تمويل وتموُّل الأنجزة فساد والفساد يقارب الاحتلال

(رداً على تخابثات لبرالي : فاتح عزام)

عادل سمارة، منظمات الانجزة:

 

الجزء الثاني 

(2) آليات ودليل للتقييم الخبرائي والذاتي

ما الذي يأتي في الدرجة الأولى: التقييم أم العمل أو الأداء المسؤول للعمل، مراقبة الذات  وتقييم الذات؟ ربما اخترع الإنسان التقييم لأن هناك خللاً في الأداء. كيف لنا أن نركن إلى خبراء التقييم بأن لا يتعرضوا لمؤثرات ودوافع خاصة ونفعية؟ نحن نعيش في نظام رأس المال الذي يقوم على الاستغلال والغش من جهة والذي يخلق لنفسه وفينا وهم رصانته ودقته ومسؤوليته وشفافيته[1]. يرتكز التقييم على التدقيق، والتدقيق أمر عليه علامات تساؤل كبيرة. فمجرد التدقيق يعني أن هناك شكوكاً في أمانة من يُوفر المعلومة. وإذا كان من وفر المعلومة مشكوك فيه، فلماذا لا يتلاعب مع من سيقوم بالتدقيق[2]؟ وإذا كان المدقق مستقيماً، فمن اين له بوضع يده على المعلومات الدقيقة؟

وبشأن المعلومات والأوراق والقيود، فهذا أمر آخر أكثر تعقيداً. دعنا نقرب المسألة إلى أقرب منزلة عشرية. عملت عام 1993 لأحد عشر شهراً مديراً لمؤسسة إقراض اسمهاCooperation for Development التعاون من أجل التنمية لفروعها الثلاثة في القدس وغزة وعمان. وهي وليدة، كما قيل لي، لمنظمة تعاونية شعبية في بريطانيا هي War and Want. عُرض علي بالإضافة لراتبي ميزانية خاصة للضيافة كمدير، رفضت ذلك على اعتبار أنها مؤسسة تنموية ويجب أن انفق من مرتبي. تبين لي خلال العمل أنها مؤسسة لا علاقة لها بالتنمية وهي مجرد مصرف صغير. ليس هنا مجال الشرح المفصل لكنها لم تكن تعمل كمصرف حيث كانت هناك سياسة شطب القروض المخفقة مما يشجع من يسدد على عدم السداد، وهو ما أدخلني اشتباكا مطولاً لأن ذلك يعود المقترض على السرقة. المهم وجدت أن المؤسسة عملت ست سنوات بدون محاسب. عينت محاسبا من بيت لحم، نسيت اسمه الآن، وبقي في العمل 11 عشر شهراً وهو يدقق الأوراق واستقلت من العمل قبل أن يكمل ذلك! في نقاش مع المسؤول البريطاني عن المؤسسة في لندن وهو خبير اقتصادي تروتسكي: قال لي :

عادل: لا يمكن لأحد أن يشتغل معك!

قلت: وخاصة أنت.

قال: الآن عرفت لماذا تكرهك منظمة التحرير الفلسطينية في تونس.

ترى، لو حاولنا تدقيق أوراق م.ت.ف المالية، ألن تنتهي اسطبلات اوجياس قبلها؟

أعتذر بدوري للسيد الذي طلب تقييم مؤسسته. فالتقييم في هذا البلد قد يكون مثابة حفلة غداء ونوع ما من الكؤوس، اصول العمل والعلاقة مع الغربي لإثبات حضاريتنا، فالمستعمَر لا بد أن يقرع الكأس للاقتراب من كتف المستعمِر، وقد يتم التقييم بإعطاء المقيِّم نسخة من الميزانية بنقاطها أو ارقامها الموجزة والنهائية، وقد لا يقرأها ثم ليكتب تقريراً أو مقالة جميلة كالميزانية.

كما عرفت مؤسسة هذا السيد تلقت أموالاً من الدول الغربية الراسمالية، اي راسمال صافٍ  كمنحة، وعملت كمؤسسة إقراض، اي شركة إقراض تبغي الربح والفائدة بما يوازي فائدة البنوك وربما أعلى. ومن هنا استغرب تفاخر السيد بأن مؤسسته تعتمد على نفسها! فلا أقل من أن تربح طالما هي شركة إقراض؟ ما علاقة هذا النوع من العمل بالتنمية؟

لذا، اقترح على السيد وعلى اية منظمة أنجزة أو اية مؤسسة تشتغل على الناس وبفلوس يُقال أنها مساعدات للشعب الفلسطيني، نقاطاً بل أسئلة ليست كاملة فربما تصلح جزءاً من اساس للتقييم الذاتي:

كيف بدأ التعارف بينك وبين المصدر المالي الأجنبي؟ هل تواصلت أنت معه بمبادرة منك؟ هل قدمك أحد للمصدر؟ هل اتصل  المصدر بك بمبادرة منه؟ هل سألته من الذي رشحك للعلاقة مع المصدر؟  ما هي جنسيته؟ هل هو من دولة معادية للشعب الفلسطيني؟ من دولة صديقة للكيان الصهيوني. من دولة لها تراث استعماري في الوطن العربي؟ من دولة لها تراث استعماري في بلدان المحيط؟ هل هي دولة راسمالية؟

هل تعرفت إلى مصدر/مصادر التمويل  في حفل استقبال،  مثلا في المجلس الثقافي البريطاني، أو يوم استقلال الولايات المتحدة، ؟ في حفلة جهزها اصدقاء؟

هل تعتبر أنظمة الغرب معادية للشعب الفلسطيني والعرب؟  إذا كنت تتمول من حركات سياسية غربية هل تعرف مواقفها من القضية الفلسطينية والعربية؟ هل ناقشتهم في ذلك؟ هل تعلم أن حتى هذه الأحزاب ومنها اليسارية تحصل على التمويل من جزء خاص في ميزلنيات حكوماتها؟

على مدار هذه العلاقة، هل شعرت بتأنيب ضمير في العمل معهم، مثلا في الأحداث البارزة: تدمير العراق، دعم العدوان على غزة؟ إن حصل وشعرت هكذا، كيف تغلبت وتطوعت وتطبعت  مع هذه العلاقة؟

هل مما سهل عليك الأمر أن التطبيع قائم ولا أحد يحاسب أحداً؟

هل تطبعت مع الأمر لأن المجتمع وصل حد اعتبار التموُّل أمراً عادياً؟

هل تعتقد أن الممولين يتغلبون على الإشكالية السياسية والنفسية  عبر ضخ التمويل؟

هل سالت المصدر لماذا يهتم بالأرض المحتلة؟ ها سألته لماذا يدعم الكيان وخاصة إذا كان دعما عسكريا وماليا وسياسيا ودبلوماسياً؟

هل سألت المصدر لماذا اختار فرداً لتنفيذ مشروعه للمساعدات؟ لماذا اختار فرداً وليس قطاعا اجتماعياً أو نقابة بما هي فهي ممثلة جماعياً أفضل من فرد؟

هل اشترط المصدر أن تكون خبير تنمية إذا كان المصدر يطرح نفسه كذلك؟ أو هل اشترط أن تكون حقوقياً إذا كان يدعو لحقوق الإنسان؟ أو هل اشترط أن تكون مناضلا من أجل الديمقراطية إذا كان المصدر داعية ديمقراطية؟ أو هل اشترط أن تكون/ني جندرية لبرالية/ راديكالية إذا كان المصدر داعية لحقوق المرأة؟ أو هل اشترط أن تكون أكاديمياً إذا كان سيمول دائرة جامعية أو منحاً للدراسة في الخارج؟

هل رشح أو فرض الممول عليك شخصا  غربياً ابيض، أو محلياً نصف أبيض؟

هل اشترط المصدر ان تتقن لغة أجنبية لتكون مديراً[3]؟

هل لشغل مؤسستك علاقة بمؤسسات اجنبية غير التي تمولك أخر؟ مثلا المجلس الثقافي البريطاني، الفرنسي؟؟؟ هل عمل أحد اقربائك أو اصدقائك هناك ومن ثم عرفهم بك؟

هل طلبت منهم مساعدات من وراء الطرف الذي يمولك؟ مساعدات من طراز زيارة، رحلة مؤتمر، تذكرة طائرة، منحة لصديق أو صديقه إلى هذه الدولة أو تلك؟

هل لديك ملفاً لكافة المراسلات مع مصدر التمويل؟

وهل لديك مافا بمراسلاتهم؟

هل من شاهد على تلك المراسلات؟

من هذه نعرف مستوى قوتك وحدود شروطهم.

هل كنت تشعر أنهم يحترمونك؟

 

متى حصلت على الدفعة المالية الأولى، كيف كان شعورك؟ وكيف كانت ملامحهم، وكيف تغيرت هذه المشاعر؟

كيف اقنعت نفسك أن هذه الفلوس بريئة وأتت في مكانها الطبيعي، مثلا:

·        إذا كنت عاملا أو نقابياً فلماذا ليست عبر النقابة

·        إذا كانت المساعدة أكاديمية لماذا لم تأت عبر التعليم العالي

·        طبيبا نقابة الأطباء؟

ما هو مقدار ما تلقيت من أموال؟ هل هناك حسابات دقيقة  ومحاسب قانوني؟ إن لم يكن؟

لماذا لم تبدا هكذا؟

كيف بدأ تدفق التمويل إليك؟ شيكات، حزم نقدية بحمل أفراد؟

هل فتحت حساب بنك فوراً؟ ومتى إذن

هل عينت مسؤولا ماليا بصلاحيات؟

كيف كان يتم الصرف؟ بقيود ام لا؟

هل تعتبر بنك غرامين مؤسسة تنموية؟

 هل لديكم نص رسالة ألولايات المتحدة ونص ردكم على تمويل “الإرهاب”؟

هل تعرضتم لرسائل مشابهة سراً؟

هل وقعت على اي منها؟

بدأت كمدير للمؤسسة، كيف اصبحت مديراً، لماذا لم تُغيَّر؟

كيف اخترت الموظفين؟ هل فرض عليك موظفا؟ هل فصلت أحدا؟ هل حصل على حقه؟

من الذي قرر راتبك منذ الشهر الأول؟ وكيف تطور؟

ها أُعطيت مكافآت نفقات مدير؟ وهل شعرت أنها ضرورية؟

ما تعريفك لمؤسسة تنموية؟ وهل هذا ينطبق على مؤسستك؟

هل العلاقات الداخلية بها ديمقراطية؟؟

وهل يسير عملكم  طبقا لخطة؟

 

هل كنتم تزيدون الكلف  لتغطية تخصيص أموال لغير المشروع المقر؟

هل شك بكم الممولون؟ لماذا سكتوا؟ هل ارسلوا مدققين؟

هل أعطيتم قروضاً بمبلغ واتفقتم على دفع اقل منه للمقترض؟

كيف كان التسديد؟ التخلف الإعفاء؟؟؟

هل الرصيد الدوار اصبح رأسمال شركة بنكية؟

كيف حصل هذا؟

هل اصبحتم شركة رأسمالية بلا رأسماليين معلنين؟

ما الفرق بين شركتكم والبنك من حيث:

·        مقدار الفائدة

·        فترة السماح

·        الرهونات؟

هل من فرق بينها وبين الملكية الخاصة؟

حيث تحولتم إلى صندوق إقراض Credit Scheme، هل تقر أنكم خرجتم تماماً من نطاق التنمية

طالما بداية الفلوس ليست منكم، وطالما تعملون بشكل شركة فما داعي الفخر بالنجاح؟ هذه شركة خاصة؟

كون راس المال هبة فهذا شبيه بالمستوطنات البيضاء؟

ما هي أدبياتكم؟ كيف تعدونها وتطبعونها؟

هل طبعتم كراسات عن حياة المدير/ة؟

ما مدى تطابق: خطابكم وأدبياتكم مع  أنشطتكم؟

 

هل تدربت على ان تقيم منظمة غير حكومية؟

هل ارسلت احدا لهذا؟

هل استخدمت المنح والبعثات للتدريب على منظمات انجزة

هل تعملون دورات تدريب

هل لجأتم إلى التدريب والأدبيات بدل المشارع الإنتاجية؟

هل لكم مشاريع إنتاجية جماعية، اي غير شخصية?

هل لكم تعاون مع نظير احتلالي?

هل طلب الممول منكم ذلك؟

هل شاركتم في ندوات، رحلات مؤتمرات مع الاحتلال كما يحصل في النرويج وإسبانيا ؟

يمكننا الزعم بأن هذه الأسئلة هي التي، إذا قرر هذا المدير من الأنجزة أو ذاك الإجابة

عليها، يمكنه الوصول إلى تقييم لوضعه ودوره دون الحاجة للخبراء.


[1] قرأت مؤخراً لأكاديمي عربي بأميركا ينتقد كل شيء ما خلا نفسه، مقالة يصف مجلة الإيكونوميست البريطانية بأنها رصينة! الإيكونوميست قديمة ومعلوماتية ولها مصادرها، ولكنها من أعتى المجلات الرجعية الناطقة والمعلمة لرأس المال والاستغلال، ناهيك أن لغتها تجاه اليسار، حاى اليسار اللربالي هي لغة وقحة.

[2] عندما انهارت شركة إنرون الأميركية قبل قرابة تسع سنوات، تبين أن شركة المحاسبة والتدقيق التي كانت تدقق أوراقها كانت قد رُشيت لتبين أن أسهم  وموجودات الشركة في صعود مستقيم، لا حلزوني فقط، وخلال فترة أقل من أشهر ذابت أسهمها لتهبط قيمة السهم من 85 دولار إلى 2 دولار. وتبين أن صفقة كانت بيم المدراء والمثقِّمين.

[3] هذا السؤال ليس أعوجاً. عام 1995 قال لي شخص كان يسارياً جداً  هو الآن من كبار مدراء مؤسسات التطبيع الشامل: أنا ذاهب إلى الولايات المتحدة لأحاضر في الديمقراطية. قلت له يا صديقي، لكنك لا تتحدث هذه اللغة بأعلى من صباح الخير !!