دراسة بقلم د. رفعت سيد أحمد
دراسة فى مستقبل مصر والشرق الأوسط فى ضوء الأحداث الجديد
* نحن أمام نظام إقليمى جديد يتشكل فى 2014 بين سقوط المشروع الأمريكى التقسيمى وصعود المشروع العربى / الإسلامى المقاوم والتوحيدى
* مصر ستشهد صعوداً فى دورها الإقليمى بعد أن تتخلص من مؤامرة (الإخوان والأمريكان) شريطة إنجازها لثلاثية (الدستور – البرلمان – الرئاسة) بإجماع وطنى متوقع
* سوريا ستنهض بعد أن تآمر عليها الخليج والغرب وتركيا وستتخلص من بقايا ” القاعدة ” من أكلة الأكباد الذين أسماهم الإعلام المدجن بـ (الثوار) !!
* إيران ستصبح بعد اتفاقها النووى الناجح قوة إقليمية مؤثرة ستؤثر فى توازن القوى فى المنطقة الذى سيميل لمصلحة المقاومة اللبنانية والفلسطينية والعراقية .. وستتراجع قوة السعودية والخليج بعد أن فشلوا فى دورهم المساند للغرب فى ركوب الثورات العربية وأمركتها!!
***
* ما أن تمكنت إيران من التوصل لاتفاق مبدئى مع الدول الغربية حول ملفها النووى فى 24/11/2013 إلا وبدأ المراقبون فى الحديث عن ملامح نظام إقليمى جديد يتشكل ، وصاحب ذلك تزايد انتصار (الدولة السورية) على الجماعات المسلحة (1500 جماعة وفقاً للأخضر الإبراهيمى) المبعوث الغربى والدولى ، والحلف السباعى الغربى – الغربى الذى يرعاها ويدعمها ، وتراجع الحل العسكرى الذى أرادت تلك المعارضة المسلحة ومن يقف خلفها من دول المنطقة (تحديداً تركيا والسعودية وإسرائيل) أو من الدول الغربية (تحديداً فرنسا – الولايات المتحدة) ، ومع اقتراب الحل السياسى كما أرادته الدولة السورية أو على الأقل ما يتفق ومطالبها الرئيسية فى الحفاظ على وحدة الدولة والجيش والمقاومة .
* مع هذين الحدثين (الملف النووى الإيرانى – الانتصار السورى فى الحرب الإقليمية والدولية المفروضة عليه) ، نلمح بدايات تشكل نظام إقليمى جديد يقوم على تراجع اللاعبين التقليديين (السعودية – إسرائيل) وصعود لاعبين جدد ، يفرضون شروطهم نتيجة الصمود فى المواجهة، ونتيجة التحالف الاستراتيجى الواسع المبنى على خيار المقاومة ، تحالف يمتد من موسكو إلى بكين مروراً بطهران وبغداد وانتهاء ببيروت ودمشق وغزة فى تعافيها المقاوم الجديد ، بعد سقوط حكم الإخوان فى مصر وبروز القاهرة كلاعب إقليمى آخر يقف فى صف المقاومة بعد أن ثبت له أن تيارات (العنف الدينى) المنتشرة الآن فى سيناء والمهددة لأمنها القومى تعد مطلباً أمريكياً خبيثاً لتفكيك الدول العربية وفى مقدمتها مصر وسوريا .
***
* إن النظام الإقليمى الجديد الذى يتشكل ، نجد فيه منظومة دول مجلس التعاون الخليجى وقد بدأت تتصدع داخلياً ، فالثروة النفطية والارتهان السياسى التاريخى للغرب وممالأة المشروع الأمريكى – الإسرائيلى لم تعد تحميها من الثورات أو التصدعات الداخلية القادمة ، ومع انتصار الدولة السورية على من أسماهم الإعلام المزيف المدجن الجاهل بـ(الثوار) وهم مجرد“أكلة الأكباد” المعارضين لهم، وعملاء للمخابرات الخليجية والأمريكية ، وبعد انتصار سوريا ستصعد قوى المقاومة العربية والإسلامية مجدداً ، وستصبح رقماً رئيسياً فى المعادلة الاستراتيجية والسياسية فى المنطقة ، ويأتى (حزب الله) كأحد أبرز تلك القوى ، تليه المقاومة الفلسطينية – بما فيها حماس بعد أن تتبرأ من خيارات التسوية والتبعية للخليج – التى قد تشعل انتفاضة ثالثة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة ، انتفاضة تستفيد من الصعود الإيرانى والسورى المقاوم كظهير داعم للمقاومة وخياراتها .
***
أما مصر ، فإنها ستشهد مرحلة انتقالية صعبة خاصة فى مواجهة جماعات العنف الدينى فى سيناء (61 كم2) ذات الفراغ الاستراتيجى وفى مواجهة بقايا جماعة الإخوان المسلمين والحركات السلفية الرافضة لثورة 30/6/2013 تلك الثورة التى تحالف فيها الجيش مع الشعب لإسقاط حكم الإخوان؛ وفى مواجهة المخطط الأمريكى / الإسرائيلى لإغراق مصر فى الفتن السياسية والطائفية وإشغالها بقضايا الداخل بعيداً عن قضايا أمتها العربية والإسلامية ، ولكن مصر رغم ذلك ، ستشهد بعد أقل من عام من الآن – أى بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية- صعوداً ودوراً إقليمياً جديداً نحسبه سيكون لصالح قضايا المقاومة ورفض المشروع الأمريكى للهيمنة ، وسيكون لصالح الدولة السورية ضد المؤامرة المفروضة عليها (منذ مارس2011) لأنه ثبت يقيناً للقيادات المصرية الجديدة،أن سوريا الدولة تواجه نفس العدو الذى تواجهه مصر اليوم ، وهو جماعات الغلو الدينى ذات التوجه الغربى والمدعومة أمريكياً .
* وفى مقابل الصعود الملحوظ لقوى ودول الممانعة ، ستشهد تركيا المتآمرة منذ البداية على سوريا والعراق الجديد ، تراجعاً فى الدور الإقليمى ، وتفككاً داخلياً وربما صعوداً جديداً للجيش ودوره السياسى بعد إنهاء (ظاهرة أردوجان) التى لعبت دوراً سلبياً فى أغلب بلاد الربيع العربى يصب لصالح المخطط الغربى .
***
إن الإقليم ، إذن ، يتجه ناحية تشكل جديد ، وسيشهد تحولات جديدة مهمة ، سيكون من ملامحها صعود قوى ولاعبين جدد ، وتراجع أو سقوط لاعبين قدامى ، مع تحولات موازية فى المشهد الدولى تؤثر حتماً على مسار المنطقة وملامح وجهها السياسى الجديد الذى لن يمر هذا العقد إلا ويكون قد أخذ شكلاً وجوهراً جديداً .
* ولمزيد من تفصيل لبعض مشاهد هذا التحول فى الإقليم ، نتناول عدداً من المتغيرات الرئيسية التى قد تساهم فى هذه التحولات القادمة،مع ربطها بالأحداث الجارية على الساحتين الإقليمية والدولية،ونمحور تلك المتغيرات فى الآتى :
أولاً : إيران النووية : نحو دور إقليمى جديد معترف به دولياً .
ثانياً : على أبواب جنيف (2) .. سوريا : انكسار المؤمراة رغم فداحة الكلفة .
ثالثاً : تراجع الدور الخليجى – التركى – الإسرائيلى فى المنطقة ودلالاته .
رابعاً : مصر ودورها الجديد فى المرحلة الانتقالية .
وفى تفصيل ما سبق يستبين الآتى :
أولاً : إيران النووية : نحو دور إقليمى جديد معترف به دولياً :
إن توقيع إيران لاتفاقها النووى مع الدول الست الكبرى (نوفمبر 2013) ، ليس مجرد اتفاق سياسى أو اقتصادى بين (دولة) كانت تلك الدول العظمى تسميها بالدولة المعادية وبين دول كبرى كانت تكن عداءاً تاريخياً لإيران ، الأمر فى تقديرنا يتعدى مجرد الإتفاق (العادى) بين الدول المعادية لبعضها البعض ، إلى اتفاق استراتيجى سيغير وجه الإقليم ، ويجعل من إيران دولة إقليمية عظمى ، استطاعت عبر إرادة الصمود والتحدى للحصار الغربى المتنوع (اقتصادى – عسكرى – سياسى) والممتد لأكثر من ثلاثين عاماً ، أن تفرض شروطها فى الحقوق النووية السلمية ، وفى إيجاد الموقع الملائم لها فى الإقليم وقراراته المصيرية . إنه اتفاق فى تقديرنا سيمثل نقطة تحول استراتيجية فى كامل مكونات المشهد الإقليمى ، وسيؤثر فى الأزمات الكبرى الحالية التى تعصف بالإقليم من الأزمة العراقية إلى الأزمة السورية وصولاً إلى فلسطين وقوى المقاومة بها ، لم يكن مفاجئاً ذلك التذمر السعودى ، والإسرائيلى من الاتفاق والهجوم عليه فور توقيعه .
أما بالنسبة للاتفاق ذاته فإن أول إعلام رسمى على بدء تنفيذ الاتفاق التاريخى بين إيران والقوى الدولية ، أعلن فابيوس وزير الخارجية الفرنسى أن تخفيف العقوبات الأوروبية سيبدأ خلل ديسمبر 2013 ، وفى طهران ، حظى الوفد الإيرانى المفاوض فى جنيف باستقبال حافل لدى عودته إلى طهران ، وحيا مئات من الإيرانيين المفاوضين الإيرانيين عند وصولهم وحمل الإيرانيون وروداً وأعلاماً وطنية لدى اصطفافهم فى مطار مهرباد بطهران ، ووصفت صحف إيرانية وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف بأنه “سفير السلام”.
وكشف مصدر إيرانى قريب من الرئيس الإيرانى حسنى روحانى أن للملف النووى الإيرانى والاتفاق فى شأنه مساراً خاصاً به وبالتالى لن يكون مرتبطاً بأى ملف آخر كملف لبنان أو سوريا ، رغم أن ما جرى فى جنيف سيفتح المجال ، ومن دون شك ، للبحث فى ملفات عدة تهم إيران والعالم خصوصاً تلك المتصلة بالأحداث الجارية فى الشرق الأوسط .
* ومن جانبه ، اتصل أوباما برئيس الوزراء الإسرائيلى لطمأنته بالتزام واشنطن بضمان أمن إسرائيل ، وقال إنه معنى بالشروع فى مشاورات مع إسرائيل فى القريب العاجل حول تداعيات الاتفاق والمراحل التالية من المفاوضات مع طهران ، لكن نتنياهو رد إن إسرائيل غير ملزمة بالاتفاقية ولا يمكن أن تسمح لنظام يدعو إلى القضاء على إسرائيل بامتلاك الوسائل لتحقيق هذا الهدف .ودولياً ، رحبت وزيرة الخارجية الإيطالية إيما بونينو بالاتفاق ، معتبرة أنه يفتح نافذة ملائمة علينا أن نحرص على تركها مفتوحة ، ووصفت الوزيرة الاتفاق بأنه ” اتفاق حذر ” . فى المقابل ، أعلن وزير الخارجية الكندى جون بيرد أن بلاده ستبقى على عقوبتها المفروضة على إيران بانتظار اتفاق نهائى بشأن برنامجها النووى .
* وفى لندن دعا وزير الخارجية البريطانى وليام هيج فى كلمة له أمام البرلمان البريطانى ، إسرائيل إلى تجنب القيام بأى تحرك يقوض الاتفاق النووى المؤقت مع إيران ، واعتبرت الجامعة العربية أن تنفيذ الاتفاق سيكون خطوة مهمة على طريق إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل ، والتعامل مع برنامج إسرائيل النووى غير الخاضع للرقابة الدولية . ورحبت الأسواق العالمية بالاتفاق ، حيث صعدت الأسهم فى البورصات الأوروبية والآسيوية كما ارتفع سعر الدولار أمام العملات الأجنبية الأخرى فيما تراجع سعر النفط والذهب بنسب تتراوح بين 1 و2.5% وسط تفاؤل المستأجرين .
***
* وحول تداعيات هذا الاتفاق دولياً كشفت صحيفة “نيويورك تايمز 26/11/2013″ الأمريكية عن تنامى الشقاق بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية عقب الاتفاق النووى الذى توصلت إليه مجموعة ” 5 + 1 ” مع إيران فى جنيف 25/11/2013 ، وذلك فى الوقت الذى دافع فيه الرئيس الأمريكى باراك أوباما عن اتفاق جنيف ، قائلاً إن الاعتماد على القوة أمر سهل ، لكنه لا يضمن أمن أمريكا . وأوضحت ” نيويورك تايمز ” أن العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ومبعوثيه أمضوا أسابيع فى الضغط بدون جدوى للحيلولة دون إبرام الاتفاق النووى المؤقت مع إيران لكن فى نهاية المطاف ، لم يتمكنوا من فعل ذلك نظراً لأن الإدارة الأمريكية كانت ترى المحادثات النووية من منظور مختلف تماماً عما تراه السعودية التى تخشى من أن أى تعاون فى فرض العقوبات المفروضة سيكون لصالح اضطلاع إيران بدور أوسع وأخطر فى الشرق الأوسط ، وأشارت إلى أن واشنطن ظلت تعتمد على الرياض عشرات السنين لضمان ودعم الاستقرار فى المنطقة ، وأضافت أن السعودية استفادت من دورها باعتبارها القوة المهيمنة فى منطقة الدول المصدرة للبترول ” أوبك” للمساعدة فى كبح جماح إيران والعراق . مما ساعد فى ترسيخ وتعزيز النفوذ الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط وما حولها .
* ونوهت الصحيفة إلى أن مصادر النفط الجديدة قللت من أهمية السعودية التى تملك أضخم احتياطات نفطية فى الشرق الأوسط ، كما أن المبادرات الدبلوماسية الأخيرة لإدارة الرئيس الأمريكى حيال سوريا وإيران أثارت حالة من الخوف فى نفوس السعوديين من التخلى عنهم . وذكرت أن السعودية تراقب بانزعاج التطورات الأخيرة فى المنطقة بعد أن بدأت تركيا ، حليفتها فى دعم ثوار سوريا ، ترسل إشارات تصالحية تجاه إيران من بينها الدعوة التى وجهها الرئيس التركى عبد الله جول إلى نظيره الإيرانى للقيام بزيارة رسمية لتركيا .
ومن جانبه قال أوباما فى خطاب ألقاه فى سان قرانسيسكو إن تبنى خطاب قاس قد يكون سهلاً من وجهة نظر سياسية ، ولكن ليس هذا ما ينبغى القيام به من أجل أمن الولايات المتحدة ، وعن إعلان إسرائيل إرسال وفد إلى واشنطن لإجراء محادثات بشأن اتفاق جنيف .. قال الرئيس الأمريكى إنه لا يمكننا أن نغلق الباب أمام الدبلوماسية ، ولا يمكننا استبعاد حلول سلمية لمشاكل العالم ” ، وتحدى أوباما منتقديه قائلاً إن معارضة الاتفاق تخدم الأغراض السياسية ، وأضاف أنه إذا التزمت طهران بالاتفاق فسوف يقضى على سنوات من انعدام الثقة مع الولايات المتحد .
إن محصلة الاتفاق الإيرانى – الغربى فى تقدير الخبراء المتخصصين هى لصالح شرق أوسط جديد تقوى فيه المقاومة خاصة اللبنانية والفلسطينية والعراقية وتتراجع فيه قوى التبعية لواشنطن وفى مقدمتها دول الخليج التى عملت لسنوات طويلة كتابع مطيع لمخططات الغرب، خاصة بعد ثورات الربيع العربى لتحويلها إلى ثورات أمريكية ولكنها فشلت فى دورها .
إن الشرق الأوسط يتغير ويتشكل من جديد ولكن فى غير مصلحة واشنطن وتل أبيب وتابعيهم من دول الخليج !!
* نحن أمام شرق أوسط جديد ، جديد فى قواه وأدواره ، فلقد أرادت واشنطن من بعض ثورات الربيع العربى أن تتحول إلى ثورات أمريكية ، تنفذ أجندة واشنطن وتل أبيب ، تستولى من خلالها على النفط (مثلما جرى فى ليبيا) أو تقيم من خلالها حكماً للإخوان والوهابيين السلفيين لا يقل فى دوره التابع عن حكم مبارك (كما جرى فى مصر) ، لكن ثورة 30/6/2013 أطاحت بكل هذا ، بالإضافة لصمود الدولة السورية فى وجه المؤامرة (الخليجية – الغربية – التركية) ، لقد سقط المشروع ، وبدأ الشرق الأوسط والوطن العربى يتشكل من جديد ، شرق أوسط بروح وملامح جديدة ، أبرزها (الاستقلال) و(المقاومة) ، لقد كان الاتفاق النووى الإيرانى أحد أبرز ملامحه كما بينّا سابقاً ، والآن إلى الملامح الأخرى فى البلدان العربية والشرق أوسطية الفاعلة.
ثانياً: على أبواب جنيف (2) : سوريا وإنكسار المؤامرة رغم الكلفة :
من المحطات المهمة على طريق النظام الإقليمى الجديد (الذى يتشكل) ، تأتى محطة الأزمة السورية بكل أبعادها وتعقيداتها وتطوراتها الجديدة ، والتى تتمثل فى نتيجة أساسية مهمة بعد قرابة الثلاثة أعوام من اندلاع الأزمة ، وهى أن (سوريا – الدولة) تنتصر على المؤامرة الإقليمية والعالمية التى حيكت ليس بسبب استبداد حكمها وغياب ديمقراطيته ، كما يزعمون ولكن بسبب مواقفها المعلومة بجانب المقاومة اللبنانية (حزب الله) والفلسطينية والعراقية ؛ انتصار سوريا سيزداد وضوحاً مع الاقتراب من مؤتمر جنيف 2 والذى من المتوقع انعقاده فى بدايات عام 2014 ، والذى أعلنت أغلب أطراف الأزمة موافقتها على حضوره (سواء النظام أو المعارضة أو حتى العصابات المسلحة ومن يرعاها إقليمياً ودولياً) .
* إن انعقاد هذا المؤتمر وإعلان الدول الكبرى الراعية لما يسمى بالمعارضة السلمية والمسلحة على أنه لا حل للأزمة السورية سوى (الحل السياسى) ، يعنى أن (سوريا – الدولة) بعد أن انتصرت ، صارت رقماً مهماً فى المعادلة السياسية للنظام الإقليمى الجديد فى المنطقة، وسوف تساهم فى صياغة هذا النظام وتحديد إطاره العام وآلياته الرئيسية ؛ إن سوريا الجديدة الخارجة من أزمة دمار هائل تعرض لها الوطن ، ستصبح قادرة على لعب دوراً رئيسياً فى شكل المنطقة الجديد ، وهو ما يخيف تحديداً كل من (السعودية وإسرائيل وتركيا) ، ويدفع هذا الحلف الثلاثى إلى التصعيد ضد سوريا فى اللحظات الأخيرة قبل اكتمال جنيف (2) ، تصعيداً يأخذ أشكالاً من العنف العشوائى ضد المدنيين ومؤسسات الدولة والسفارات ليس فى سوريا فحسب ، بل حتى فى لبنان أقرب حلفائها جغرافياً وسياسياً .
* إن انكسار المؤامرة على سوريا وخروجها منتصرة رغم الكُلفة الكبيرة التى دفعتها (150 ألف شهيد – أكثر من مائة مليار دولار خسائر فى البنية التحتية) سوف يجعل من (سوريا – الدولة)، سواء بقى بشار الأسد فى الحكم أو فضل الاعتزال – وهو الأرجح – مع بقاء بنية النظام والدولة على ذات العقيدة القتالية التى حرسها وقادها الأسد ؛ سوف تكون دولة موحدة ، ذات دور إقليمى مهم ، وذات علاقات متميزة مع كل من مصر والعراق ولبنان وإيران ؛ وذات خصومة أيضاً واضحة مع أغلب مشيخيات الخليج والأردن وتركيا وإسرائيل مع ما سيرتبه هذا الأمر من استحقاقات إقليمية قد تصل إلى حد الحروب أو الاضطرابات الجديدة فى تلك البلدان ، على أية حال نحن أمام دور جديد لسوريا فى الإقليم ، سوف يكون العام 2014 هو بداية اتضاح لملامحه الإقليمية .
ثالثاً: تراجع الدور الخليجى – التركى – الإسرائيلى فى المنطقة :
مما لاشك فيه أن الدور السلبى الذى لعبته بعض دول الخليج فى تهديد استقرار كل من سوريا ومصر وقبلهما ليبيا (من خلال دعم ما يسمى بثورات الربيع العربى) والبحرين (من خلال دعم النظام ضد الحركة الشعبية التى اتهموها بالمذهبية) ، كان لهذا الدور تبعاته المهمة والتى أقلقت أعداء كثيرين لتلك الدول خاصة كل من (قطر والسعودية) وبدرجة أقل (الإمارات العربية المتحدة) ، هذه الدول ستتأثر سلباً سواء من حيث الدور الخارجى أو من حيث الاستقرار الداخلى فيما هو قادم من الأيام ، وإذا ما أضفنا إليها الدور التآمرى واضح المعالم والأدلة الذى قامت به كل من (تركيا) و(إسرائيل) ضد (سوريا) تحديداً ، ومن قبلها ضد مصر بعد إزاحة حكم الإخوان المسلمين الذين كانوا قد تحالفوا استراتيجياً مع حكم طيب أردوجان ، وتحالفوا ضمنياً – وبدون إشهار – مع إسرائيل فى ضمان أمنها مع التعهد بكبح حركات المقاومة الفلسطينية وفى مقدمتها (حماس) وتحويلها إلى النضال السياسى بعيداً عن النضال المسلح ، فضلاً عن التعهد بالحفاظ على اتفاقات كامب ديفيد والعلاقات الدافئة مع مصر . أن هذا الحلف الثلاثى (الخليجى – التركى – الإسرائيلى) سيتعرض دوره للتراجع النسبى مستقبلاً، وليس التراجع الكامل ، كما يذهب البعض ، لأن ثمة تحالفات استراتيجية لم تنته بعد مع الغرب وإن تعرضت لهزات عدة أهمها (الاتفاق النووى مع إيران – انكسار مخطط إسقاط الدولة السورية – سقوط حكم الإخوان المسلمين فى مصر) .
* إن الشرق الأوسط الجديد القادم فى إطاره الإقليمى سوف يشهد هبوطاً ملحوظاً لهذا الحلف الثلاثى ، واهتزازاً وتصدعاً فى بنيته الداخلية ، وتراجعاً فى تأثيره السياسى والاستراتيجى فى المنطقة ، ولن تنفع قوة المال النفطى ولا قوة التآمر المخابراتى لتدارك هذا الفشل الذى سيلازم هذا الحلف لفترة طويلة .
رابعاً: مصر ودورها الجديد فى المرحلة الانتقالية :
* كان لإزاحة الإخوان المسلمين عن حكم مصر فى 30/6/2013 أثره البالغ على المشهد السياسى المصرى العام ، وكان له آثاره على مسار الثورة والدولة ، وعلى مستقبل الدور المصرى فى تشكيل الإقليم الجديد الذى سيؤثر فيه قطعاً الوضع السياسى لمصر ومدى استقراره .
* لقد بات من المؤكد بعد مرور قرابة الستة أشهر على سقوط حكم الإخوان ، أن السبب الرئيسى لهذا السقوط هو الإخوان أنفسهم ، وليس التآمر عليهم من قبل الجيش كما يدعون ، لقد فشل الإخوان ومن التحق بهم من قوى سلفية وهابية ، فشلاً ذريعاً فى إدارة الدولة ، وفى نسج علاقات تحالف مع القوى الوطنية (القومية والليبرالية واليسارية) وظنوا أنهم قادرون بمفردهم على إدارة الثورة والدولة ، وعاشوا ثلاث سنوات بعد ثورة يناير 2011 (منها عام كامل فى الحكم) يمارسون ” الخداع السياسى ” على جميع الشركاء فى الثورة ، ومع اقتراب عام الحكم من نهايته (30/6/2013) كان الإخوان قد فقدوا أغلب ما جمعوه من أرصدة سياسية واجتماعية ، وانفض الناس من حولهم خاصة أولئك الذين انتخبوا د. محمد مرسى ، ولم يكن مفاجئ