وثيقة كيري..لعبة تنازلات للبناء عليها!

عبد اللطيف مهنا

تصريحان متقاربان تقريباً لجهة التوقيت، لافتان لجهة توقعات ما توصلت اليه جهود كيري التصفوية للقضية الفلسطينية.

الأول تأكيدات من كيري نقلتها عنه صحيفة “الواشنطن بوست”، تقول بأن لحظه وصول جهوده مبتغاها تقترب من اتيان أُكلها، وإن يوم اعلانه عن هذا الوصول قد دنى.

والثاني ما نسبته صحيفة “هآرتس” لتسبي ليفني رئيسة الوفد الصهيوني في جاري المفاوضات مع الأسلويين الفلسطينيين، التي يشرف عليها الصهيوني الأميركي مارتن انديك، واعتبرته تلميحات منها بأن رئيس السلطة قد قبل بالاعتراف بما يدعى “يهودية الدولة”، ناقلة عنها قولها بأن “الأيام القادمة سوف تكشف العديد من المفاجآت فيما يتعلق بالمفاوضات”..

ما نقل عن كيري وليفني تتساوق معه جملة من التسريبات والبالونات الإختبارية التي مافتئت تطلق من قبل ثلاثي اطراف البازار التصفوي المقام، ولعله الأمر الذي حدا بالبعض لتوقع اعلان كيري عن نضوج طبخته التصفوية في الخامس عشرمن الشهر الذي سيلي شهرنا القادم، أي في المتوافق مع يوم اعلان قيام الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة..

فيما نقلته “الواشنطن بوست” كشف كيري عن جوهر مخلوقه التصفوي المنتظر، وتوافقت مع هذا الذي كشف ما حفلت بها تسريبات المصادر الصهيونية، وقراءات مابين سطور اللعثمات الصادرة عن رام الله، والذي مفاده أن أخر ما رسى عليه مؤشر حراكه التصفوي هو التراجع عن ما كان يصفه ب”اتفاق اطار” يكتنفه الغموض إلى ما يدعوه ب”وثيقة مبادىْ” مجللة بما اكتنفه سابقها، وإن تطبيقها سوف يتم على مراحل، أما مسألة قبولها فتكفى أن تتم “بشكل مبدئي”، مع حق الطرفين المعروضة عليهما ابداء كل طرف منهما التحفظ ازاء ما لا يقبله منها، اما المهم فهو تواصل المفاوضات فيما بعدها، أي بعد انتهاء مدة التسعة اشهر التي كانت قد حددت لانتهائها والتي تنتهي في الشهر الذي يلي القادم. إن هذا يعني أننا ازاء ورقة كيروية غامضة وغير ملزمة، بيد أنها مبدئياً ستكرِّس خيار التفاوض الأوسلوي الكارثي، وفي حال اقرارها سوف تشكِّل، فيما يتعلق بما قد يتبعها تسووياً  مرجعيةً سوف يتم احلالها محل ما يوصف بالشرعية الدولية، أوقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، على كل مالدينا عليها. وهى في مطلق الأحوال، حتى وإن تم التحفظ على بعضها ، أو لم تنفَّذ، بل وحتى لو رفضت، فأنها سوف تسفر عن تنازلات اسلوية جديدة سوف يتم البناء عليها كالعادة والانطلاق منها، تماما كما كان الحال في كل ماكانت قد رست عليه محطات التغريبة التسووية الفلسطينية الأوسلوية من اتفاقات مع العدو …أوسلو الأولى، كامب ديفيد، طابا، خارطة الطريق، انابوليس، مفاوضات حقبة اولمرت، وصولاً إلى ماكانت قد وصفت بالمفاوضات الاستكشافية…

قبل كيري، ومنذ أن تم الجنوح الأوسلوي وتوالي كوارثه المتلاحقة على القضية والنضال الفلسطيني، اسفرت مادعوها بالمسيرة التسووية عن ما باتت فيها شبه مسلمات يُبني عليها وينطلق سائروها منها، من مثل، الإعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب، أي التسليم بضياع 78% من الوطن الفلسطيني، أو المحتل في العام 1948، واعتبار باقيها المحتل في العام  1967 اراض متنازع عليها والانخراط في المساومة عليه، تلى هذا، وفي خضم تهلكة خيار “المفاوضات حياة”، جرى التسليم الأوسلوي بضم ما يعرف بالكتل الإستعمارية الكبرى في الضفة للكيان الصهيوني، أو الموافقة على تقاسم الضفة مع المحتلين، إلى جانب اقرار مبدأ تبادل الآراضي، أي تمكين الصهاينة من التخلُّص من جزء من فلسطينيي المحتل عام 1948. أما وقد وصلت الحال إلى ماهى واصلة الآن اليه، فالتركيز التصفوي الكيروي الراهن هو على الاعتراف ب”يهودية الدولة”، وشطب حق العودة، أي جوهر القضية برمتها، وانهاء الصراع العربي الصهيوني بمجمله. ذلك عبر وثيقة مبادىء حيكت بخبث وبإخراج غامض يضمن للغزاة المغتصبين ماتم التركيز عليه. وهي وإن تم الكلام فيها عن  حدود 1967، فإن تبادل الإراضي ينسخه، لاسيما وأن الصهاينة يصرَّون على وجوب اضافة ” الاعتراف بالمتغيرات الديموغرافية التي طرأت في العقود الأخيرة”، أي تثبيت ما انجزوه في الضفة تهويدياً، وخصوصاً القدس، هذه التي هوَّدت جغرافياً والتخطيط لتهويدها ديموغرافياً جار على قدم وساق. ومن تحصيل الحاصل أن كل ما سينجم عن هذه المسيرة التصفوية إذا ما تكللت جهود كيري بإقرار وثيقته هذه سوف لن يعدو مسخاً يُسمح لذويه أن يطلقوا عليه مسمى دولة، أوحتى امبراطورية إن شاءوا، فالمهم بالنسبة للمحتلين وحليفهم أن جوهر هذا المسخ هو حكماً ذاتياً لأشلاء ممزقة من تجمعات بشرية محاصرة تؤبد الاتفاقات الأمنية احتلالها، لاسيما وأن الصهاينة يصرّون على ما يدعونه “حق المطاردة الساخنة”، واذا ما اضفنا اليه مسألة بقائهم في الأغوار لمدة لاتقل عن عشر سنوات وفقما يطالبون، لاخمس كما يقترح رئيس السلطة، أو “الاستعانة بفريق ثالث” كما يقترح كيري، وربطهم لمسالة انسحابهم منها “بحسن سلوك السلطة” أمنياً، أو ما يعنى اعطائهم لأنفسهم سلفاً ذريعة مواصلة احتلالها، لاسيما وأنهم لم ينفذوا يوماً اتفاقاً واحداًعقدوه مع الأوسلويين، فما الذي يريده المحتلون افضل لهم من مثل هذه الوثيقة ؟؟!!