كيري…وإنجاز صفقة العار

محمد العبد الله

   يعتقد العديد من المراقبين، المنشغلين بمتابعة حركة وزير الخارجية الأمريكية، الدؤوبة باتجاه منطقتنا العربية طوال الأشهر الستة المنصرمة، بأن كيري والطاقم المكلف معه بمتابعة قضية الصراع العربي/ الصهيوني، قد تفرغوا تماماً لتحقيق إختراق/إنجاز، حقيقي،على هذا الصعيد. للمرة العاشرة، يتحرك الوزير وطاقمه في حركة مكوكية متسارعة بين القدس ورام الله المحتلتين.

إعتادت أجواء منطقتنا على حركة طائرة الوزير، فما تكاد تغيب،حتى تعود مجدداً للهبوط على مدرجات مطار اللد المحتلة. بالتأكيد، لسنا هنا أمام “رحالة / سائح” يكتشف معالم المنطقة الأثرية، بل نحن أمام رجل دولة وضع نصب عينيه ضرورة تحقيق إنجاز للمهمة التي كلف بها _عرفت لاحقاً خطة كيري_، والتي حددت مدتها الإدارة الأمريكية  بتسعة أشهر _ إنقضى منها خمسة أشهر_ لتضع طرفي الصراع أمام مهلة زمنية لتحقيق إتفاق على حل قضايا الصراع المزمن !.

  برنامج الإستقبال الجديد

 

 لم تشذ حكومة العدو كعادتها عن إجراءات التمهيد لاستقبال الوفد الأمريكي. فعطاءات بناء الوحدات السكنية في المستعمرات، لم تتوقف، وحملات الاعتقال زادت وتيرتها، وقطعان المستعمرين، طورت من أشكال إندفاعها _ بحماية القوات العسكرية المحتلة_ داخل باحات المسجد الأقصى، والأراضي المزروعة بأشجار الزيتون. لكن اللافت للنظر، كان الحديث الصاخب، سياسياً وإعلامياً، عن مشروع القانون بضم منطقة غور الأردن لكيان الغزو والاحتلال ، المترافق مع نعيق بوم العنصرية والفاشية، وزير الخارجية “ليبرمان” بضرورة أن تشمل عملية تبادل الأراضي التي تتضمنها خطة كيري، إلحاق منطقة “المثلث ووادي عارة” المحتلتين منذ عام 1948 _أرضاً وسكاناً_ بـ” الدولة الفلسطينية العتيدة”.

    على إثر مصادقة لجنة وزارية مصغرة في حكومة العدو على مشروع القانون القاضي بضم الغور_والذي يحتاج إلى قراءات ثلاث في الكنيست تنقله لحيز التنفيذ في حال جاءت نتائج القراءات بالموافقة_ صرح وزير داخلية حكومة الكيان “جدعون ساعر” (إنه يجب الابقاء على التواجد العسكري “الاسرائيلي” في غور الأردن لأجيال قادمة ولا يمكن القيام بذلك دون وجود التجمعات السكنية اليهودية)،مضيفاً (أنه إذا لم تصر “اسرائيل” على موضوع غور الأردن فستكون دولة دون عمق استراتيجي)،مشيراً إلى (أنه في أي مكان لا توجد فيه تجمعات سكنية “اسرائيلية” لا تتواجد ايضا قوات عسكرية وفي أي مكان لا توجد فيه قوات عسكرية تقع اعتداءات “إرهابية” )، مشدداً على (أن المكان الذي نوجد فيه يعبر عن المعضلة حيال مسألة أين ستمر الحدود الشرقية ل”إسرائيل”، وهل ستمر في نهر الأردن أو، لا قدر الله، قرب نتانيا أو كفار سابا (وهما مدينتان في وسط الكيان)؟.

   تشكل منطقة الغور مايقارب من 30 % من مساحة الضفة الغربية المحتلة، ويمكن اعتبارها “سلة غذاء” لها،لأن نسبة 55% من الأراضي الزراعية المروية في الضفة تقع ضمن أراضي الأغوار الفلسطينية، وأكثر من 60% من إنتاج الخضروات تقدمه هذه المنطقة ، و مايقارب 45 % من الحمضيات  والانتاج الكلي للموز.

كذلك، تعتبر أراضي منطقة الأغوار من أفضل الأراضي الزراعية في الضفة الغربية وتقدر المساحة القابلة للري والزراعة بحوالي 550 ألف دونم تمتد معظمها بمحاذاة مجرى نهر الأردن، لذلك تم إغلاقها بالكامل من قبل سلطات الاحتلال الصهيوني ولم يتبق بيد المزارعين الفلسطينيين سوى الأراضي الزراعية الواقعة داخل المدن والبلدات والقرى وفي محيطها أي داخل ما يسمى بالمنطقة ” أ ” والمنطقة “ب”، وبما لاتزيد مساحته الحالية عن45 ألف دونم.

هاجس الوجود العربي

 

 لم تكن المادة المنشورة في صحيفة “معاريف” الصهيونية  في عددها الصادر في اليوم الأول من العام الحالي، مجرد ” سبق صحفي” حينما أعلنت بأن (الحكومة تسعى لتسليم مناطق من المثلث ذات الاغلبية العربية للسلطة الفلسطينية مقابل احتفاظها بالتجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية).واضافت الصحيفة (أن فكرة نقل هذه المناطق التي يعيش فيها حوالي 300 الف فلسطيني للسلطة الفلسطينية، تأتي في إطار فكرة تبادل الاراضي بين الطرفين، بالإضافة الى الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة العبرية). كما أشارت معاريف الى (أن هذه الامكانية طُرحت في إطار النقاشات التي تجريها “اسرائيل” مع الولايات المتحدة حول فكرة تبادل الاراضي)، وفقاً لما ذكره مصدر مقرّب من المفاوضات لـلصحيفة. ومن جهته، شدد “ليبرمان” أنه (من دون تبادل أراض وسكان لن أدعم أي اتفاق سلام. هذا هو شرطي الأساسي، وقد أوضحت ذلك للأسرة الدولية). مضيفاً (عندما أتحدث عن تبادل أراض وسكان أقصد المثلث ووادي عارة… هذا ليس ترانسفير. لن يطرد أحد أو ينهب، لكن الحدود ستنتقل إلى منطقة أخرى).

    تضم منطقة المثلث ووادي عارة مايقارب من 12% من المواطنين العرب، أصحاب الأرض الأصليين، في المناطق المحتلة منذ عام 1948.وتعتبر مدن “أم الفحم والطيبة وباقة الغربية والطيرة” أهم التجمعات العربية في المنطقة . أما كتل المستعمرات الكبيرة التي يتوقع الغزاة المحتلون بأن تتضم لكيانهم من أراضي الضفة المحتلة فهي ” أريئيل و غوش عتصيون و معالية أدوميم وغفعات زئيف”. على الرغم من التأكيد الوطني والشعبي على رفض فكرة التبادل، وتجريم أي طرف يدعو إليها، وينفذها، فإن محاولات البعض، تقزيم قضية المواجهة والمقاومة والتحرير، بالذهاب لنقاش ينطبق عليه وصف “المضحك/المبكي” لقبول “مبدأ المساواة في القيمة والمساحة”على أنها ” إنتصار وإنجاز  وطني كبير”! تبدو أكثر من “تضليل وإنحراف”.

  قضايا خلافية

 

 جاءت جولة كيري الأخيرة ، لتدفع القضايا الخلافية حول” القدس، اللاجئين، ،المستعمرات ،الأمن، الممر الآمن للتواصل مع غزة…” نحو إيجاد مساحة من المقاربات .ولهذا كانت “المهمة صعبة”  كما وصفها زعيم الديبلوماسية الأمريكية، خاصة في محاولاته المتكررة  لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، من خلال تقديم إقتراحات تستند إلى خطة بيل كلينتون حول “القدس الكبرى”، واللاجئين. في زيارته المكوكية العاشرة، تناولت الأطراف الثلاثة قضيتين هامتين :”حدود 1967، ويهودية الدولة”. في الأولى، برزت الخلافات بين المفاوض الفلسطيني، والصهيوني  الذي يرفض إعتبار حدود 67 أساساً للمفاوضات. كما برز التعارض بين وجهة نظر حكومة العدو، والوفد الأمريكي، الذي يصر على إيرادها في الاتفاق . الأميركيون، يعملون على تضمين الاتفاق بنداً يتحدث عن حدود الـ 67، مع تبادل للأراضي، ويؤكدون على أن «هذا هو الموقف الأميركي الثابت»، وخاصة أنه قد ظهر في كل الوثائق السابقة خلال المفاوضات بين الطرفين خلال السنوات العشرين الماضية، وتحديداً ، ماجاء في خارطة الطريق في أبريل/ نيسان 2003 . كما برز خلاف  بين قوى إئتلاف حكومة العدو، من تلك القضية، وبالتحديد نواب ووزراء” البيت اليهودي”.

  في مسألة يهودية الدولة، يتطابق موقف كيري ونتنياهو، وهو ما زاد من ضغوط الإدارة الأمريكية على الوفد الفلسطيني . الرفض الشعبي الواسع للاعتراف بيهودية الدولة، ينطلق من ثوابت حركة التحرر الوطني،  وهذا ماأكد  عليه عضو وفد المفاوضات “المستقيل” محمد اشتيه ( إن “اسرائيل” تريد من الاعتراف بيهودية الدولة، تسوية ثلاث حسابات مع الفلسطينيين، هي : حساب المستقبل بمنع عودة اللاجئين، وحساب الحاضر بتهجير فلسطيني العام 48 ، وحساب التاريخ بفرض الرواية التوراتية لفلسطين وإلغاء الرواية المسيحية والإسلامية… مؤكداً، أن هذا لن يتم أبداً). أمام هذا الموقف، وصل كيري لبضعة ساعات لكل من عمّان والرياض قبل أن يعود مجدداً للأراضي المحتلة، في محاولة  جديدة للحصول على دعم قادة البلدين، وعلى دورهم  في ممارسة الضغط على الجانب الفلسطيني من أجل تمرير القضايا المستعصية، وعلى تهيئة أجواء لقائه القادم بباريس مع عدد من وزراء الخارجية العرب . رغم ضآلة مارشح عن نتائج الزيارتين، فإن ماتضمنه المقال الافتتاحي لصحيفة ” يديعوت أحرونوت” الصهيونية  في الثامن من الشهر الحالي، بقلم ” ايتان هابر” يضيءعلى الهدف من الزيارتين (التأييد لماذا بالضبط؟ لتربية الاسماك في البحر الميت، على حد قول أحد ما في التلفزيون؟).

 المجد للمقاومة

 

لن تهداً طائرة كيري في الهبوط والإقلاع قبل الوصول لمحطة الوقوف “إتفاق الإطار” الذي يحمل لشعبنا وأمتنا، صفقة كارثية جديدة، ربما تحمل أسوأ مما تضمنه “إتفاق إعلان المبادىء ” أو كما يقول الكاتب” نداف إيال” في ” معاريف 3 / 1 / 2014″ (ليس اتفاقاً وليس اطاراً بل تصريح امريكي أشبه بخريطة طريق جورج بوش الابن).

إنها ملامح مواجهة جديدة مع الغزاة وداعميهم، فهل تنهض قوى شعبنا الحية، للتصدي للمؤامرة؟.