عبداللطيف مهنا
سرعان ما جنحت الى الخفوت تلك الولولة الصهيونية المدروسة، والتي أعقبت توقيع اتفاق جينيف حول الملف النووي الإيراني. قلنا في حينه، في مقالنا السابق، أنها لم تكن إلا بعضاً من رفع الصوت لقبض الثمن تصفوياً في جاري المفاوضات الدائرة بينهم وبين الأوسلويين الفلسطينيين في الحاضنة التصفوية الأميركية. الأميركان كانوا دائما عند حسن ظن صهاينتهم. اتضح هذا حتى قبلما عُرف ب”منتدى سابان العاشر”، والذي كان فرسانه الأربعة اوباما ونتنياهو وكيري وليبرمان. بدأت جوقة الولولة تلوذ للخفوت رويداً رويداً لاسيما بعدما اعطاها نتنياهو، وحتى ليبرمان، الإشارة بأن استهدافات صخبها قد آتت أُكلها. في المحفل الساباني الصهيوني المعروف سمع الرجلان من اوباما وكيري مالم يسمعة صهيونيان قبلهما من الإدارات الأميركية المتعاقبة حول عروة العلاقات العضوية الوثقى بين المركز الأميركي وثكنته العدوانية المتقدمة الكيان الصهيوني. قال اوباما، وليسمع القاصيى والداني، وكل الواهمين والمراهنين والمنبطحين العرب، إن الخلافات مع “صديقي بيبي” محض تكتيكية، والتزامنا الأميركي بأمن الكيان الغاصب “شىء مقدَّس”، وفيما يتعلق ببازار التسوية التصفوية التفاوضية للقضية الفلسطينية المزمعة، والتي عاد كيري لاحقاً لتذليل عقبات اخراجها، قال ماكشف سلفاً أُفقها وحدد مسارها والهدف منها، حتى قبلما توالت لاحقاً التسريبات من حولها. قال: إن الجنرال آلان، المستشار الخاص للمنطقة، توصَّل إلى نتيجة تقول بأنه من الممكن التوصل إلى حل “يضمن الحاجات الأساسية للأمن الإسرائيلي”. من جانبه، شكر نتنياهو اوباما على “العلاقات الخاصة” بينهما، والتي اعتبرها “المرساة الأعظم”، منوِّهاً ب”التحالف الذي لاغنى عنه” بين واشنطن واسرائيلها، وراهن “التعاون” بينهما، الذي “لم يسبق له مثيل”، والذي “شمل مجالات الدفاع والأمن والإستخبارات”، دون أن ينسى تكرار لازمته بوجوب اعتراف مفاوضيه الفلسطينيين ب”يهودية الدولة”، كحد ادنى مطلوب منهم لتحقيق سلامه معهم. اما ليبرمان، الذي كان قبل مالايزيد على يومين أوثلاثة يدعو للبحث عن حليف بديل للولايات المتحدة، فصدح في المنتدى بأن لابديل لها! ولم يخرج كيري عن ما قاله رئيسه وإنما زاده توضيحاً، قال، إن الجنرال آلان “عمل بشكل وثيق مع القوات الإسرائيلية لاختيارسيناريوهات، والتوصُّل إلى حل يؤمِّن حاجات اسرائيل للسنوات المقبلة”، وإن محرِّك هذا الاصرار التسووي هو اكتشاف الحليفين أن “القوة ليست قادرة على قهرالقنبلة السكانية” الفلسطينية، وأن “الطريقة الوحيدة لضمان مستقبل اسرائيل الطويل هو بواسطة المفاوضات”… أوهذه التي اتاحت الوقت والتغطية لكل ما أنجز من تهويد وكل ما لحق بالقضية الفلسطينية من كوارث خلال عقدي أوسلو المدمِّرين، والتي مربط خيلها معازل بشرية متناثرة بلا ارض، محاطة بالأسوار والحواجز والمستعمرات، أو معتقلات كبيرة تنعم “بسلام اقتصادي” ل”سويتويات” ملحقه باقتصاد الكيان وفي خدمته، وما اتفاق ربط خليج العقبة بالبحر الميت، الذي يسميه الأردنيون تحبباً ب”قناة البحرين”، والذي وقعوه هم والأوسلويون والصهاينة إلا بداية هذا الغيث التصفوي الأميركي المنسجم مع ما توصل اليه جنرالهم المبدع آلان مع الجنرالات الصهاينة، والذي لحمته وسداته حلاً انتقالياً يتحول مع الوقت إلى الدائم عبر مسخ ماهم ماذا سيسميه اصحابه، ادولة أم امبراطورية، حدوده تحت الإحتلال، ومعابره تدار شراكة معه، بتغطية تكنولجية أميركية… وماذا بشأن المفاوضات؟!
لا يبدو أن الحليفين يساورهما القلق من تأثرها أو تعثرها أو توقُّفها أو خروجها قيد أنملة عن المسارالمرسوم لها أفقاً ورسوَّاً ، ولا يبدو أنهما يلقيان بالاً لبائس التبرمات الحيية التي تند بين حين وآخر من أوسلويي رام الله، أو يقبضون جدية تحذيراتهم بانهيارها، بل ماتقدم يكشف أنها ليست إلا ظلاً لما هو في جوهره مفاوضات أميركية صهيونية دائمة حول افضل السبل لتصفية القضية الفلسطينية، وتفادي القنبلة الديموغرافية الفلسطينية التي يحذر كيري من خطرها، أو ما اشرنا اليه آنفاً. ومن هنا فإن ما يبدو من بعض تمنُّع من قبل رام الله، أوشكوى من عريقات، أو تحذيرات من عبدربه، لات عدوالإستهلاكية الوزن، ولا يوجد مايضمن بأن لا تلبث فقاعاتها من أن تختفي لمجرد تكشيرة أميركية، أو بوادر صدود من قبل المانحين، فالمسار الكارثي الذي انتهجه الأوسلويون عبر العقدين، وتخليهم عن خيار المقاومة، جعل من المفاوضات بالنسبة لهم أكسير وجود لا تملك سلطتهم للحكم الذاتي الإداري المحدود الإستمرارية من دونه. إن هذا يذكِّرنا بحكاية اللجوء للهيئات الدولية، أو تلك التهديدات التي لطالما أطلقوها ولا زالوا ولم يجرؤا على الإقدام عليها … ترى، ما الذي كان منهم ازاء منع الأميركان لحلفائهم المحتلين من اطلاق الدفعة الثانية، أوتأخيرها ، من الأسرى بموجب اتفاق العودة للمفاوضات؟! وماذا عن تتالي قرارات التهويد وتوسيع المستعمرات الجاري على قدم وساق جنباً إلى جنب مع جاري جلسات عبثية ليفني عريقات التفاوضية؟!
… واخيراً، إنه وحتى مثل هذه التصفية الإنتقالية قيد التفاوض، التي يبدو أن مهندسها كيري، الذي يعود إلى فلسطين المحتلة، بعد أن قال مؤخراً في بلاده أمام جمعية يهودية “إننا نقف كلياً إلى جانب حلفائنا الإسرائيليين”، واثق من فرضها على الأوسلويين … حتى مثل هذه، هى مرفوضة من قبل وزيري الخارجية والحرب ليبرمان ويعلون، لأنها ليست نهائية، وأقل من الإعتراف ب”يهودية الدولة”، والتنازل الصريح عن حق العودة!!!