عادل سمارة
هي محاورات وليست تعاليماً. وهي محاورات وليست تعليماً منهجيا بالمعنى الأكاديمي المتعارف عليه. هي جلسات الوجود الجسدي الفيزيائي غير متوفر فيها، ولكنه افتراضي. وافتراضيته لا تنفي الحضور الذهني والنفسي والأخلاقي والعاطفي حتى الحب والمحبة. صار هذا ممكناً من خلال هذه الآلة الراسمالية الغربية اللعينة التي تضعنا أمام خيار واحد: أن تستعبدنا. والمحاورات هي ردنا بأن بوسعنا امتطاء الأسد. ألم يفعلها في زماناته كل من الزير سالم، وبشر بن المعتمر؟
هذه المحاورات حالة من الاشتباك الفكري على أمل تبلوره في اشتباك ميداني، ارضي. هو أن نتطور معاً باتجاه خلق المثقف النقدي الثوري المشتبك. فالمثقف النقدي جميل، ولكنه قد يتغنى ويتمتع بأن لديه قدرة النقد وكفى الله المؤمنين القتال، قد ينظر إلى كافة أنواع الخلل ويتمتع بأنه يرى ولا يُرى، أي أن الآخرين لا يعرفون انه يرى. هنا يكون كالشاطر حسن. والمثقف الثوري أجمل، ولكن قد يكون ثوريا، وليس نقديا كما يجب، وقد يكون ثورياً في المستوى النظري، وهذا محترم. لكنه لا يكفي. لذا، لا بد أن يكون المثقف إضافة لكل هذا مشتبكاً فلا قيمة فعلية للقوة الكامنة حتى يتم تفعيلها. وهذا هو الفارق الذي يذهب في عمقه إلى أن يكون فالقاً: الفارق بين الوجود والحضور. فقول ديكارت “أنا افكر إذن أنا موجود” قول صحيح ولكنه نصف الضرورة الإنسانية، لأن الأهم”ليس مجرد وجودي الإنساني المفكر بل حضوري ايضا”.
في هذه المغامرة، المجازفة التي تشي بوضوح عن افتقارنا لكل ما يتوفر للثورة المضادة (من الجنسين) من المال والإعلام والأعمال ورجال الأعمال والجُنْد والمخبرين والطابور السادس الثقافي…الخ، في هذه المحاولة قد يكون هناك ما يبني وعي الفقراء بقوتهم. وإن حصل، فذلك درجة في الحرية بمختلف فضاءاتها.
ستمر في هذا التحاور مصطلحات، نضطر لتعريفها، لتسهيل الحوار، ولكن ليس لضخ مصطلحات تدوخنا.
ولأن هذه المحاورات ليست تلقينية بل تؤسس للتفكير الحر بما هو ذاتي المنبع، وليس ل “حرية التفكير” بما هي الحصول على حربة ما من مصدر ما، له سلطة ما، مما يجعلها حرية مشروطة وربما مخصية.
ولأنها محاورات حرية التفكير، فهي بوضوح، تقرأ كل ما تحب، ولكن بعين النقد والاشتباك. وهذا يقوِّض سيطرة وسطوة المركزانية الأوروبية، بل الغربية عموماً اي يمينها ويسارها بما فيه الشيوعي والماركسي، وتقوض الفرانكفونية، والصهيونية اليهودية والعربية.
المحاورات حرة، لا تعين انبياء ولا اصنام. وقد ترد فيها أسماء كثيرة ومدارس كثيرة ولكن اياً منها ليس سيد عقلنا. ستمر علينا أطروحات قومية تعترف بالكيان الصهيوني الإشكنازي وتنادي بممالئة المركز الراسمالي العالمي، وأطروحات اشتركيين تشارك هذا الاعتراف بل اسست له، واطروحات ماركسية ممتازة في كل موقف ما خلا الكيان الصهيوني الإشكنازي، لأنها منافقة ونفعية وجبانة…الخ. ستمر علينا ولن تمر منا مرور السهم من الرميَّة. وإلا فلا داع لكل هذا.
إن هذه الصفحة خادعة وغدارة، إذا اعتقدنا أننا بها وحدها نحصل على قدر كاف من الثقافة. هي مجرد محفزات ومقدمات وإرهاصات ومفاتيح فكرية للقراءة الموسعة التي تتطلب العرق الصبيب، وذلك كي لا نتحول إلى مثقفي عناوين ومصطلحات. فالأمور الفكرية النظرية ومنها الاقتصاد السياسي تشترط شغلا كثيرا.
طبعاً، الفيس بوك فضاء مفتوح، وسنتعرض للكثير من الغزوات، ربما أكثر وأسوأ مما يحل بالشام. فهذا المدخل مدخل بَرِّي غير مدرسي ولا معلَّب، وكثيرون هم من لا يعجبهم هذا.
من ناحية عملية، غالباً سيكون حديثنا مرتكزاً اساساً على تناول قضايا نظرية برزت لحظات او احداث او صدمات ساخنة جعلت تحليلها لازبا لازماً. وهنا يمكن الإحالة إلى مراجع. كي نضطر معا للقراءة فليس اخطر من الانحصار في الفيس.
ملاحظة: حفاظا على المحاورات من الضياع والانمحاء، سوف ننشرها أولاً في نشرتنا “كنعان” الإلكترونية مع المعذرة لإضافة متاعب جديدة لرفيقنا رئيس تحريرها د. مسعد عربيد، نموذج الاغتراب ولكنه الحضور.