مصر امتطاء الانتفاضة الشعبية أم الحماية الشعبية
هذا العنوان ومضمونه مقصود بهما استفزاز العنصريين من المصريين. والعنصرية هي أخطر انواع التبعية. وقد يبدو هذا الربط بين العنصرية والتبعية بأنه ربط نقيضين. ومن قال ان النقائض منعزلة عن بعضها، هذا مع أن عنصرية مع تخلف وفقر واحتجاز تطور هي ليست نقيض التبعية بل هي استدعاء التبعية استدعاء الاستعمار وحتى استدعاء الصهيونية. لنرى.
هذا القول استفزاز لكل عربي يتغاضى عن وجود عنصرية في مصر، لأنه اساساً يحمل في جيب دماغه عنصرية للقطر الذي يعيش فيه، اي هو قُطري في ثوب قومي مخردق.
لا ثورة في مصر بعد. وفي ارقى أحوالها هي انتفاضة شعبية حملت إلى السلطة خليطاً يذكرني بقول المتنبي في مدح تعددية جيش سيف الدولة تعددا منسجماً أي مع اختلاف الموقف:
خميس بشرق الأرض والغرب زحفه…وفي إذُن الجوزاء منه زمازمُ
تجمع فيه كل لُسنٍ وأمةٍ…فما يفهم الحُدَّاث إلا التراجمُ
(الخميس هو الجيش)
في خليط مصر يقف عمرو موسى وزير خارجية كامب ديفيد، ومُستدعي الناتو لاحتلال ليبيا والذي يلتقي الصهاينة في نابلس مع عميد الكمبرادور الفلسطيني منيب المصري. وفي الخليط حمدين صباحي الذي كاد يتطوع للقتال ضد سوريا، وحينما رجحت كفة سوريا أخذ يغطي موقفه!! وفي الخليط الجنرال السيسي الذي يدعو زوجة السادات لحضور احتفالات 6 أكتوبر بدل ان يستدعي روح الفريق الشاذلي، هذا وكأن الاحتفال هو لتخريج ابنتها! كل هذه الرسائل من كل هؤلاء هي إلى الكيان الصهيوني والولايات المتحدة. هذا رغم أن هناك رسائل في الاتجاه الآخر.
فما معنى إيراد هذا. معنى هذا أن الانتفاضة الشعبية لا تكفي، وقد تكون كالكرة المرتدة. فلكي تُعطي، لا بد للانتفاضة الشعبية أن تتسلح بدور الحماية الشعبية للبلد، الرقابة الشعبية على الجميع، والمحاسبة الشعبية للجميع، ونقد والحذر من كل خطوة ملتبسة.
وإذا كان من معنى لتذكير ونقد والحذر من السيسي وصباحي، فلا معنى للحذر من عمرو موسى، الذي يجب ان يكون إلى جانب مرسي، فكليهما دعم “ثورات” الناتو وكليهما غازل بيرس بل ربما مرسي أقل خطراً.
● ● ●
الأردن ككيان قُطري سياسي : غير ضروري بل ضار
من شمال الأردن مرورا بالقنيطرة وحتى الجولان، أرض سورية شهدت ذات زمن تقدم الجيش العراقي للمشاركة في حرب اكتوبر ضد الكيان الصهيوني. أما اليوم فتشهد دخول إرهابيين من الأردن نفسه لحماية الكيان الصهيوني ومحاولة إسقاط دمشق.
أين موقع الأردن في هذا؟ هل انتقل دوره ابعد مما حلم ونستون تشرشل حينما قرر خلق إمارة شرق الأردن بعد اربع سنوات من وعد بلفور حيث خُلق ليكون سوراً شرقيا للكيان الصهيوني؟ اي ليصبح مخزن وممر غُزاة ضد سوريا؟
في الأزمة السورية تحديداً، كما في الأزمة العراقية كان الأردن معسكر تدريب ضد البلدين العربيين ومخزن تسليح. وليس غريباً أن يكون شارك بأكثر من هذا؟
وقد يكون السؤال الحارق هو: كيف يمكننا توصيف دور الأردن اليوم وأرضه مفتوحة لعدوان سعودي امريكي فرنسي إسرائيلي ضد سوريا؟ هل هو قطر عربي؟
نثير هذا السؤال ، رغم أنه إجابته بديهة، وإنما نثيره لكي يفهم المواطن العربي كم هو خطير الطابور السادس الثقافي الذي يخدم العدوان بتنظيرات طائفية ولبرالية وتروتسكية وبالطبع وهابية؟ أليس أوضح من الدور الصهيوني في تقديم الخدمات الأمنية واللوجستية والنارية من اجل سقاط دمشق؟ هل هذه ثورة؟ (انظروا نتنيهو يصافح “ثائر سوري”! على اية حال لقد صافح عرب قادة الصهاينة منذ قرن وحتى اليوم.
أما السؤال اللاحق فهو: ترى هل يحق لسوريا بعد العدوان أن لا تحرر الأردن؟ هل يمكن للعلاقات بين البلدين وحتى على الصعيد العربي المشرقي على الأقل أن تبقى كما كانت قبل الأزمتين العراقية والسورية؟
أليس التطور الطبيعي بعد هذا هو إعادة وحدة الهلال الخصيب كخطوة في المشروع الوحدوي العروبي؟ شئنا أم ابينا، ليس سوى هذا المشروع. هذا ما نقوله ولعل ما يؤكده أن العدو لا يستهدف سوى هذا المشروع ولذا، ينتحر على ابواب دمشق، بل يجب أن يُسحق على حواف درعا.
● ● ●
مصر وتراث بايعناك ووكلناك
بقدر ما نام الحراك المصري بعد انتخاب محمد مرسي مما منح الرجل وتياره فرصة الذهاب بعيداً في مغازلة الكيان الصهيوني، والتخلي عن استفتاء الشعب على كامب ديفيد، وإعلان الحرب على سوريا، وغض الطرف عن مقتل اربعة شيعة علانية في الشارع، والتواصل الحميم مع البيت الأبيض والحفاظ تماماً على الراسمالية الطفيلية والكمبرادورية، وقطرنة مصر نفسها، وصولاً إلى الإعلان الدستوري.
يبدو أن حراك 30 يونية قد نام ايضا عن الخليط، الذي للحقيقة انجز ثلاثة أمور هامة: وقف مد انظمة وقوى الدين السياسي في مصر والوطن العربي تقريباً، وحماية المرأة المصرية من اللباس الأسود الذي الهدف منه تغطية العقل ومبايعة الذكورة، ولم يتورط علانية ضد سوريا. لكن الحراك المصري المنقسم اليوم بين صباحي والسيسي يُنبىء بأنه يهيىء لهما مناخ تورط مرسي وفشله. أغامر بهذا القول لأن هناك شرطين غائبين في موقف الحراك بل الأكثرية الشعبية المصرية:
الشرط الأول: غياب الحماية الشعبية لما تم أنجازه في مصر والحماية الشعبية هي الرقاية الشعبية المتواصلة وليس فقط انتخاب برلمان على النسق الراسمالي الغربي. وفي حديث الرجلين ما يوجب النقد المبكر.
والشرط الثاني: تقديم كل مرشح برنامجاً واضحا مطلوب شعبيا وقومياً وطبقيا وقابلا للتطبيق.
غبير هذا ربما تسقط المحروسة في ورطة بايعناك ووكلناك، فأكلتنا.
● ● ●
“إسرائيل” على حافة الإنجاب
لماذا لا تضرب الإمبريالية الأميركية عدة غربان بحجر واحد؟ سؤال يفرض نفسه فيما يخص الأمر الأساس وفرعياته:
· الأمر الأساس: تخريب سوريا لأطول زمن ممكن وتطويل عمر الكيان وتاريخ نهايته.
· وأمر فرعي: مصير الإرهابيين المعولمين في سوريا.
بدأت القيادة والمفارز الفكرية الإرهابية تحديداً في نظام الولايات المتحدة بالاقتناع أن تقويض الدولة السورية وإسقاط نظامها وقيادتها لم يعودا ممكنين رغم استخدام كل ما يمكن استخدامه من إمكانات الثورة المضادة : الإرهابيين من مختلف قوى الإسلام السياسي، التمويل والتسليح من مختلف أنظمة الدين السياسي، التثقيف والتنظير من الطابور السادس الثقافي (لبراليون، ماركسيون، تروتسكيون ، ناصريون، قوميون، وأعضاء كنيست صهيوني وحتى جندريات النسوية ومشرعنات جهاد النكاح)، وصولاً إلى الداخل مجاميع الهيمنة الثالثة (التي من أهل البلد تقاتل البلد والدولة لصالح هيمنة العدو).
لكن كل هذا الجهد المهدور والفشل الواضح لا يعني قط نهاية العدوان، ولا تغييرا في السياسة الأميركية والأوروبية والتركية والصهيونية والنفطية العربية. فلا بد من مواصلة تدمير سوريا. ولا داع حتى للتذكير بتصريحات كيري في جنيف عن زيادة تسليح الإرهابيين. بل إن عدم صدور تصريحات هو أخطر وابلغ.
لذا، من لا ينطلق من قاعدة ان الغرب الراسمالي والصهيوني والنفطي هم عدو متماسك وعدو بالمطلق، لن يتمكن من رسم آليات التصدي والمقاومة.
وضعت على هذه التغريدة قبل اشهر احتمالات إقامة كيان استيطاني بين سوريا والكيان الصهيوني. وكما يبدو، فإن تطورات الصراع تزيد هذا الاحتمال قوة إذا انطلقنا من إطلاقية العدو، وتوفر إمكاياته. فالثورة المضادة حبلى بأجنَّة متعددة، بل هي كالهيدرا تنبت بدل الراس رؤوساً.
أما وقد اصبح الصراع على المكشوف، فمنذ عامين على الأقل أعلنت “المعارضة” السورية في الخارج أنها تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني وأعلن المسلحون في الداخل عشقهم لأريك شارون، واشتركت متحدثة باسمهم في ندوات مع الصهاينة وجميعهم أكدوا الاعتراف بالكيان. وهذا هو المعلن!! ولم يتوانى الكيان نفسه عن نشر أكثر من شكل علاقة له “بالثورة” السورية ولعل آخرها استقباله 700 جريح.
يفتح هذا الحديث على النقاش الدائر حول مصير المسلحين الأجانب خاصة في سوريا؟ وكما تبين المؤشرات، فإن الدول التي ارسلتهم قد بدأت بتاكيد استحالة عودتهم إليها. وهم معتادون على السيلان والتسرب من موقع لآخر في العالم. هم ظاهرة معولمة بامتياز. يُنقلون ويتنقلون بتسهيلات مخابراتية من أفغانستان إلى مالي إلى سوريا إلى الجزائر إلى مصر إلى اليمن ألى لبنان إلى الأردن ومن الأردن.
لكن تجميعهم في سوريا بعدد يفوق مئة ألف من 83 دولة له دلالة مختلفة. صحيح أن الدول الغربية لن تعيدهم إلى أرضها كما لن تعيدهم عائلة آل سعود. كما أن سوريا هي الهدف المركزي للثورة المضادة، ولذا سيكون من الضروري تطويل بقائهم في سوريا إلى أطول فترة ممكنة حتى يموتوا هناك او يبقون!!!.
مع النجاح التدريجي للجيش السوري ومع محاولات العراق تصفيتهم في المنطقة بين العراق وسوريا، ربما يتم تسييلهم إلى الحدود مع الكيان الصهيوني. هذا ممكن لعدة اسباب:
· الكثير من هؤلاء جلبوا معهم زوجاتهم، وليس الهدف التعفف الجنسي عن نساء أخريات )بالرغبة أو الاغتصاب) بل تحت قناعات بأنهم سوف يحتلون سوريا. وليست مراهنتهم على “الانتصار” من بنات تحليلهم فكثيرون ارتكزوا على قناعة التوابع بأن “الغرب ينتصر دائماً” ومن هؤلاء أنظمة التوابع العرب، والإخوان المسلمين وقيادة حماس، وتركيا…الخ.
· ليست التجربة الأولى للكيان الصهيوني والغرب في إقامة مناطق عازلة سواء في جنوب لبنان أو ما فرضه على العراق بعد عدوان 1991.
· تجميع هؤلاء في كيان حدودي سوف يشكل إرباكا لسوريا لفترة قد تطول وهذا أمر هام في استراتيجيتهم لإعاقة نهوض سوريا وبالتالي مجمل المشروع العروبي، وهذا اساس دور الكيان الصهيوني، فلا باس بكيان هامشي إضافي.
· لعل التشابه بين هؤلاء والكيان كبيراً، ليس فقط كصناعة راسمالية غربية بل كذلك الكثير وخاصة أنهم تجميع من عشرات الأمم كما هو الكيان. وحتى الكيان الذي كان يزعم انه يهودي بحت، طالما استجلب مسيحيين من روسيا الاتحادية، بل إن الصهيونية التي تركت العولمة وتمسكت بالدين اليهودي بطريقتها، وتركت اجنحتها “الاشتراكية” اشتراكيتها واعتنقت الراسمالية المعولمة . أما هؤلاء فعولمة أديان ولا أديان معاً.
· وإذا كان مناخ خلق الكيان الصهيوني قد أُعيق ولو شكليا من بعض الأنظمة العربية، فإن الكيان الجديد المعولم يحظى بتمويل وتسليح وتدريب وتدفق إرهابيين من السعودية وقطر والإمارات والأردن ولبنان وتركيا. فهو وليد بالعديد من الأثداء التي ترضعه.
::::
صفحة الكاتب على الفيس بوك