حصاد الجولة 1 من جنيف 2 ؟… و تداعياتها؟

العميد د. امين محمد حطيط

 

….و انفضت الجولة الاولى من جنيف 2 الذي انعقد في مشهدين، جمع الاول 40 دولة و هيئة سياسية تبارى معظمهم بخطابات شاءت منها اميركا ان تشكل بيئة ضاغطة على سورية الدولة المقاومة لكل ممارسات الاملاء و الالحاق و التبعية التي يمتهنها الغرب بقيادة اميركية و جمع المشهد الثاني وفد الدولة السورية، مع حفنة من الاشخاص جمعوا على عجل من قبل اميركا في هيئة اطلق عليها اسم “ائتلاف سوري معارض “، و وضع بوجه الدولة السورية لينقل لها طلبات و شروط و رغبات اميركا التي انشأت في موازاة قاعة اجتماع الوفدين، غرفة عمليات سوداء ضمت سفراء الدول ال 11 الذين يشكلون “مجموعة اصدقاء اعداء الشعب السوري”.

و الان و قد انفضت هذه الجولة الاولى و عادت الوفود الى مرجعياتها، الوفد السوري الرسمي الى دمشق حيث عرين القيادة الوطنية التي تقود المعركة الدفاعية عن الدولة بكل مكوناتها و وفد ما يسمى “المعارضة” عاد الى مرجعيته الاجنبية ذات المراكز المتعددة من استنبول الى الرياض شرقا الى باريس و لندن و واشنطن غربا و لكن الآمر هنا واحد مهما اختلفت امكنة الاقامة، انه سيدهم الاميركي الذي يخطط لهم و يقودهم و يأمرهم بتنفيذ كل ما يؤذي سورية و ينتهك حقوقها و هم يطيعون صاغرون فهموا الامر ام لم يفهموا.

 و بعد الانفضاض يطرح السؤال : ما هو الحصاد الذي نتج عن هذه الجولة ثم ما هي التداعيات و الافاق المستقبلية خاصة في الايام العشرة التي تفصل المتواجهين عن الجولة الثانية التي حدد الابراهيمي باسم الامين العام للامم المتحدة موعدها في 10 شباط الجاري ؟

قبل الوقوف على حصاد الجولة الاولى، لا بد من التأكيد على ما اردته اميركا من الجولة الاولى و كنا اشرنا اليه سابقا في مواقف و كتابات تحليلية و استقرائية للموقف الاميركي الذي نراه انه كان بمثابة نصب الافخاخ لسورية و الايقاع بها و جعلها طيعة للاميركيين قاصرة عن المواجهة، و من اجل ذلك استبعدت ايران من الدعوة للمؤتمر لتحرم سورية من ظهير و عضد قوي، و كثفت عدد الدول المعادية لسورية فرفعت المدعويين و من غير سبب مبرر او حجة مقنعة من 30 الى 40 دولة حتى بات اعداء سورية في المؤتمر 35 دولة من اصل 40، ثم كانت الادارة الاستفزازية لجلسة الافتتاح في المشهد الاول من المؤتمر، حيث حاول بان كي مون بصفته رئيس الجلسة ان يستفز الوزير وليد المعلم و يضيق عليه ليحرجه و يقطع عليه كلامه، ثم كانت برامج التضليل و التضييق الاعلامي و التسريبات التي من شأنها الاثارة و الدفع نحو ردات الفعل غير المحسوبه.. كان ذلك لكن ماذا كانت النتيجة ؟

بشكل موضوع واقعي و في قراءة لمجريات الاحداث و الوقائع في المشهدين من مونترو الى جنيف، نستطيع القول بان اميركا حصدت خيبة مدوية فوق ما كانت تخشى و تحاذر لا بل فوق ما كانت تتوقع. اذ لم تنفع المكائد التي حاكتها و الالغام التي زرعتها و الحيل التي صنعتها، لم تفلح في احراج الوفد السوري، و لم تدفعه الى التقوقع في موقع دفاعي يشل حركته و يمكن المهاجم من التحكم بالمبارزة و امتلاك المبادرة، لكن العكس هو الذي حصل، حيث استطاع الوفد السوري و بحرفية عالية ان يلتقط في كل مرة كرة النارة التي يرمي بها و هي مشنتعلة فيمسكها بشجاعة ثم يعيدها الى حيث جاءت فتنفجر باصحابها، ممارسات تكررت المرة تلو المرة و اكدت ان زمام المبادرة لم يغادر اليد الرسمية السورية، و هنا انقلب السحر على الساحر و بان هزال الخصم المفترض، و سمو و قوة الوفد العربي السوري و كانت مجريات الجولة في حصادها العام لصالح سورية دولة و شعبا و جيشا و قيادة من حيث تأكيد الثوابت و التمسك بالحقوق و اظهار قوة الحجة و سلامة المنطق و تماسك الموقف.

لقد استطاع وفد سورية ان يحقق اكثر من كسب مغتنما فرصة انعقاد المؤتمر في مشهديه، حيث انه كسر الحصار الاعلامي الذي كان قد تسبب في تضليل الرأي العام العالمي لنيف و ثلاث سنوات، و تمكن من فرض نفسه على العالم و اجباره على الاصغاء اليه سواء في الكلمة الرسمية او المؤتمرات الصحفية التي عقدها اعضاؤه ام في تسريبات الاعلاميين المرافقين، كما انه بحرفيته اثبت ان الحرب لم تنل من بنية الدولة السورية المستمرة على تماسكها و تناغم مؤسساتها، في حرصها على الشعب السوري بكل فئاته و شرائحه مهما كان دينهم و عرقهم و سياستهم، و في المقابل كان لحرفية الوفد من النتائج ما عرى الطرف الاخر و اظهره على حقيقته بانه حفنة من العملاء المرتزقة الذين لا يهمهم الا مصالحهم و لا يكترثون لمصالح الشعب السوري خاصة عندما رفض ” اللاورقة السوريةnon-paper حول المبادئ التي تحفظ السيادة و وحدة الاراضي و ترفض الارهاب و تدعو الى محاربته ” و هذا ما كان له بالغ الاثر على دفع بعض الاطراف الدولية من التحرك من المنطقة الرمادية باتجاه تاييد الموقف السوري الرسمي.

هذه النتائج اذهلت اميركا، التي زاد من قلقها ما واكب مؤتمر جنيف 2 على مدار الايام العشرة من انجازات ميدانية سجلها الجيش العربي السوري و القوات الحليفية من الشمال السوري حيث اعاد مطار حلب الى التشغيل، الى الوسط حيث استكمل تطهير مناطق في محيط القصير و القلمون من الجماعات المسلحة الى سلسلة المصالحات التي جرت في اكثر من حي و بلدة في ريف دمشق، الى الاختراقات و المواجهات الشجاعة في الجنوب و الشرق حيث فك الحصار عن اكثر من موقع عسكري و تغير المشهد الميداني جذريا حوله، كل ذلك اخرج اميركا عن صوابها فانطلقت في ردة فعل عصبية انفعالية شاءت منها ان تكون بمثابة الحرب النفسية التي تتخذها بديلا للحرب الدبلوماسية و السياسية التي اخفقت فيها في سويسرا، و تعويضا عن الخسارة الميدانية التي تلحق بجيشها الخفي المشكل من المجموعات الارهابية العاملة ضد الشعب السوري.

و في سياق ردة الفعل الاميركية تلك، و التي كما قلنا نراها في اصلها ذات بعد نفسي يهدف الى االضغط لوقف الانهيار، نسجل :

– القرار الاميركي المستهجن من قبل العقلاء و القاضي بتسليح كا يسمى “المعارضة السورية المعتدلة”، اذا كيف يستقيم العمل من اجل الحل السلمي مع العمل من اجل تسعير اوار الحرب في الان ذاته.؟ ثم اين هم المعتدلون الذين تدعي اميركا تسليحهم، خاصة بعد ان افتضح امر عملائها في جنيف و ظهروا بانهم لا يمونون على احد من المسلحين على الارض السورية، و بالتالي سيكون السلاح موردا الى من تسميه اميركا نفسها جماعات ارهابية، و هنا كيف تستقيم حربها ضد الارهاب و تسليحها للارهابيين في الان ذات، كما هي ممارستها المتناقضة بين العراق و سورية فتسلح الجيش العراقي لقتال “داعش” و تسلح “داعش” لقتال الجيش العربي السوري ؟!

– العودة الى معزوفة السلاح الكيماوي في سورية مع ادعاء بتأخر سورية عن نقل المواد الكيماوية ذات الصلة الى الساحل و ابداء القلق من هذا التأخير ثم اضافة قلق اميركي اخر لجهة الحديث عن امكانية امتلاك او قدرة سورية على تصنيع الاسلحة الجرثومية. ادعاءات و تخرصات تذكر بالتلفيق الاميركي ضد العراق او ما ادعته مؤخرا ضد سورية ثم جاء من الاميركيين انفسهم من يفضحه و ينسف قواعده باليقين العلمي بعد التحقيق الموضوعي.

– العودة الى التهديد بالحرب و التهويل بها و هي مسألة من المفترض ان تكون قد طويت صفحتها نهائيا اثر الاتفاق حول الاسلحلة الكيماوية الذي كانت روسيا طرفا فيه.

– ادخال اسرائيل في المشهد علانية و على وجهين الاول تهديد حزب الله بحرب مدمرة لا تستثني المدنيين ( للضغط الاضافي على جمهوره) و الاعلان عن حجم المساعدات اللوجستية التي تقدمها للجماعات المسلحة و الارهابية في سورية.

لقد لجأت اميركا الى هذا النمط من السلوك من اجل احداث توازن في المششهد، ثبت انه غير موجود سواء في السياسة او في الدبلوماسية او في الميدان العسكري، و هي تعتقد ان العملية ال تفاوضية في ظل الاختلال لن تحقق لها شيئا مما تريد، لذلك فاننا نشكك بالموقف الاميركي لجهة القبول بالعودة السريعة الى استئناف التقاوض في جولة ثانية في جنيف ما لم يطرأ جديد على المشهد و هذا ما ستسعى اليه اميركا خلال الايام المقبلة عبر ما يلي :

– السعي الى اعادة النظر بوفد ما يسمى المعارضة لجهة توسيعه بضافة مكونات مقبولة ترضى عنها اميركا و اختيار اعضاء جدد يملكون قدرا من مؤهلات التفاوض و يسدون الثغرات التي ظهرت في الوفد الهزيل الحالي لجهة سذاجته و سطحيته و عدم خبرته.

– تسعير القتال في الميدان السوري مع التركيز هذه المرة على جنوبي البلاد من اجل الاستفادة من الحالة الاردنية و الدعم الاسرائيلي، بغية انشاء منطقة نفوذ تضعها بيد ما يسمى المعارضة تمكنها من الادعاء بامتلاك سيطرة ما.

– تسعير الحرب الاعلامية و الحرب النفسية لجهة تحميل الدولة السورية مسؤولية الفشل في عدم احراز اي تقدم في التفاوض من اجل حل سلمي.

و في المقابل نرى ان سورية و حلفاءها سيتخذون من النتائج الايجابية التي تمخضت عنها الجولة الاولى لصالحهم متكأً يحرصون على التمسك به و العمل لتحقيق المزيد مستقبلا، و اذا كان العبث بقرار ما يسمى المعارضة هو في اليد الاميركية، فان المواجهة الميدانية او في الحرب النفسية لن تكون كما اعتقد وفقا لما تشاء اميركا فمن صمد و انتصر في حربه الدفاعية ضدها سابقا مع وجود قوى اهم و اضخم، لن يعجزه الانتصار على الفلول المشتتة المتبقية.

:::::

“الثورة”