هل يعود الحريري الى الحكم؟

د. ليلى نقولا الرحباني

 

وتنفّس العالم الصعداء بالتوصّل إلى اتفاق تاريخي بين طهران والدول الست، قد يُعدّ بحق أهم إنجاز في منطقة الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية.

لكن على الجبهة المقابلة، شكّل الاتفاق النووي مصدر قلق للعديد من الدول الضالعة في الحرب السورية، ومنها السعودية، والتي تعيش على عداء تاريخي مع إيران، غذّته الولايات المتحدة الأميركية. ويعكس تباين الآراء والتصريحات التي انطلقت من قبل المسؤولين السعوديين، وجود أجنحة تتحكم بمفاصل السياسة السعودية، فقد أعلن الوزير خوجة باسم الحكومة بياناً منمقاً لا يشيد ولا يرفض ويربط الأمر بحسن النوايا، بعدما كان رئيس مجلس الشورى السعودي قد هاجم إيران، معتبراً أن “منطقة الشرق الأوسط  لن تستطيع النوم من الآن فصاعداً بسبب الاتفاق النووي”.

وفي خضم التطورات المتلاحقة في المنطقة، وفي ظل مسيرة دولية حثيثة نحو الحلول السلمية، يبدو أن السعودية تمرّ بفترة تاريخية ستحدد دورها ومستقبلها، ومستقبل وكلائها في المنطقة، ولعل أهم ما في المستجدات ما يلي:

– وجود أجنحة متصارعة ضمن العائلة المالكة في السعودية، ويتصدر بندر بن سلطان وسعود الفيصل جناح الصقور الذي يطمح إلى أن يطيح بكل شيء ويعطّل على الأميركيين مشاريع التسوية، بينما يحاول الأميركيون تمييز الملك عبدالله وولي العهد، والتعامل مع الملك رسمياً، بصفته صاحب القرار الأول والأخير.

– علاقة متوترة مع الحليف التقليدي “الولايات المتحدة الأميركية”، خصوصاً بعد التطورات السورية والتفاهم النووي الإيراني، علماً أن السعودية كانت قد اختبرت نتائج التسويات الأميركية – الإيرانية في كل من العراق وأفغانستان. ففي العراق، وعشية الانسحاب الأميركي من بغداد، تمّ تسليم السلطة إلى حليف إيران الأول نوري المالكي، على حساب إياد علاوي، والمكونات السياسية المدعومة من السعودية، ما أدّى إلى غياب الأمن والاستقرار، وانتشار الإرهاب، وعدم الانخراط في العملية السياسية، أما في أفغانستان فأدّى التفاهم الأميركي – الإيراني إلى التجديد لكرزاي ولاية ثانية، من دون الأخذ بمصالح الخليجيين بعين الاعتبار.

– تفلّت كثير من المشيخات الخليجية من النفوذ السعودي، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال ما تمّ تسريبه عن جولات المفاوضات السريّة بين الأميركيين والإيرانيين، ودور بعض الإمارات الخليجية في هذا التقارب، من دون علم السعوديين ومباركتهم.

– سعي “الإخوان المسلمين” إلى تعويض خسارتهم في مصر، وخسارة مشروعهم في الشرق الأوسط، بالتغلغل بقوة في الخليج، وهو ما يدفع إلى حرب غير معلنة بينهما، وتتشدد السعودية والكويت مع المشايخ المنتمين إلى “الإخوان المسلمين”، وتراقب خطب الجمعة مسبقاً، ولقد تمّ فصل العشرات منهم من وظائفهم.

– خشية سعودية من قيام إيران باستغلال تفاهمها مع الغرب للتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج، ما يؤدي إلى قلب موازين القوى في كل من البحرين واليمن، ويعطي دفعاً للسعوديين الموجودين في المنطقة الشرقية.

– سعي تركي حثيث للانخراط في التسوية، والاستحصال من الغرب على تفويض بحكم “واقع سنّي”، يمتد من المحيط إلى الخليج، تصل ارتداداته إلى آسيا الوسطى، ولهذا يسعى الأتراك إلى ملاقاة الروس والإيرانيين في منتصف الطريق، والترحيب بالحل السياسي، بعدما أدركوا استحالة تحقيق حلمهم الإمبراطوري من خلال الحرب والتدخلات العسكرية. فقد سارع وزیر الخارجیة الترکي أحمد داود أوغلو للقيام بزيارة مباركة وتهاني إلى طهران، وللبحث مع الإيرانيين في سبل الانخراط التركي في التسوية المقبلة، و”كيفية إخراج أنقرة من المأزق السوري”، كما صرّح ظريف خلال لقائه مع الرئيس برّي.

لكل هذه الأسباب وغيرها يبدو أن السعودية باتت أمام خيارات صعبة أحلاها مُر، فالخروج من التسوية يعني السير نحو الانتحار، والدخول فيها دونه تنازلات وخسائر جمّة في العديد من المناطق، وأهمها المناطق الملتهبة في العراق وسورية ولبنان، وقد يكون لبنان هو الساحة الأضعف، والتي تتميّز فيها السعودية بنفوذ تقليدي قوي، لذا قد تكون جائزة الترضية التي ستُمنح للسعودية هي عودة حلفائها إلى السلطة في لبنان، وتقاسم النفوذ مع حلفاء إيران التقليديين، والمحور الرابح في المعركة السورية… فهل ستؤدي الصفقات في المنطقة إلى عودة السنيورة أو الحريري إلى الحكم؟ هذا ما سيقرره أي من الأجنحة سيربح في السعودية، وقدرة المملكة في أن تنتصر على التركي – “الإخواني” الطامح إلى إزاحتها من مناطق نفوذها التقليدي في الشرق الأوسط والخليج معاً.

وهكذا تبقى الأجوبة رهن الحراك الدائر في المنطقة، ونتيجة السباق بين الأتراك والسعوديين، واقتناع الأميركيين بمن يستطيع أن يؤمّن الاستقرار المطلوب في السنوات المقبلة.