احسان سالم
الأراضي المحتلة
فجأة… دبت الحمية وتأججت المشاعر وهاجت العواطف حُزناً على ما يجري في مخيم اليرموك ، وكان الأمر قد حصل فقط اليوم ، وهذا لا يتناقض مع إظهار التضامن مع التنكيل الحاصل لما بقي وما هاجر من اليرموك ولكن يكمن هنا أهمية الجهة التي تقف وراء محنة اليرموك ، ولماذا الآن توجهه الأنظار بشكل حاقد ومسموم نحو الدولة والنظام وكأنه هو سبب هذه المحنة ؟!!!! وإزاء ذلك لا بُدّ من توضيح الأمور التالية للجميع .
_ ما يجري اليوم في مخيم اليرموك من عمليات حصار وقتل وتجويع هو امتداد واستمرار للسنة الثالثة ، وهو ليس أمراً مفاجئاً بل عايشناهُ جميعاً منذ بداياته ولم نلحظ في حينه أي تباكي على المائة ألف الذين كانوا يقطنون فيه والذين تقلص عددهم اليوم إلى اثنا عشر ألف ، ولم نعلم من وقف وراء عملية تهجير أهالي المخيم منذ البدايات وهي الجهات المستدخلة الغريبة المجرمة فلماذا سكت البعض طوال هذه المدة وانتفضوا اليوم حزناً وبكاءاً ؟؟!! برغم أن التعاطف والتلاحم مع أهلنا في مخيم اليرموك أمر مشروع ووطني طالما أنهُ بعيد عن الاستثمار السياسي .
_ الجميع يعلم بأن الدولة السورية منذ بداية المؤامرة الوهابية الصهيونية طلبت من جميع من في هذا المخيم أن ينئوا بأنفسهم عن الأحداث ، ولم تطلب من أحد أن يُقاتل معها هؤلاء المجرمين والقتلة الذين حاولوا منذ البدايات جر المخيم إلى أُتون إشتباك يبدأ ولا يتنهي .
_ منذ بداية الأحداث نعلم جميعاً كيف حاول هؤلاء المُستدخلين الأغراب دخول المخيم من الحجر الأسود والمناطق المحيطة به مُستغلين استشهاد بعض الفلسطينيين على أرض الجولان ومُحملين مسؤولية ذلك للنظام ولبعض القيادات الفلسطينية النظيفة حينما حاولوا مثلاً الاعتداء على أحمد جبريل وغيره وكيف حرقوا مؤسسة الخالصة التي كانت تقدم الخدمات المجانية الصحية والتعليمية وغيرها لجميع أهالي المخيم دون تمييز وقد كتبت في حينه حول هذا الموضوع سأنشره الآن مرة أخرى في ذيل هذه المقالة .
_ عندما يأست المجموعات التكفيرية العميلة من جر المخيم إلى أتون الاشتباكات قامت بالتنسيق مع جهات فلسطينية من داخل المخيم ممن استظلوا بالحماية التي وفرتها لهم الدولة والنظام والذين مكنهم هذا النظام الذي يحاربونه اليوم من أن يتسيدوا على الساحة على خلفية اعتقادها بأنهم مقاومة ولكنهم غدروا بالشعب والوطن والقيادة التي منحتهم كل شيء والتي أشهرت سيوفهم حينما غدرت بهم سيوف العرب الذين يتمسحون بهم اليوم ، قام هؤلاء مع بعض ضعاف النفوس من داخل المخيم يفتح ثغرات عديدة في حالك الليل مكنت هذه العصابات المأجورة من دخول واحتلال المخيم ، لكي يكون رأس الحربة بالمعركة تمهيداً حسب مُخططاتهم للنيل من دمشق .
_ وحتى تكون المسألة واضحة دعونا نرجع إلى بداية الأحداث في درعا ، وكيف انطلقت الشعارات الحاقدة ضد الفلسطينيين في مخيم درعا منذ اليوم الأول ، وكيف انتشرت هذه السموم إلى سائر المخيمات في كل أرجاء سورية لاستغلالها ضد النظام وما زالت حتى اليوم الصواريخ والقنابل المُفخخة تستهدف الوجود الفلسطيني ، وبدلاً من أن تلتقط بعض القوى الفلسطينية التي تمنعت طوال هذه السنوات بحرية وكرامة وفرها لها النظام ، لم تتمتع بها في أي أرض أخرى حتى في وطنها ، بدلاً من ذلك حافظت على موقف انتهازي هنا وهناك ، ولم تحاول أن تأخذ موقفاً مبدئياً يُشير إلى هذه المؤامرة والقوى التي تقف ورائها لاستغلال الدماء الفلسطينية النازفة وتهجيرهم من وطنهم سورية مرة أخرى إلى الموت والفاقة وهذا ليس جهاراً أو حياداً بالنفس …
_ الغريب بالأمر أنه لم يستثر تهجير وطرد نصف مليون فلسطيني من الكويت دموع البعض الذي يتباكى اليوم على أبناء شعبه ، بل صمتت صمت القبور ،بل نراهم يحاولون نيل رضى من هجر وطرد شعبهم لم نشهد مثل هذا التباكي المشبوه حينما طرد وقتل واغتصب أبناء شعبنا بالعراق وهم حتى الآن يعيشون مع الأفاعي في صحاري العراق وأمكنة بعيدة تحت الجوع والحرمان ، ولم نسمع منهم أو نشاهد أنذاك ما نشاهده اليوم ، ولم يستثر ذلك بكاء وعويل من يتباكون اليوم على اليرموك رغم فداحة الأمر .
لم نشاهد أيضاً مثل هذا التباكي والعويل الكاذب حينما تم تدمير وتهجير مخيم نهر البارد بمن فيه ونكبتهم ما زالت حتى يومنا هذا ماثلة ، حيث أصبح مرتعاً للقتلة وعصابات المأجورين ومرتزقة المستقبل.
_ لم نشاهد هذه الوطنية المتدثرة بالحقد الأسود إلاّ على سورية وهذا ليس بأمر جديد فسورية دوماً تحت مجهر هؤلاء منذ عشرات السنيين ، منهم لم يتوقفوا عن اتهام سورية بأنها إذا لم تفاوض اليوم فسوف تفاوض غداً ، وانقضى الغد وانقضت عشرات السنيين ولم تفاوض سورية ولم تعترف بالكيان الصهيوني ، وظلت على القائمة السوداء بالنسبة للعديد من القوى الفلسطينية كمتهمة لماذا ؟؟؟ لأنها رفضت السير في ركاب المخططات الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية ، لأنها رفضت اتفاقات كامب ديفيد و اوسلو وما تلاها ، لأنها تبنت المقاومة على نحو جذري وحاسم ، ولأنها وفرت للمقاومة الفلسطينية كل أسباب القوة والمنعة ، ولأنها رفضت أن تنحني مثلما انحنى الآخرون للهيمنة الأمريكية ، لماذا يتدثرون بهذا الحقد الأسود تجاه سورية ؟؟؟ لأنه وبكل بساطة لم يهنأ بالهم باستثمار ما تبقى من عمرهم هانيئي البال بجنات الاتفاقات فهم قد اصطفوا مع كل الأطراف التي اختارت طريق المعاهدات والاعتراف المتبادل لأن ذلك يتساوق مع مواقفهم التفاوضية والاستسلامية المعهودة ، وظلت سورية وموقفها الحازم والرافض للتصفية والاستسلام ينغص عليهم أحلامهم ، لذلك هم يتمنون أن يصحوا ذات يوم ليجدوا كل يمت للمقاومة والثبات قد انتهى وأصبح سراباً حتى لا تتنغص حياتهم مستقبلاً ويستمروا هم بالتستر خلف الاتفاقات واللهاث خلف المفاوضات والدولة المنقوصة رافعين شعاراتهم المعهودة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران والاعتراف المتبادل ولتهدم سورية ويدمر مخيم اليرموك وغيره فهذا الأمر يصب في مصلحة البعض ، إذ ستكون هناك قضية ما يتم التباكي عليها ،
واستثمارها ، وإشغال الشعب بها عما يجري على الأرض والقول أنظر أيها الفلسطيني ماذا فعل بك العرب حتى تعم وتتسيد ثقافة الاستسلام والرضوخ لما هو معروض … هكذا نفهم سبب صمت بعض هذه القوى الفلسطينية وإمساكها بالعصى من المنتصف ، وعدم قدرتها ورغبتها بإعلاء موقف قومي مسؤول .
بالنتيجة نخلص إلى هذه النقاط .
_ هذه الحملة المشبوهة في هذا الوقت بالذات تهدف إلى التغطية على ما يجري في كواليس المفاوضات وإلهاء الشارع وتحويل الأنظار إلى أمكنة بعيدة ، وإطلاق النيران والضخ الفتنوي ضد القيادة السورية تساوقاً مع الحملة التي تقودها أمريكا وبريطانيا وفرنسا أعداء الأمة العربية الاستراتيجيين ومعهم عملائهم ومأجوريهم خاصةً قبل انعقاد مؤتمر جنيف وتعويض الخسائر الجسيمة التي يمنى بها يومياً فريق المؤامرة وفريق التكفيريين قيوح التاريخ المنتنة هم ومأجوريهم وممويلهم ومستجلبيهم .
_ بعد انكشاف وجه بعض القوى الفلسطينية التي اختارت غدر وطعن دمشق في صدرها الذي كان دوماً مفتوحاً لها ، وبعد فشلها بالرهان على هزيمة دمشق للمعركة ، وبعد أن لاحت بشائر النصر وصمود سورية بكل مكوناتها أمام هذه المؤامرة الكونية أصبح أمامهم خيار التباكي على عذابات شعبهم التي تتم بأيديهم المتعانقة مع أيدي القوى العميلة خاصةً بعد أن أيقنوا بهزيمة حلفائهم وأسيادهم ، لذلك كان لا بد من فتح هذه المعركة علها تنجح …؟؟؟
_ الفلسطيني في اليرموك هو سيد نفسه ، وهو في وطنه وليس بالشتات ، وكان لزاماً عليه الدفاع عنه بكل السُبل وفضح كل من تآمر ومازال .
_ هناك فريق فلسطيني ما زال مدفوعاً بالحقد الأسود ضد قامة سورية العالية ، لذلك فهو سيظل بيدقاً ثابتاً بيد القوى المعادية لإثارة المشاعر وإبقاء المناخات الفتنوية مفتوحة في وجه الانتصار السوري الماثل الذي يهدد بقاء هذا الفريق ..!!!!
_ ما يجري بالأراضي المحتلة في هذا الوقت بالذات من بكاء وعويل على مصير اليرموك بعد أن دُمر اليرموك وهُجر ساكنيه إلى أطراف الدنيا الأربعة هو أمر مُصطنع وموقوت وهو يهدف إلى إطلاق السهام المسمومة تجاه سورية وهي تتقدم نحو سحق هذه المؤامرة ضد القوى العميلة والثأرية مما سيغير مستقبل المنطقة .
_ نحن لا ننتقص من ضرورة التلاحم والتضامن مع أبناء شعبنا في اليرموك وفي كل مكان ولكن على قاعدة الاتزام القومي والحقيقة ، وليس على قاعدة الاعلام الأصفر المغمس بالدولار السعودي والقطري المُفخخ ، فمنذ بداية الأحداث في سورية والاعلام هنا يضخ في عناوينه الرئيسية يومياً ما تبثهُ وسائل الاعلام الضالعة بالمؤامرة المُحاكة ضد سورية وبالتالي هي ضد فلسطين ….
_ منذ البداية كان بإمكان الجيش العربي السوري دخول المخيم وسحق هؤلاء القتلة وتنظيفه منهم ولكنه امتنع عن ذلك خشيةً على أرواح المدنيين من أبناء الشعب الفلسطيني المُقيمين فيه والذين كان تعدادهم أنذاك يزيد عن المائة ألف مواطن وبدلاً من أن يُحسب هذا الموقف للجيش أخذت الأصوات المشبوهة تُحمل هذا الجيش المسؤولية .
_ ومنذ ذلك الوقت وبدلاً من أن يصمد أهالي المخيم ويقاتلوا هؤلاء الخونة ويدافعوا عن المخيم الذي هو أرض فلسطينية مثلما هو أرض سورية وهو بالتالي وطنهم ، فضلوا الهجرة إلى المجهول وبدأ فصل جديد من التشرد واللجوء ، وقامت جميع هذه العصابات المأجورة بالمال الوهابي المسموم بالحقن اليومي المترابط مع الهجمة الاعلامية التي ما زالت تضخ الكذب والزيف لاستغلال هذه الفاجعة ضد النظام والجيش وتحميله مسؤولية ذلك ، وهي ما زلات على أشدها رغم نقل الصور الواضحة والفاضحة بكل الفضائيات والتي تُشير إلى الجهة التي تُطلق النار وتمنع وصول الإمدادات .
_ الجيش العربي السوري متمركز في مدخل المخيم الشمالي المؤدي إلى دمشق لمنع هذه العصابات من التمرد والانتشار حسب مخططاتها وليس لسبب آخر وهذا أمر مشروع ، والجميع يعلم ذلك ، وهو من يسمح لكل قوافل الإمدادات الصحية والغذائية بالدخول ولكن من يطلق عليها النار ويمنعها من الوصول هي العصابات المسلحة داخل المخيم لاستغلال هذه القضية حتى آخر نفس .
_ الأمر المؤسف والفاجع هو امتناع العديد من القوى الفلسطينية حتى الآن عن تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية ، وتحديد الجهات المأجورة التي دمرت وقتلت وسرقت وما زالت ظناً منها أنّ المعركة لم تُحسم بعد ، وكموقف انتهازي فضلت بعض هذه القوى أن تصمت وتتعاون مع الأطراف جميعها انتظاراً منها لكي تقف في صف من سيكسب المعركة على حساب دماء وعذابات ومعاناة أبناء شعبهم المتجددة .
_ هناك شهادات حية لا حصر لها لأُسر قام الملثمون داخل المخيم بسرقة ونهب بيوتهم وترويعهم ودفعهم للهجرة واحتلال وحرق منازلهم وهم قالوا بأنهم يعرفون أسماء من تلثم فهم إما أنهم جيراناً أو معارف لهم حينما كانوا سابقاً يتفاخرون بالمقاومة ويُمجدون النظام الذي انقلبوا وتآمروا عليه اليوم .
_ جميعنا يعلم بأن الوضع المعيشي القاتل داخل المخيم قد يدفع بأعداد صغيرة هرباً من الموت والجوع للانخراط في صفوف هذه العصابات ، وهذا ما هدفت إليه هذه العصابات الغادرة حتى تبدو المعركة وكأنها بين الشعب الفلسطيني والجيش السوري والدولة التي أحبطت هذه المؤامرة بصبرها وثباتها على قرارها بعدم دخول المخيم طالما هناك مدنيين فلسطينيين فيه ، وتأجيل المعركة الحاسمة لوقت أنسب لا تسيل فيه دماء فلسطينية من جديد .
أنشر أدناه مرة ثانية المقال الذي كتبته قبل ثلاث سنوات تقريبا ، في بداية دفع مخيم اليرموك للواجهة ليكون رأس الحربة في سعيهم نحو تمزيق سورية وقد فشلوا في ذلك لذلك هم يعيدون اليوم الكرة مرة أخرى ………