المادية التاريخية حاضنة الاقتصاد السياسي
عادل سمارة
بداية، وإجابة لتساؤلات كثيرين: هل يمكن الارتكاز والارتكان إلى الاقتصاد السياسي بعيدا عن أو مفصولاً عن المادية التاريخية؟
بالطبع لا. فالاقتصاد السياسي هو الأداة المباشرة والفاعلة في توضيح معنى المادية التاريخية التي تقوم على قراءة تاريخ البشرية من حيث دور الواقع المادي في تحدي الإنسان وبالتالي دور الإنسان في أو شكل استجابته لِ هذا التحدي الذي هو وجودي.
وهذا ما نقل الإنسان فوراً إلى القيام بعمل ما، وإن بدا بسيطاً إلى درجة تبدو شديدة البساطة.
لكن هذا العمل كدفاع عن الوجود أمام الطبيعة القاسية او العمياء كما كان يُقال، بينما يُقال اليوم “أمنا الطبيعة” بدليل قدرة الإنسان على تعاطٍ افضل معها لأنه كلما سيطر على جانب منها استأنسها أكثر، هذا العمل هو الذي يفسر لنا مسألة هامة في الديالكتيك وهي جدل الزمان والمكان.
فالمكان هو الطبيعة التي تتحدى الإنسان وتحتضنه في آن. والتحدي هو الذي دفع الإنسان للعمل اي القيام بنمط من الشغل في الدفاع عن وجوده وبقائه وبهذا صار الإنسان هو الشق الثاني في جدل الزمان والمكان، اي انه هو اي الإنسان هو الزمان او هو الذي يعطي للزمان معناه ، هو الوجود البشري الفاعل في الطبيعة مما يحقق جدل الزمان والمكان معاً.
هذا الجدل هو المتجسد في نمط العمل، شكل الإنتاج البسيط جدا في البداية لحفاظ الإنسان على وجوده، ونمط العمل هذا في تطوره اوصلنا إلى اكتشاف مسألة هامة هي نمط الإنتاج، اي الطريقة التي يقوم الإنسان فيها بالعمل في الطبيعة، طريقة إخضاعها أو تدجين مستوى منها، ومن ثم شكل علاقات الناس مع بعضهم التي تولدت عن نمط الإنتاج هذا. ففي كل نمط إنتاج هناك:
- مستوى من الإحاطة بجوانب من الطبيعة وجوانبها لا متناهية
- وفيه شكل من علاقات الإنتاج الاجتماعية مختلف وغالباً نقيضاً لشكل العلاقات في نمط آخر سابق عليه أو حتى متعايش معه.
من علاقات الإنتاج الاجتماعية التي هي توليد نمط الإنتاج والذي هو يعيش وينمو في الطبيعة، أي الواقع المادي نكون قد وصلنا إلى رؤية مقبولة لمسألة هامة هي أن التاريخ هو وجود ودور الإنسان في الطبيعة، وصراعه معها ومن ثم في مراحل لاحقة اي بعد تبلور أو التورط في الملكية الخاصة صراع الإنسان مع الإنسان، نكون قد وصلنا إلى معنى المادية التاريخية التي هي سجل صراعات الطبقات الاجتماعية مع بعضها البعض على المصالح المادية وصراعات الأمم على المصالح المادية والتي في جوهرها صراعات طبقية تأخذ شكلا قومياً. يرى البعض ان الصراع ليس شرطا ان يكون طبقياً، بل حتى ينفي وجود الطبقات، ويرى ان الصراع بين النخب والفئات أو على الأقل هما اللتين تقودانه. وهذا أمر فيه نقاش عميق ينقلنا إلى تفاصيل أخرى لاحقاً، لكنه لا ينفي وجود الصراع نفسه.
وقراءة هذا الصراع هو الذي يتم بمبضع حاد وكاشف هو الاقتصاد السياسي. وعليه، فإن ما أُريد قوله أو القيام به في هذه العُجالة هو تجليس الاقتصاد السياسي في حاضنته أي المادية التاريخية.