عادل سمارة
لعل صادق جلال العظم من أكثر الناقدين للنظام السوري ليس في الحريات ولكن في السياسات الاقتصادية (سياسة السوق الاجتماعي). وحبذا لو توقف عند هاتين المسألتين ولم ينتهي إلى المذهبية بأن يحمل راية “أهل السنة والجماعة” ضد ما اسماه النخبة العلوية!!! هذه الراية التي التقطها منه مؤخرا الوليد بن طلال (آل سعود)!!! لكن العظم كان داعية لما هو أخطر من سياسة السوق الاجتماعي فقد كتب عام 1999، اي قبل تبني سوريا هذه السياسة:
” المسألة الأساسية بالنسبة للدول العربية فيما يخص العولمة ليست صد زحف العولمة ولا ان يكونوا ذيلا لها. بل التعاطي مع هذه الظاهرة او مع النظرية المعلنة المتجسدة في النظام الاقتصادي الراسمالي العالمي، باكبر قدر من الحكمة، والمسؤولية والواقعية والموضوعية. وهذا يجب ان يرتكز على الاعتماد على الذات اعتماد عربي على الذات ومن ثم التعاطي مع الظاهرة الأوسع التي هي العولمة” (صادق جلال العظم و حسن حنفي في مع العولمة دمشق 1999 ص ص 200-201) .
علينا ان نلاحظ أن المثقفين الجذريين العرب لم يلتقطوا هذا التورط عند العظم تماما كما لم يلتقطوا خطورة فتى الموساد-عزمي بشارة. وبالطبع فالعظم يدعو الدول العربية المحكومة بالكمبرادور لتبني سياسة الاعتماد على الذات والدخول في العولمة!!! فلا هذه الدول مؤهلة كقطريات للاعتماد على الذات، ولا هو أدرك خطورة العولمة، وربما يبكيها اليوم وهي في نزاعها الأخير. (نقدت العظم بشأن هذا التورط في كتابي Epidemic of Globalization, 2001 p. 20)
ولا يمكننا بالطبع تجاهل حقيقة هامة وهي أن العظم كان تأهل لقبول العولمة منذ دخل في تسعينات القرن العشرين في علاقات أنجزة مع لفيف من مثقفين عرباً وخاصة في المانيا، ومن بينهم تروتسكيين ومن “ثمرات” ذلك بيان اصدروه ضد سوريا شارك فيه الكثير من مثقفي التروتسكيين واللبراليين عربا وعجماً.
http://pulsemedia.org/2013/04/29/solidarity-with-syria/
وهذا ما أوصله كما نرى ليكون في طليعة الطابور السادس الثقافي.
لو دققنا في الإطار العام لهذه الفكرة لتذكرنا النقطة التي حاصر فيها العظم إدوارد سعيد. يا إلهي كيف يحصل الاسقاط الذهني. فالعظم نقد (وكان على حق) إدوارد سعيد حينما كتب سعيد “إنني لا انتحب على تبعية العرب للغرب وإنما على طريقة معاملة الغرب للعرب”
والطريف أن العظم، في التورط في العولمة يلتقي مع رؤية الصحفي الصهيوني/اليهودي ثوماس فريدمان الذي كتب في عام 2001، بأن” ” العولمة هي ثورة الاتصالات انها عن الانترنيت. انها كيف تجلس في غرفة نومك وتشتري اسهما في أمازون دوت كوم وترسل رسائل الكترونية الى سكان الأسكيمو في نفس الوقت، وأنت تلبس بيجامتك”(من كتاب أفضل ديمقراطية يستطيع المال شرائها. تاليف غريغ بالاست، الطبعة العربية 3002 ص 143).
وجدير بالذكر ان فريدمان هذا هو “الذي أوحى ” مع المعذرة” للملك عبد الله آل سعود بما أُسميت المبادرة العربية. سبحان الله كيف تتناسخ الأفكار وتتقمص النفسيات فيكون وجه لفريدمان باتجاه فيلسوف الناتو اي العظم ووجه باتجاه حاكم السعودية. والمفارقة أن العظم يأمل من نفس هذه الأنظمة العربية أن تتبنى استراتيجية الاعتماد على الذات التي هي من ابتكارات ماوتسي-تونغ!!! أليس من عجب!
وتصبح الصورة أشد إغراء بالتندر حين نسمع ما قاله أنتوني جيدنز، فيلسوف الطريق الثالث والذي تتلمذ على يديه زعيم حزب العمال البريطاني توني بلير الذي سبق حزب المحافظين إلى الراسمالية المعولمة وشارك في ذبح العراق وبقدرة “أمريكا” صار حمامة سلام بين الفلسطينيين والصهانية إلى حد أنه يزور أطفال اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات ولا يُرمى بالرصاص!!!
كتب غريغ بالاست: “داخل الهيلتون شرح البروفيسور انتوني جيدنز لحشد جدي من خريجي كلية الاقتصاد في لندن بأن العولمة حقيقة تسيرها ثورة المعلومات”. واو. كان ذلك شيئا مدهشاً، ! اولئك المتظاهرون الغريبون السذج ضد صندوق النقد الدولي فهموا الأمر برمته على نحو خاطىء فالعولمة، كما يقول لسان حال جيدنز، هي إعطاء كل قروي في جبال الإنديرز جهاز تلفون خلوي متصل مع الإنترنيت من نوع نوكيا، (من الواضح ان الرجل كان قد حفظ عن ظهر قلب كلمات زميله توماس فريدمان) . لماذا بحق الله يتظاهر اي شخص ضد هذه المسيرة السعيدة نحو المستقبل” (ص 147).
ترى، هل يشرح صادق العظم ل جيدنز أن العولمة هي إعطاء أكثر من جهاز نوكيا لأعضاء جبهة النصرة والقاعدة في جبال القلمون في سوريا!!!!
لذا، يجب ان لا نُفاجىء قط بموقف العظم واضرابه لا سيما إذا تتبعنا تورطه قبيل العدوان على سوريا بسنين طويلة، وإذا عرفنا أن اية علاقة باي مستوى من الأجزة لا بد تقود إلى ما وصل إليه العظم واكثر. وهذا يساعد على فهم كيف تلتقي السلفية والوهابية بل مختلف قوى الدين السياسي مع التروتسكية.