسة المواجهة مع ايران لن تجدي، و هي رغم  انها تنتج بعض الالم و الضرر لايران في مجالات محددة خاصة على الصعيد المالي و التجاري فانها قاصرة عن اخضاع ايران لارادة اميركا ،و بالمقابل  فان ايران قادرة على المضي قدما في مسار التقدم و التطوير الذاتي رغم كل بعض المصاعب و الضيق احيانا  ، اضافة الى ذلك تاكد الغرب بان العدوان على سورية لن يحقق اهدافه و ان محور المقاومة لن يتفكك .

و من جهة اخرى بدأت اميركا تتلمس مخاطر الخروج من افغانستان دون ان يكون هناك تفاهم مع ايران ، و مع   يقينها  بان ايران  لم و لن تسعى اصلا لامتلاك السلاح النووي  و هي تعلم ان  اثارة الملف اصلا لم تكن الا من اجل الهيمنة على ايران و استتباعها و منعها من امتلاك مصادر القوة الاضافية ، ثم جاءت و بدعم من ايران موافقة سورية على التخلي الطوعي عن برنامج الاسلحة الكيماوية و اتلاف ما لديها منها و الانضمام الى معاهدة منع انتشار السلاح الكيماوي ، جاء ذلك  ليؤكد لكافة اقطاب العالم بان محور المقاومة لا يريد امتلاك اسلحة الدمار الشامل .كل ذلك حمل الغرب و على رأسه اميركا  الى اختيار طريق التفاهم و الاتفاق مع ايران لانه  الطريق  الممكن الافضل . اما ايران فقد رأت  مصلحتها  ايضا ان تكرس حقها بالتقنية النووية و تستحصل على اعتراف دولي بهذا الحق مقرونا بالتراجع عن كل التدابير الكيدية و العدوانية من عقوبات و حصار عبر مجلس الامن او بشكل منفرد خارجه .

هذه هي القناعة التي وصل اليها الغرب و ارتاحت اليها ايران ، هي التي فتحت الطريق امام الفرصة التاريخية – على حد قول الرئيس روحاني –  للوصول  الى اتفاق يناسب ايران و يغضب اعداءها عدائهم ( خاصة اسرائيل الى السعودية ) و لان تعثر هذا الاتفاق في الجولة الاخيرة فانه سيوقع بعد ايام لانه الحل الوحيد المتاح للغرب و الا سيكون هو من سيندم اذا رضخ لضغوط اسرائيل و الخليجين .

و على اي حال و مع اعتقادنا بان الاتفاق سيوقع رغم بعض التأخير فاننا نرى ان نتائج هامة ستترتب عليه من شأنها ان تؤثر على مسار العلاقات الدولية و احداث المنطقة حيث  سيؤكد على :

–          انتصار ايران في معركة امتلاك التقنية النووية ، ما يعني انتصار اخر لمحور المقاومة يراكم انتصاراته  التي بدأت في العام 2000 في لبنان و تكررت في العام 2006 ثم تكتب الان في سورية .

–         امتلاك محور المقاومة مناعة اضافية في الدفاع و الردع  مع  فشل كل محاولات اسقاطه او تفكيكه .

–          رسم الخريطة الجيوسياسة في المنطقة على ضوء نتائج الصراع هذه ، خريطة سيكون لمحور المقاومة الدور الاساس في ترسيم  خطوطها و تحديد وجهات المكونات فيها ،

–         و اخيرا سيكون له انعكاس ايجابي مؤكد على حل سلمي للازمة السوري يحفظ لسورية ما دافعت عنه من وحدة و قرار مستقل و سيادة .

::::

“الثورة”، دمشق