الشروط الفضلى لصرف المعونة المالية السعودية للجيش اللبناني
العميد د. أمين محمد حطيط
لا يمكن لمعنيّ بشأن الدفاع عن لبنان إلا وأن يكون شديد الترحيب والارتياح لما أعلنه الرئيس سليمان عن هبة ستقدم للجيش اللبناني عبرها مساعدات عينية من أسلحة وذخائر وتجهيزات بقيمة 3 مليار دولار تدفعها المملكة السعودية ويكون السوق الفرنسي حصرياً مصدر التزويد بها.
لكن ما أحيط بهذه الهبة من ظروف وما خُشي منه من شروط أثار القلق لدرجة تحدّث البعض معها عن شبهات ومخاوف تفسد الهبة وتجهض آمال الحريصين على الجيش اللبناني ومسائل الدفاع عن لبنان. من هنا نجد من المفيد أن نعرض لما يجنب هذه الهبة من شبهات حتى لا نقع في ما لا مصلحة للبنان في وقوعه. ولكن قبل ان نعرض لتلك الضوابط فاننا لا ننكر مطلقا انه ليس في العلاقات الدولية جمعيات خيرية وصدقات لوجه الله بل ان العلاقات قائمة على مبدأ التبادل في المصالح. ومع هذا فان للبنان فرصة اليوم بحيث لا يقدم مقابل هذه الهبة ما يثير الشبهات ويتسبب بخسائر استراتيجية له.
أما الضوابط التي نراها لإبعاد الشبهات فإنها متعددة الأنواع من عسكرية وإدارية وقانونية. والمنطقي أن نبدأ بالمسألة القانونية الإدارية من أجل التأكيد على احترام الأنظمة القانونية والإدارية اللبنانية لجهة قبول الهبات. ولكن وبما أن الهبة لن تكون نقدية فإن الدولة مضطرة قانوناً للبدء بتحديد الأسلحة والتجهيزات التي ستسلم إلى لبنان من السوق الفرنسي ثم تعرض هذه اللائحة على مجلس الوزراء اللبناني لقبولها وفقاً لما تنص عليه التعليمات ولا يستطيع لبنان أن يقبل مبلغ الـ3 مليار كهبة من دون أن يقبض مالاً نقدياً بقيمتها لأن في ذلك مخالفة أكيدة للقانون الإداري والمالي اللبناني ومسّاً بشكل أو بآخر بالسيادة اللبنانية.
لذلك يجب ان تكون الخطوة الأولى لمسيرة قبول الهبة مبتدئة من باب وزارة الدفاع عبر تحديد الاحتياجات ثم توجه إلى فرنسا بيد سعودية للتسعير وفتح الباب أمام الأخذ والرد بين وزارة الدفاع وفرنسا ومعهما السعودية حتى يتم التوصل إلى لائحة نهائية بالأموال العينية التي ستقدم إلى لبنان بقيمة 3 مليار دولار عندها تعرض على مجلس الوزراء لاتخاذ قرار بقبولها وفقا للأصول. أما أي تدبير أو سلوك يتعلق بهذه الهبة قبل هذه الخطوات فإنه يعتبر عملاً سياسياً إعلامياً ليس من أثر قانوني أو مالي أو إداري له.
وبالنسبة لعمل وزارة الدفاع الجيش والمديرية العامة للإدارة ومن أجل المحافظة على الجيش في وطنيته وعقيدته القتالية ومهامّه الأساسية وبما أن السلاح يحدد بالنسبة للمهام أصلاً وأن المهامّ تحدد وفقاً للمخاطر فإن المنطق يفرض أن يقوم الجيش اللبناني بتحديد ما يلزمه وفقاً للمخاطر التي تتهدد لبنان ويأتي في طليعتها خطر «إسرائيل» وانتهاكاتها وخطر الإرهاب واختراقاته ومن غير الخوض في التفاصيل التي يترك شأنها للعسكريين المختصين الذين يتولون المسؤولية اليوم فإننا نرى أن الجيش اللبناني بحاجة إلى:
– منظومة دفاع جوي لوضع حد لانتهاك اسرائيل للسيادة اللبنانية في الجو منظومة تشمل قواعد المراقبة بما فيها الرادارات والصواريخ المضادة للطائرات كما والمضادة للصواريخ. ولا ننصح هنا بالطيران الحربي النفاث لأكثر من اعتبار.
– منظومة دفاع بحري لحماية الشواطئ اللبنانية كما والمنطقة الاقتصادية اللبنانية بخاصة حيث النفط الذي يتعرض للتهديد «الإسرائيلي». وهنا يكون حديث عن قطع بحرية ملائمة ورادارات وصواريخ متطورة تفي بالمطلوب.
– منظومة اتصال حديثة متطورة تسمح للبنان التفلت من مخاطر الحرب الالكترونية التي تتقنها «إسرائيل» ولنتذكر ما تقوم به «إسرائيل» حالياً من أعمال تجسس وقرصنة على شبكات الاتصال اللبنانية.
– منظومة نارية من مدفعية وصواريخ برّ برّ تمكن لبنان من تحقيق التكافؤ أو التوازن في الردع في مواجهة «إسرائيل» لمنعها اولتقييدها فيما تقوم به من عدوان ناري على الأراضي اللبنانية.
– منظومة مضادة للدروع تدرس جزئياتها بعناية بين انتقاء الصواريخ مرد والقذائف الصاروخية الفردية فضلاً عن الدبابات الحديثة المناسبة للميدان اللبناني يكون من شأنها منح الجيش إمكان استيعاب أي هجوم بري مدرع ومنعه من تحقيق أهدافه.
– بنى وقواعد لوجستية ميدانية وإدارية تخدم الأسلحة التي يمكن ان تتوفر للجيش كافة في هذا السياق.
إن توفير ما تقدم يمنح الجيش اللبناني فرصة امتلاك القدرات الدفاعية التي تجعله قادراً على المواجهة الدفاعية المعقولة اذا توفرت له ظروف اخرى تتعلق بالقوى البشرية وظروف التدريب والقرار السياسي الذي يحفظ له عقيدته القتالية وتساعده على القتال بمنطق الحرب في الجيل الثالث المنفتح على الجيل الرابع الذي تلاقيه المقاومة فيه. ولكن هل أن هذا ممكن؟
إننا نتمنى أن يكون هذا امر متاح وممكن لكننا نشك بذلك لا بل نتجه الى القول أن «إسرائيل» لا يمكن أن تقبل بهذا الأمر مطلقاً ولنتذكر ما حل بصفقة الكروتال المضادة للطائرات والتي ألغيت بقرار سياسي في مطلع السبعينات نتيجة ضغوط دولية وفساد إداري ومالي. ولذلك نستبعد أن تكون غاية الهبة جعل الجيش اللبناني جيشا يقاتل «إسرائيل» خصوصاً بعد تطور العلاقة بين السعودية و»إسرائيل» وخروج حميمتها إلى العلن دون أن ننسى الالتزام الفرنسي بالمصلحة «الإسرائيلية» وقد كان الرئيس الفرنسي هولاند واضحاً في طمأنته «إسرائيل» لهذا الأمر وتالياً ترحيب «إسرائيل» بالصفقة لانها ستستعمل في شأن لا يمسّ بها.
أما الخطر الثاني الذي يمكن الحديث عنه ويفرض على الجيش التسلح لمواجهته فهو الارهاب. وهنا يجب ان يكون التسليح والتجهيز مركزاً على أصناف معينة من السلاح والذخائر الملائمة للمهمة بالإضافة إلى ما يخدمها من دعم ومساندة لوجستية واتصالات. فإذا أراد الجيش أن يتحضر ويرتقي بقدراته لمحاربة الإرهاب يكون من المفيد حصوله على الطائرات من حوامات أو من دون طيار وعربات مصفحة خفيفة ومنظومة نارية عالية الدقة مواترة ومنحنية ومنظومة إلكترونية وتقنية للكشف عن المتفجرات وهنا قد نتصور أن «إسرائيل» لا تمانع بامتلاك الجيش اللبناني هذا العتاد والسلاح لكنها قد تخشى أن يستعمل ضدها في لحظة ما خصوصاً إذا نُظّم الجيش وتم تأهيله للقتال وفقاً للجيل الرابع.. وهنا نعود الى نقظة الصفر ونطرح السؤال: هل سيكون توريد السلاح مشروطا بعدم استعماله ضد «إسرائيل»؟
نقول هذا لأننا لن ننسى أن أميركا بعد موقعة العديسة البطولية التي خاضها الجيش اللبناني دفاعاً عن حق لبناني هناك وأدى الى إصابة جندي اسرائيلي قرر الكونغرس الاميركي إجراء تحقيق لمعرفة ما إذا كانت البندقية التي استعملها الجيش هي من الأسلحة الأميركية.
وتبقى فرضية ثالثة لابد من مقاربتها رغم انها مؤلمة لكن المنهجية العلمية تفرض مقاربتها وتتمثل بالقول احتمال ان يُتخذ اسم الجيش اللبناني عنواناً لتوريد السلاح أما وجهته الحقيقية فتكون الجماعات المسلحة في كل من لبنان وسورية ويتكرر هنا ما كان يجري على نطاق ضيق في طرابلس من تسليح لمن اسمي قادة المحاور تسليح عبر أجهزة رسمية لبنانية وتمويلهم عبر موظف رسمي لبناني مع ما يعني خلق بيئة الحرب الأهلية في لبنان.
وفي الخلاصة نقول إن للمواطن حق في معرفة وجهة استعمال المساعدة وعما إذا كان هناك شروط ترافقها احتراماً للشفافية فهل تعلن الدولة ذلك بوضوح قبل ان يقدم مجلس الوزراء على قبول الهبة بالصيغة التي ذكرنا أعلاه؟ اما من غير هذا الإعلان والتحديد كليهما فإن مجال الشك يبقى واسعاً ولنتذكر أن من وضع نفسه موضع التهمة لا يلومنّ من أساء الظنّ به بخاصة إذا ربطنا الأمر بما يحكى عنه من «خطة بندر لضرب حزب الله» التي تبدأ بإخراجه من السلطة سنتفذ مع ما يسمى حكومة الحياديين قريباً ثم استفزازه في الشارع أعلن تيار المستقبل التحضير للبدء بها ثم وضع الجيش والقوى الأمنية الرسمية اللبنانية في مواجهته الميدانية تكون الهبة للتحضير للمواجهة وصولاً إلى إعلانه لبنانياً وعربياً تنظيماً إرهابياً تجب ملاحقته؟!!. وهنا تنقلب سياسة «النأي بالنفس» إلى «نعي النفس» حتماً. لأنّ ما قد يصح خارج لبنان قد لا يصح في لبنان.
ولهذا نتمنى أن تكون المساعدة العسكرية السعودية هي فعلاً لتعزيز قدرات الجيش اللبناني الدفاعية وعندها ستكون للجيش وللبنان عيداً أما من غير ذلك فقد تنقلب حسرة وندماً نرجو أن لا يقع.
- أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية
المصدر: موقع الباحث فيصل جلول
http://faysaljalloul.wordpress.com