العميد الدكتور امين محمد حطيط
منذ ان شعرت بشبه العزلة الدولية و الاقليمية و السعودية تتصرف بشكل هستيري انفعالي يقودها من خسارة تكتية عملانية الى خسارة استراتيجية عامة . و جاء التفجير الارهابي في وسط بيروت في الاسبوع الماضي مع النتائج التي نجمت عنه لتطرح الاسئلة عن امكانية تحقيق اهداف يتوخاها السعوديون في لبنان بشكل يمكن من تثميرها لصالح ما يقومون به في سورية خاصة بعد ان كان الموقف غير المسبوق بوقاحته و فجوره و المتمثل بقول السعودية انها مستعدة لمتابعة المعركة ضد سورية حتى و لو بقيت وحيدة في الهجوم الذي ينفذ هناك .
و نبدأ باستعراض ما تريده السعودية في لبنان الان ليكون في خدمة الاهداف التي تعمل عليها في سورية ، و يأتي في طليعة تلك الاهداف محاصرة حزب الله و عزله و اشغاله و منعه من متابعة معركته الدفاعية الوجودية في سورية ، لان السعودية تظن ان وجود حزب الله في الميدان السوري من شأنه ان يعقد مهمتها العدوانية هناك و يمنح قوة اضافية لقوات الدفاع عن سورية و المتمثلة بالجيش العربي السوري الذي لم تدرك السعودية حتى الان كما يبدو مقدار قوته و الخبرات التي راكمها و التي تحول باي شكل من الاشكال من تحقيق المعتدي على سورية لاهدافه فيها .
و من اجل تحقيق الهدف الذي ذكرت و اعني محاصرة حزب الله و عزله رأت السعودية اعتماد مشروع- خطة تقوم على اركان عدة
– تبدأ باخراج حزب الله من الحكومة و تمنع ادخاله في حكومة جديدة ، و من اجل هذا اسقطت حكومة نجيب الميقاتي الذي استجاب لاوامرها فاستقال ، و تمنع تشكيل حكومة مع تمام سلام يكون حزب الله جزءا منها , كل ذلك من اجل ابعاد حزب الله عن السلطة و عزله في الداخل اللبناني
– محاصرة حزب الله دوليا و فرض القطيعة معه و من اجل ذلك كانت الرشى و الضغوط السعودية على الاتحاد الاروبي من اجل ادراج حزب الله على لائحة الارهاب ( وضع الجناح العسكري و هو تدبير مثير للسخرية ) و اعتماد مجلس التعاون الخليجي تدبيرا مماثلا باعتبار حزب الله ارهابيا ، ثم جاءت تدابير الطرد او التهديد به و الابعاد من دول الخليج لكل من يمت لحزب الله بصلة او حتى دعم عاطفي معنوي .
– اما العنصر الاخطر في الخطة – المكيدة فقد كان امنيا ، و يتمثل باستهداف قيادات لحزب الله بالاغتيال او تستهدف مجتمع المقاومة و الجهات الداعمة و الحاضنة لها بالتفجيرات . و لاجل ذلك كانت متفجرات الضاحية الجنوبية لبيروت و السفارة الايرانية و اغتيال القائد المقاوم حسان اللقيس بايد اسرائيلية تؤدي خدمة للمشروع الوهابي بعد ظهور التحالف الوهابي- الصهيوني الى العلن .
و لما لم تفلح تلك الخطة في تحقيق اهدافها يبدو ان ” الفكر الوهابي الانفعالي ” الذي احبط بالنتائج التي حصل عليها من سلوكياته في العناوين الثلاثة التي ذكرت لجأ الى امر يذكر بسلسلة الاغتيالات االي نفذت في لبنان في العام 2005 و ما يليه من اجل اخراج سورية من لبنان و وضعه تحت الفصل السابع للتمكن من ملاحقة المقاومة دوليا .
و جاء اغتيال محمد شطح بسيارة مفخخة اعترضت سيارته في وسط بيروت ، اغتيال جاء كما يبدو ليخدم الخطة الجديدة مع ظنهم بامكانية انتاج بيئة سياسية ضاغطة على رئيس الجمهورية لتشكيل حكومة يستبعد منها حزب الله بعد اتهامه بالجريمة ، و دفع الحزب كما يظن المخطط الوهابي الى الميدان و اللجوء الى القوة و يفتح الباب امام فتنة داخلية و حرب اهلية يغرق فيها الحزب في الوحول اللبنانية و باتون نار داخلية تجبره على التراجع من سورية و السكوت على استبعاده من الحكم .
و يبدو ان الحلقة المفصلية في هذا الشأن كانت مرتكزة على الاسراع في الاتهام و اخفاء الادلة و البينات التي تظهر الحقيقة و تسهل التلفيق الذي اعتمده تيار المستقبل و الاجهزة العاملة بامرته سلوكا معتادا له .
و من جهة اخرى كان اختيار محمد شطح بالذات اختيارا فيه شيء من الكيد و دعوة لاميركا او رسالة لها لتقدم على القيام بما يخدم الاهداف الوهابية ، لان لشطح موقع و علاقة مميزة باميركا الى الحد الذي يجعل جون كيري وزير الخارجية الاميركية يصف قتله بان خسارة لاميركا . و هذا ما يساعد كما ظنوا على دفع اميركا للتشدد اكثر في ملاحقة حزب الله بعد تلفيق الاتهام له .
و في التنفيذ سارع تيار الوهابية السعودية في لبنان المسمىو” تيار المستقبل ” و معه من تبقى من مسميات ” 14 اذار ” سارعوا الى اتهام سورية و حليفها في لبنان بالجريمة جاء ذلك في بيان اعتمدوه كدعوة صريحة للفتنة و الحرب ضد حزب الله ، كما سارع فرع المعلومات الى وضع اليد على مسرح الجريمة محاولا ابعاد الاجهزة الامنية الاخرى من التدخل بما فيها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني فاشتبك معها .
لكن النتيجة في ارض الواقع جاءت خلافا للمتوقع و المأمول ، اذا ان مديرية المخابرات في الجيش و رغم كل العوائق التي وضعت في طريقها استطاعت ان تضع اليد على بدء بينات و ادلة هامة تمنع اي محاولة للتلفيق و التركيب و توجه البحث نحو الفاعل الحقيقي المرتكب للجريمة فظهر “تنظيم فتح الاسلام القاعدي الوهابي” في دائرة الشبهة المؤكدة بعد ما تبين ان السيارة المفخخة كانت بحوزة هذا التنظيم الذي سرقها منذ سنة تقريبا و مع هذا الاكتشاف بدء انهيار الخطة و اعيدت صياغة المشهد بحيث يمكننا القول الان ان :
– ان ما يخطط له لاتهام حزب الله و الدفع نحو اهلية تغرقه في لبنان ، انما هو ساقط على اصله و سيبقى الامن في لبنان تحت السيطرة و لن يكون حرب او فتنة كما بشر بها سفير السعودية في لبنان الذي – رغم انه عاد و سحب تصريحة او نفاه بعد الضجة التي احدثها – الذي قال بان ايام قاتمة تنتظر لبنان سيحرق فيها الاخضر و اليابس و تكوي الصغير و لا ترحم الكبير .. و لكن هذا الحلم الوهابي تبخر الان مع السيطرة القائمة على الساحة من قبل القادرين و في طليعتهم الجيش اللبناني و معه القوى الوطنية الحريصة على الامن و السلم الاهلي .
– ان ما يتوخاه تيار المستقبل الوهابي من استئثار بالسلطة و اقصاء لحزب الله عنها ، امر غير قابل للتحقق لعدة اعتبارات منها ما يعود الى موقف رئيس الجمهورية و معه من يسمي نفسه وسطيا و هم يرفضون هذا المسار كما يبدو ، و منها و هو هام جدا و المتمثل بالقرار المتخذ من قبل 8 اذار و حلفائها التي حضرت لكل تدبير مماثل تدبيرا يجهضه و يعلم الجميع قدرات هذا الفريق على الرد سياسيا ايضا .
– فشل تيار المستقبل في التجييش الدولي ضد حزب الله ، و الفشل الاكير كان في الاخفاق في التجييش المحلي الى الحد الذي كان فيه التشييع هزيلا للغاية جماهيريا و بعد ان كانت ردة الفعل الداخلية على بيان السنيورة التحريضي على الفتنة ردة فعل قاسية اجبر السنيورة في اليوم التالي على التراجع على الاقل لفظيا ، رغم انه في اعماقه مستمر في ما هو مكلف به .
لقد فجروا في وسط بيروت ليفجروا لبنان كما ظنوا و يستولوا على السلطة كما حصل في العام 2005 و لكن خاب ظنهم فلا لبنان قابل للتفجير كما يريدون و لا السلطة التي يحلمون بها ستنقاد اليهم كما يبتغون ، و لن ينقذهم من خيبتهم قذائف اسرائيلية وجهوا اليها دعوة بطاقة تمثلت بصواريخ خمسة اطلقت من الجنوب لتستدعي اسرائيل الى الحرب على لبنان . و بالخلاصة انها خيبة و خسارة اخرى تلحق بالوهابية في سياق عدوانها على محور المقاومة .
:::::
“الثورة”، دمشق