“ساقط.. عند مغتصب”

خليل حرب 

لولا الاستقبال العنصري لرجل الأمن الفرنسي في مطار شارل ديغول، لكان بالإمكان ان تغادر باريس مقتنعاً ببهاء زيارة واحدة من أجمل مدن العالم.
ولولا سياسات فرانسوا هولاند، لكانت فرنسا تستحق، ربما، ان تدّعي لنفسها الحق بتولي دور القيادة في هذا العالم.
لكن المشكلة ان هولاند – وهو في زيارة الآن الى اسرائيل – يريد ان يتصرف كأنه الملك شارلمان الذي خاض اكثر من 50 حرباً كبرى في سنوات حكمه. يريد ان يظهر كملك تاريخي للأوروبيين مثله، لكنه وفق استطلاع رأي نشر امس، لا يتمتع بتأييد يتجاوز الـ20 في المئة من الفرنسيين، ما يجعله يقبع في أدنى سلم الرؤساء شعبية منذ تأسست الجمهورية الخامسة في العام 1958.
ومهما يكن، فإنه توّاق ليكون مثله. يتآمر مع بعض العرب على البعض الآخر، ويحرض بعضهم على بعض، ثم يتصرف كأنه رئيس لشركة صناعة أسلحة، يجوب بلادهم بائعاً.
يحارب باسم ما يمثله الغرب.. من أفكار ومصالح….ونفاق. تتحرك مشاعره في «ياد فاشيم» باسم العدالة، لكنه يترك خلفه في سجن باريسي جورج عبدالله، تحت قوس العدالة الانتقائية برغم انقضاء سنوات على انتهاء محكوميته، ثم يحل ضيفاً في القدس ليكتفي بابداء أمل خجول بظهور «مبادرة» سلمية ما من إسرائيل، بعدما ابتلعت ما ابتعلت من فلسطين وأرضها.
تواق هو ايضاً ليستكمل الغزوات الفرنسية، التي كان آخرها مالي وليبيا بعد تدخلات عسكرية هنا وهناك في القارة الأفريقية. يسقط الرجل في أعين الفرنسيين، في السياسة والاقتصاد، فيبحث عن مجد ما في الخارج.
ولولا الخذلان الأميركي في اللحظات الأخيرة، لكان هولاند يود ان يقود جيوشه باتجاه دمشق. مستوى التحريض ومداه الزمني ازاء سوريا، لا يذكّر إلا بعهد الاستعمار بشكله القديم، وبشاعته.
لكنه الآن ببذة وربطة عنق. يتعامل مع مواطني العالم، كأنهم في مستعمرات فرنسية تابعة للامبراطورية الفرنسية الشاسعة. هولاند، وعموم الطبقة السياسية المتوالية على الحكم في باريس، لم تعد تشبه فرنسا التي يمكن أن يحبها العالم. يسارها اكثر يمينية من يمينها، ويمينها يشبه عصابات «كو كلوكس كلان» العنصرية في اميركا. وفي أحسن الأحوال، هولاند هذا، يشبه جورج بوش في سنوات رعونته السياسية، برغم أن الأخير قيّد أبوه جموحه أحياناً.
الهوج الفرنسي كما يعبر عنه هولاند، يتخذ حالياً شكله الفظ، في الملف الإيراني. يريد هذا المفتقر للشعبية، أن يعوض عن الانتكاسة السورية، بادّعاء نصر إيراني. يخرب مفاوضات جنيف النووية في ساعاتها الأخيرة، ثم يتبنى المنطق الليكودي لنتنياهو، بأن العقوبات ثم المزيد من العقوبات، هي وحدها التي تجلب النجاح في التفاوض مع الإيرانيين.
قبل نحو 35 سنة، خرجت «السفير» بعنوان رئيسي: «الساقط.. عند المغتصب» للإشارة الى زيارة السادات الى القدس المحتلة.. في مثل هذا اليوم، يليق العنوان بفرانسوا هولاند، أكثر من أي وقت مضى.

::::

“السفير”