في مواجهة المشروع الظلامي التبعي

المبادرة الوطنية الأردنية

8/12/2013

 

الصديقات والأصدقاء

الرفيقات والرفاق

تحية طيبة لكم جميعاً

لا يختلف إثنان على إن الواقع المعاش مفعم بأحداث عصيبة معقدة ومتداخلة على كافة الصعد، حيث مشاريع متناقضة تتصارع، منها ما هو فاقع وواضح ومفهوم ومعلن، وآخر غامض ومبطن وغير مفهوم وغير مصرح به، وأطراف الصراع، الحليف والعدو والتحالفات القائمة ، إما واضحة، بناء على المبادئ أو بناء على تقاطع المصالح أو كليهما معاً، وإما تحالفات غير مرئية وغير ملموسة، تحتاج إلى جهد فكري مضني لكشف ملابساتها، وتلمس القطبة الخفية التي تنظمها.

الواضح أن هجمة ظلامية قروسطية متخلفة، تستهدف المنطقة العربية، والأمة العربية إساساً، تستهدف كافة أبناء هذه الأمة بلا استثناء، تستهدف كل القيم الأنسانية النبيلة، قيم المحبة بين الناس، القيم الجمالية في النفوس البشرية، وتسعى هذه الهجمة إلى العودة بهذه الأمة إلى العصور الظلامية، وإعادة إنتاج التخلف، وبث عصبيات مجاميع الماقبل رأسمالية، الطائفية والمذهبية والقبلية والجهوية والأقليمية، بعدما كادت هذه الأمة وضع قدمها على طريق التحرر والتطور والتنمية، ومحاولة اللحاق بالركب الحضاري العالمي، خلال مرحلة التحرر الوطني، مرحلة النهوض الوطني العام، مرحلة تحرير الإرادة السياسية، وتحرير القرار الوطني، وتحرير الثروات الطبيعية، خلال النصف الثاني من القرن الماضي، في مصر وسوريا والعراق واليمن والجزائر، وحالة النهوض العامة: ضد الاستعمار القديم، والهيمنة الحديثة، والتبعية القائمة للمركز الرأسمالي العالمي، من قبل كافة الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة، حيث بدأ الانقلاب على حركة التحرر ودول التحرر مع إنقلاب السادات على منجزات العصر الناصري، ودخوله بتحالف معلن مع قوى التبعية البرالية ولصوص السوق ومثقفي التبعية، وتحالف غير معلن مع القوى الدينية، لمحاربة الناصرية ومنجزاتها واليسار وفكره وثقافته.

من هي القوى صاحبة المصلحة في وقف تطور وتحرر هذه الأمة، ولماذا؟

ما هي المخططات غير المرئية والمرئية التي يتم إنفاذها، لتحقيق هدف إبقاء هذه الأمة عاجزة مفككة ضعيفة فقيرة مريضة ومتخلفة؟

ما هي الآدوات المستخدمة في هذه المعركة المصيرية؟

ليس هناك من خلاف على أن أصحاب المصلحة في بقاء هذه الأمة مفككة ومفتتة متحاربة ، هي قوى الهيمنة المستفيدية من ثروات ومقدرات هذه الأمة، وهي ثروات ومقدرات هائلة، إنها قوى الهيمنة – الشركات العابرة للقوميات التي تحكم المركز الرأسمالي العالمي ، وتمسك بقراره –  تظهر بصورة مباشرة في الصراع عبر إستخدام القوة العسكرية، كما حصل في غزو العراق، أو بصورة غير مباشرة، وهي الأعم والأشمل، بالواسطة عبر أدوات – قوى التبعية في الحكم وفي السوق وفي المعارضة – وقوى التبعية هذه، متعددة المشارب، من مختلف التوجهات السياسية والعقائدية والأيدولوجية، دينية طائفية مذهبية، قومية يسارية لبرالية، مجموعات ما يسمى المجتمع المدني …الخ.

لكن الأخطر، بين كل قوى التبعية تلك، الآن وهنا، هي المجاميع التكفيرية، وذلك للأسباب التالية:

  • حالة تمايز غير مسبوق داخل المجتمعات العربية، بين فقر كافر وغناء فاحش، بين جهل مطبق وإغتراب صاخب، بين جوع ناهش البطون وتخمة فائضة عن الشبع، بين بطالة قاهرة وعمالة مستحلبة حتى الإعياء، بين ثقافة “ما بعد الحداثة” لمجموعة نخب في الحكم وفي المعارضة وثقافة التخلف السائدة بين صفوف العامة، كل ذلك يخلق بيئة ملائمة لتنامي أفكار التطرف والمغالاة الدينية.
  • تشكيلات أقتصادية – إجتماعية “الماقبل الرأسمالية” مستهلكة غير منتجة، عطّل المركز الرأسمالي من تطورها الطبيعي، بما فيها عملية الفرز إلى شرائح وطبقات واعية لمصالحها الخاصة والمصالح الوطنية العامة، مما سهل إنتشار الأفكار الغيبية المتخلفة بين صفوف الناس، وخاصة المجاميع الحدّية والهامشية، وما يسمى بالبروليتاريا الرثة، والبرجوازية الصغيرة الإنتهازية.
  • عودة المركز الرأسمالي العالمي، بعد إنهيار المعسكر الأشتراكي (ومحاولته فرض الإنتقال بالرأسمالية من رأسمالية منتجة إلى رأسمالية مضاربة) لممارسة الاستغلال الاستعبادي باقصى طاقاته وأبشع صوره، وخاصة ضد دول العالم الثالث التابعة، وضد شعوب العالم بالمجمل، مما أدى إلى انزياحات هائلة في توزيع الثروات المنتجة بجهد الكادحين والمنتجين، من يد المجتمع إلى أيدي أفراد، ومن أيدي الدول إلى أيدي الشركات، وهي أرضية مثالية لنمو الأيدولوجيات الدينية الغيبية المتطرفة، خاصة في ظل تراجع دور حركات التحرر الوطني، وحالة الإحباط واليأس التي اجتاحت شعوب الأرض، بعد إنهيار المعسكر الأشتراكي ودول التحرر الوطني.
  • الحالة الهامشية للقوى اللبرالية والقومية واليسارية، ومحدودية تأثيرها في مجرى الأحداث الساخنة، خاصة وأن أطراف منها قد فشلت في الحكم وفي المعارضة.
  • مساهمة الإعلام العالمي المهيمن، في الترويج المباشر وغير المباشر، لهذه الأفكار الظلامية، ولهذه المجموعات التكفيرية، وإتخاذ إجراءات تسعر العداء الديني والحضاري بين الشعوب، تحت عناوين صراع الحضارات ونهاية التاريخ، مما عمم ثقافة الحقد والكراهية، وهو مناخ مثالي لإنتشار الأفكار والمجاميع الظلامية.

الهجمة الظلامية القروسطية التابعة تستهدف الجميع، خطورتها إنها تحولت إلى ظاهرة، أنتجت حاملها الإجتماعي الخاص بها، الذي يتشكل من شرائح فقيرة ومعدمة، من المفترض أن تكون مكون من مكونات الحامل الأجتماعي لمشروع التحرر الوطني، تم تزييف وعيها، واستخدامها ضد مصالحها الحقيقية، وقدّمت وقود لخدمة مصالح المركز الراسمالي العالمي، والقوى المحلية التابعة لهذا المركز، كيف تم هذا؟

يلعب الإعلام في هذا الوقت، وخاصة بعد ثورة الاتصالات، خلال العقدين الأخيرين، دوراً محدداً في تشكيل الرأي العام، بناء الوعي أو تزيفيه: دوره في التركيز على التوعية بحاجات المجتمع الحقيقية، والمشاكل الحقيقية التي يعاني منها المجتمع، والحلول الواقعية للمشاكل الحقيقية التي يعاني منها المجتمع، أو دوره في التركيز على تنمية الحاجات الاستهلاكية التي تخدم مصالح الشركات متعدية الجنسيات، والتركيز على استيراد الحلول الأجنبية الجاهزة من الخارج، لتغذية شعور الدونية لدى مجموعات التبعية، في الحكم وفي السوق وفي المعارضة، وتغذية الثقافات الغيبية الغريزية.

لهذا نجد اليوم إعلام و فضائيات، بما يفوق الحاجة بكثير، تضخ الثقافة الدينية الغيبية المشوهة على مدار الساعة، فماذا سينتج عن هذا الضخ؟ وإعلام وفضائيات أخري تضخ ثقافة الإستهلاك والتقليد وتمجده، فما هو المردود؟

الجميع مستهدف، ساهم في مقاومة هذه المشاريع الظلامية التابعة، ساهم في بناء مشروع إنساني تحرري، ساهم في بناء أدوات الدفاع عن كينونتك كإنسان،  ساهم في إمتلاك وسائل إعلامية للتواصل والتوعية والتثقيف والتنوير.

لا تسمح للمشروع الظلامي التبعي بالمرور ، لن يمر،

لا تسمح للمشروع الظلامي التبعي أن يحتجز روحك، ولا تترك روحك تتعفن في قبو سحيق،

لا تسمح لهذا المشروع الظلامي التبعي من أن يكبل جسدك بسلاسل من حديد،

لا تسمح لهذا المشروع الظلامي التبعي من أن يطمس تفكيرك ويحجب عقلك،

لا تسمح لهذا المشروع الظلامي التبعي أن يغتال القيم النبيلة فيك،

لا تسمح لهذا المشروع الظلامي التبعي بأن يقتل الجمال في روحك.

” كلكم للوطن والوطن لكم “