د. ليلى نقولا الرحباني
يومًا بعد يوم، يسيطر التفاؤل على المناخ الدولي في ما خصّ الاتفاق بين الدول الست وايران، ولعل ما يحاول أن يظهره الرئيس الايراني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف من انقطاع مع إرث محمود أحمدي نجاد يزيد هذا التفاؤل، ولكنه بات يُشكّل قلقًا لبعض الذين يدورون في الفلك الايراني أو الأصدقاء الذين يعتقدون أن على ايران أن تبقي سقفها المرتفع تجاه اسرائيل والغرب.
وقد يكون العديد من المؤشرات قد أوجبت هذا القلق، منها تشبيه المحللين الغربيين للرئيس روحاني بالرئيس السوفياتي السابق غورباتشوف الذي أدّت البرسترويكا” التي قام بها الى تفكك الاتحاد السوفياتي وانهياره، ثم التصريحات التي يدلي بها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في الخارج، مثل إدانة المحرقة اليهودية، بعد أن كان نجاد قد نفى وجودها سابقًا، ثم المطالبة بخروج جميع المسلحين غير السوريين من سوريا، وقد أشار البعض الى أن هذا يعني حزب الله أيضًا، ثم السابقة التي حصلت في مؤتمر ميونيخ حيث لم يغادر وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون القاعة حين القاء ظريف كلمته، فبادله ظريف الأمر.
وقد يشير بعض هؤلاء القلقين الى مباركة الايرانيين للمشروع الغربي السابق بتوكيل الأتراك على مساحة الساحة العربية والاسلامية السنّية، من خلال تنصيب حكام من “الأخوان المسلمين” على البلدان التي شهدت تغييرات ثورية، ومسارعة الايرانيين الى إطلاق توصيف “الصحوة الاسلامية” على ذلك المشروع. علمًا، أن هذا قد يشير الى أحد أمرين:
أ- أن يكون الايرانيون قد شعروا أن المشروع الغربي بتوكيل “الأخوان” بالسيطرة على المنطقة، هدفه احتواء ايران كقوة صاعدة ومحاصرة نفوذها الاقليمي، وإقامة توازن اقليمي بين دولة شيعية كبيرة ذات نفوذ اقليمي كبير وامبراطورية سنيّة كبرى تنافسها وتحدّ من طموحاتها، فتحسّبوا له، وحاولوا احتوائه بدل تصدّيه، فأشادوا به كصحوة اسلامية في محاولة منهم لإطفاء النار المذهبية السنية الشيعية. لكن ما أن وصل المشروع الى درجة تهديد أمنهم القومي، بمحاولة اسقاط سوريا والمقاومة في لبنان والتهديد بالوصول الى إسقاط النظام الايراني بعد ذلك، حتى تصدّى الايرانيون له بدعم لا محدود للنظام السوري، ومساهمة حزب الله في إسقاط المشروع الإخواني الامبراطوري ميدانيًا في القصير.
ب- أن يكون الايرانيون مباركين للمشروع الغربي الذي يهدف الى ايصال “الأخوان المسلمين” الى الحكم والسيطرة على كامل مساحة العالم العربي وتقليص نفوذ الوهابيين، ما يفتح الباب لتعاون وثيق وتقاسم النفوذ في المنطقة، وحفظ مصالح بعضهما البعض. والإيرانيون، الذين يقيمون علاقات جيدة مع جماعات الأخوان كحماس والغنوشي وغيرهم، راهنوا على الاستفادة من إقصاء الوهابيين لصالح الأخوان في الدول التي يحصل فيها التغيير، علمًا أن علاقاتهم جيدة مع قطر وتركيا بعكس تلك المتوترة مع السعودية، والتي ازدادت توترًا بعد دخول الأميركيين الى المنطقة، واقصاء طالبان عن الحكم في أفغانستان وصدام حسين في العراق مما أتاح للقوى المدعومة ايرانيًا من الوصول الى السلطة في البلدين.
ولعل ما يعزز هذا الاعتقاد لدى البعض، هو وقوف الايرانيين الى جانب النظام الإخواني في مصر، حتى بعد سقوطه، والتدخل في شؤون مصر الداخلية بطريقة مستفزة من خلال إصدار بيانات تعبّر عن “القلق ومراقبة الوضع” المصري.
بكل الأحوال، لا يمكن لمراقب من الخارج، أن يجزم بصحة أي من الأمرين، ولا الجزم بالتوجهات الحقيقية للنظام الايراني الساعي للانفتاح على الغرب، وتبديل صورته الراديكالية السابقة، ولا بمدى التنازلات التي يمكن أن يقدمها في سبيل ذلك، وهل سيضحي ببعض أوراقه القديمة في سبيل ذلك التقارب؟.
الأكيد، أن على بعض مَن ارتضوا لعب دور “ورقة للتفاوض” أن يقلقوا، فالأوراق التي تنتهي صلاحيتها يتم رميها؛ فها هي راديكالية أحمدي نجاد قد أدّت دورها في خدمة النظام، وعندما انتهى عصر الراديكالية، وبدأ عصر الانفتاح، كانت ابتسامة روحاني وكلامه المعتدل الجذاب.
في المحصلة، إن قلق أصدقاء ايران من غورباتشيف ايراني، لا يبدو واقعيًا، فلا يمكن لروحاني ولا لسواه من رؤساء الجمهورية الاسلامية أن يسيطر على توجهات السياسة الايرانية الاستراتيجية، باعتبار أن كل السياسات يبقى لها سقف مضبوط عنوانه سيطرة “الولي الفقيه”، الذي يُعتبر المرجعية الأعلى والضامن للنظام، وضابط لسقف التباينات الداخلية. وهكذا، يبقى الجميع في خدمة المصلحة الايرانية العليا، ومَن يخشى تمرد روحاني على الولي الفقيه، يبدو أنه لا يعرف إيران أبدًا.