العميد د. امين محمد حطيط
كانت اميركا – قائدة جبهة العدوان على سورية – تتصور ان ما حبكته في جنيف 2 من مكائد و ما نصبته من افخاخ للايقاع بسورية و محورها – محور المقاومة و الدفاع – سيقود بشكل حتمي الى تحقيق الاهداف التي من اجلها انطلق العدوان على سورية منذ ما يقارب السنوات الثلاث عن احد طريقين :اما تسليم سورية بالمطالب الاميركية و بالتالي استسلامها امام الهجوم العدواني ، او احراج سورية و استفزازها بما يؤدي الى حملها على قطع التفاوض و مغادرة جنيف ما يمكن اميركا من تحميلها مسؤولية الفشل في الوصول الى حل سلمي عبر التفاوض ، و يمكنها من الادعاء بان لا مخرج مع اقفال باب التفاوض الا العودة الى مجلس الامن و فرض حل على سورية تحت الفصل السابع ، و هو الحل الذي شاءته اميركا منذ اكثر من سنتين و اخفقت فيه بعد ان اصطدمت بعقبة الفيتو الروسي الصيني المزدوج .
هكذا تصورت اميركا ان يكون المشهد في جنيف ، و لكنها لم تتصور او لم تشأ ان ترى او تتصور ان الدولة السورية تملك من القدرات الدبلوماسية الرفيعة ما يمكنها من تحويل التحدي و المأزق الى فرصة تستثمرها من اجل جني المكاسب الوطنية بدل الوقوع في الحفر العدوانية و تكبد الخسائر التي يريد الخصم انزالها .
و بهذه القدرات الرفيعة لم تقع سورية في فخ الاحراج الذي اعد بعناية اميركية بالغة منذ اللحظة الاولى لتوجيه الدعوات للمشاركين بجنيف 2 و حتى انتهاء الجولة الثانية منه ، و لم يصدر عن الوفد السوري الا ما يؤكد تمسك سورية بالحل السياسي و الاصرار على البحث عنه عبر التفاوض و القبول بالذهاب الى اقصى الارض في رحلة البحث هذه من اجل وقف سفك الدم السوري ، و قد وصل الوفد في تأكيده على هذا الامر حدا قال فيه انه ” لن ينسحب من المفاوضات الا بعد ان ينسحب الابراهيمي نفسه و يعلن وقفها ” ، و بعد ذلك سيكون ايضا منتظرا للعودة اليها عندما يفتح بابها .
و طبعا و بهذه القدرات معطوفة على واقع المشهد العام و المعادلات الميدانية و الاقليمية و الدولية ، كان منطقيا ان يتمسك الوفد السوري الوطني – وفد الجمهورية العربية السورية – بالثوابت الوطنية و بالحقوق السيادية و بالمصلحة العامة للشعب السوري و دولته القائمة ، و ان يرفض توقيع صك الاستسلام الذي يريد الاميركي الحصول على توقيع عليه حتى يأخذ في غرفة التفاوض ما عجز عن فرضه في ميدان القتال الذي يواجه فيه الجيش العربي السوري و حلفاؤه يواجه الجماعات الارهابية المسلحة التي وفدت في معظمها من الخارج لتحقق لاميركا و الغرب اهدافهم في اسقاط سورية ، تمسكت سورة عبروفدها في جنيف بحقوقها و رفضت الاذعان و الاستسلام ، و اجهضت بذلك حلم اميركا و مكيدتها التي حضرتها لها في جنيف 2 .
و الان و مع اطفاء الاضواء في غرف التفاوض و عودة الوفود الى ديارها على حد قول الاخضر الابراهيمي – مهم جدا استعمال الابراهيمي لهذه العبارة ، التي تعني بوضوح ان وفد الجمهورية يعود الى عاصمته دمشق و وفد الائتلاف المعارض يعود الى اسياده خارجها في عواصم الغرب و الاقليم – بعد انتهاء الجولة الثانية من التفاوض و اعتذار الابراهيمي للشعب السوري عن عجزه عن تحقيق شيء يريح الشعب على حد قوله ، سيكون السؤال الكبير : كيف ستتصرف اميركا حيال اخفاقها في جنيف و فشلها في دفع الوفد العربي السوري للوقوع في واحد من الفخين الذين اعدتهما له ؟ ( و هنا اكرر ما كنت و لا زلت اتمسك بقوله ان من فشل في جنيف هو اميركا ، و لم يكن جنيف 2 بذاته هو الفاشل ، لان سورية كسبت الكثير في هذا المؤتمر بعد ان عرّت الخصوم و فضحت الاعداء بكيدهم و فشلهم ) .
قبل الاجابة على السؤال ، من المفيد ان نؤكد بان ما آل اليه الوضع من تمسك سوري ثابت بالحقوق الوطنية و تعنت اميركي وسعي لتحقيق اهداف العدوان ، وضع الامور امام حائط مسدود ادى رفع الجلسات و تعليق التفاوض انتظارا لمتغير ما يكسر هذا الحائط ، و لاجل ذلك جاهر الاميركي و بوقاحة كلية بانه سيمارس مزيدا من الضغوط على سورية لدفعها للتنازل ، اي انه اعلن اصراره على مواصلة العدوان ، ما يعيد التأكيد على السؤال المتقدم الذكر : كيف ستتصرف اميركا بعد الوصول الى هذه المرحلة اي كيف ستمارس هذه الضغوط ؟
للاجابة على هذا السؤال ، و انطلاقا مما بدا يلوح في الافق من مواقف و تصرفات ، و عطفا على ما يجري في الميدان و على مسرح العلاقات الدولية ، فاننا نرى ان الامور في سورية و اتصالا بالازمة المتعلقة بها ، ستتجه وفقاً للاحتمالات التالية :
3) تسعير العمل العسكري في الميدان : و يكون فيه تركيز اميركي على اعداد عصابات مسلحة اضافية في الخارج و دفعها الى سورية لاحداث خرق ما تعول اميركا عليه في سياق سعيها لما تصفه ” باستعادة التوزان في الميدان” الذي اختل بشكل كبير على حد وصفها لصالح القوات الحكومية . و هنا يبدو ان اميركا اختارت و في ظل متغيرات اقليمية واضحة ، اختارت الجبهة الجنوبية لتكون ميدان الجهد الرئيس لعدوانها انطلاقا من الاراضي الاردنية التي اقامت عليها معسكرات تريب للارهابيين و جهزتهم باشراف و مساهمة و تنفيذ شارك فيه خليجيون و اسرائيليون و اروبيون ، و بات لديها وفقا لما تسرب او سرب من معلومات حوالي 2500 مسلحا مزودين باسلحة حديثة ضد الطائرات و الدروع ، و يمكن ان يرتفع العدد في الاسبوعين المقبلين الى اربعة الاف مسلح ، سيدفع بهم شمالا مع امل الوصول الى مشارف دمشق و الالتقاء مع 5000 مقاتل في الداخل السوري جاهزين حاليا للعمل معهم في عملية عسكرية منسقة بقيادة غربية تقود كما تتصور اميركا الى احداث ضغط كافي على الحكومة في دمشق للتراجع و التنازل .
هذه هي الخطة التي تحاول اميركا تنفيذها و تسربها بشكل او باخر في سياق حرب نفسية اعتمدتها منذ بدء العدوان ، لكن ما هي حظوظ هذه الخطة من النجاح ؟
اننا نعتقد و بشكل موضوعي ان فشل هذه الخطة امر مؤكد لاكثر من اعتبار منها ما هو عسكري ميداني مباشر متصل بجهوزية القوة المدافعة و قدرتها و بكل تأكيد على استيعاب الغزوة و تدميرها ، و منها ما هو سياسي استراتيجي متصل بالارادة السياسية السورية المنيعة ضد اي نوع من انواع الضغوط عليها و منها ما هو شعبي بعد ان ارتفع منسوب الوعي و رفض وجود الجماعات المسلحة الاجنبية .
2) العودة الى مجلس الامن و الامم المتحدة . قد لا تكون هذه المسألة فرضية او احتمال فقط بل باتت حقيقة راهنة مع مواقف صدرت عن الدمى العربية التي تحركها اميركا او الادوات الاروبية التي تعمل على ايقاع الالحان الاميركية .حيث ان مجلس الامن و مع ظهور الاخفاق الاميركي في جنيف منذ الساعات الاولى ، انقلب الى ميدان تتداول فيه مشاريع قرارات تتصل بسورية و رغم انها اتخذت من العنوان الانساني مدخلا لكن الاساس فيها هو ادراج الفصل السابع مرجعا لمشروع القرار الجديد بما يجيز استعمال القوة و اعادة مشهد ليبيا مجددا . لكن هذه المحاولة و كما بات معلوما ستكون ساقطة على اصلها مع التصدي الروسي – الصيني و رفع بطاقة الفيتو الجاهز بوجهها كما و مع اعداد مشروع قرار روسي نقيض يفرغ المساعي العدوانية الغربية من محتواها .
اما على صعيد الامم المتحدة فكما يعلم الجميع فان قراراتها غير ملزمة و هي اقرب الى التمنيات و الترف السياسي و ليس من شأنها ان تغير الواقع او تحدث انقلابا في الميدان .
و بنتيجة القول نرى انه لا جدوى من العمل بهذا الاحتمال و لن يؤدي السير به الى احداث ضغط تعول عليه اميركا لثني سورية عن مواقفها و اجبارها على التنازل .
3) يبقى السلوك المركب من الضغوط المتعدد العناوين و التي يتداخل فيها العسكري مع السياسي مع الاقتصادي مع الحرب النفسية ، و يكون المدخل الى هذا الامر التركيز على مسؤولية الحكومة السورية في فشل المفاوضات و دعوة الشعب السوري و دول العالم كل في نطاقه لممارسة الضغط عليها بما يحرجها اخلاقيا و اقتصاديا و سياسيا .
و قد بدأت اميركا بشكل حثيث بالعمل بهذا الخيار مع الساعات الاولى التي تلت تعليق مفاوضات جنيف 2 . و نحن نرى ان هذا الامر تم اللجوء اليها اكثر من مرة خلال السنوات الثلاث الماضية و لم يؤد الى النتيجة المتوخاة و ان ظروف نجاحه اليوم هي ادنى بكثير مما كانت عليه في السابق و لذلك نراه ايضا مسارا اميركيا محتملا و لكنه فاشل ايضا .
مع هذه الاحتمالات للسلوك العدواني ضد سورية ، و مع قناعتنا بعدم نجاحها في تحقيق المطلوب نرى ان الشهر المقبل سيكون مرحلة حساسة على اكثر من صعيد ستمارس فيه لعبة عض الاصابع الى اقصاها في الميدان و السياسة و الاقتصاد و الاعلام و الحرب النفسية ، و يكون على جبهة الدفاع عن سورية ان تكون خلالها و في كل العناوين التي ذكرت في اتم جهوزيتها خاصة و ان العدوان الان دخل في مرحلته الاخيرة و ان تراكم الانجازات السورية على اكثر من صعيد يوفر فرص اعلى للنجاح في الحرب الدفاعية القائمة .
:::::
“الثورة”