د. موفق محادين
رغم ان هذا المصطلح ليس جديدا، الا انه لم يظهر على هذا النحو، كما ظهر منذ السنوات، التي ترافقت مع ما يعرف بالربيع العربي، وما سبقه من قراءات ليهوديين معروفين، هما دانيال بايبس وبرنار لويس، اللذان انطلقا من تشخيص دقيق وصحيح تماما لدولة سايكس بيكو العربية القطرية.
فحسب هذا التحليل، فإن هذه الدولة برسم الانفجار والتشظي، لأنها لم ترتق الى شروط دولة الاندماج المدني القومي المعاصرة، وظلت ناظما مركزيا لمجاميع طائفية وعشائرية لم تتحول الى مجتمعات مدنية حديثة.
وانطلاقا من ذلك، فإن تحطيم هذه الدولة سهل وممكن بتحطيم ركائز هذا الناظم الخارجي وهي: الطبقة الوسطى، والقطاع العام، والجيش والهوية الايديولوجية، الوطنية والقومية، والعقلانية البيروقراطية “كما كرسها ماكس فيبر” وما يرتبط بهذه الركائز من رموز اخرى مثل الرايات والبيارق.
ولو لاحظنا ما تعرضت له هذه الركائز في الفترة التي رافقت “الربيع العربي” لوجدنا ما يلي:
1.تحطيم الطبقة الوسطى وصولا لعودتها الى عناصرها البدائية الأولى “طوائف وعشائر”، وقد جرى كل ذلك استنادا الى البيروقراطية والركود الذي يميز هذه الطبقة وخاصة قوتها الاجتماعية الأساسية “القطاع العام الحكومي”.
ومن الذين تكفلوا بمهمة تحطيم هذه الطبقة وقطاعها الاجتماعي – الاقتصادي “القطاع العام” عبر التخاصية واعادة الهيكلة، كل من نصائح البنك الدولي، وما يعرف بالقاتل الاقتصادي “تنمية قطاعات غير منتجة بالقروض” ومجموعات “المحاسبين” الذين قفزوا خلال العقدين الماضيين الى رئاسة الحكومات في أكثر من بلد، وليس لبنان المثال الوحيد على ذلك..
2.انهاك الجيوش واستنزافها اما بالعدوان المباشر “كما حدث مع العراق” واما عن طريق الجماعات المسلحة، المحلية، وخاصة التكفيرية….
3.تحطيم الهويات الايديولوجية الوطنية أو القومية بالتزامن مع تحطيم قاعدتها الاجتماعية،الطبقة الوسطى، ومع تحطيم ادواتها وقلعتها الأمنية والعسكرية “الجيوش”… ومن ثم استبدال هذه الهويات بالهويات المذهبية والهويات الفرعية. ومن الجهات التي تكفلت بهذه المهمة، الجماعات التكفيرية الطائفية، من جهة، واوساط الانثروبولوجيا الاستشراقية الاستعمارية، من جهة ثانية، وجماعات التمويل الاجنبي العاملة باسم مراكز الدراسات الخاصة وحقوق الانسان من جهة ثالثة ولا سيما دعواتها لنهاية الايـديولوجيا واستــــبدال الاحـــــزاب الايديولوجــــية بالاحــــــزاب “البرامجيــــــة والخدمية”.
4.تحطيم الرموز والتمثلات الاخرى للدولة، واستبدالها اما برموز وتمثلات مذهبية او استعمارية…. وابرز مثال على ذلك ما تعرضت له الرايات والبيارق السياسية للدولة في اكثر من بلد عربي، عاش الاضطرابات الاخيرة.
5.ولعل اخطر مظاهر تحطيـــــم الدولة القطرية وسياقاتهـــــا الاجتماعيـــــــة هــــــــــو تحطيم العقل او قطع تطوره، واستــــبداله بغرائز دامية للكراهية والتعصب والتكفير.
:::::
“العرب اليوم”