عبداللطيف مهنا
لازالت حركة جون كيري تتدثر بغموضها المراوغ، وبانتظار أن يخرج الساحر الأميركي المتذاكي ارنبته المنتظرة من قبَّعته، يقف الطرفان المعنيان بها على طرفي نقيض معلن من مسألة نجاح لعبته من عدمه. الصهاينة، اللذين لايرون في راهن الصراع ماهو افضل لهم مما هو قائم، يخشون استحقاقات نجاحه، أو هم لايريدونه إلا بمقدار مايستدره لهم من التنازلات الفلسطينية والعربية فحسب، أي بما لايحول بينهم ومواصلتهم لإنجاز كامل ستراتيجيتهم وتهويد ما تبقى من كامل فلسطين. والأوسلويون لايريدون لمهمة كيري فشلاً يخشون أن يحمِّلهم وحدهم عواقبه، كما ولأنهم، وهذه واحدة من مفارقات عبثية اللامعقول الأوسلوي، تتبدى لهم مهمتة التصفوية خشبة خلاص سلطتهم تحت الآحتلال الوحيدة، ذلك لانعدام ما خلا المفاوضات، ومنطق ”المفاوضات حياة”، خياراً لديهم، وبالتالي، وانسجاماَ مع منطقهم ونهجهم هذا، لامن مفاوضات دونما رعاية العم كيري. وعليه، ينذر كبير المفاوضين الدكتور صائب عريقات في محاضرة له في اكسفورد بأنه “اذا فشلت مفاوضات كيري، فإن السلطة ستنهار وسيضطر نتنياهو للسيطرة على الضفة…”، وكأنما هو هنا يصارح الجميع بأن هذه انما هى الورقة الوحيدة المتبقبة لديه ليرفعها في وجه نتنياهو، أو ليسمعها لكيري، وبمعنى إن في انهيار السلطة يانتنياهو نهاية لاحتلال السبعة نجوم الذي تنعم به، وخسارة للتنسيق الأمني، أوماسيتبعه مما سيأتيك من عمليات المقاومة وما ستواجهه من قادم الإنتفاضات…
هذه النوع من المنطق الأوسلوي كان خير من عبَّر عنه لاحقاً هو الدكتور محمد اشتيِّة، الرجل الثاني إلى جانب الدكتور عريقات في راهن المفاوضات الجارية مع المحتلين تحت الخيمة الأميركية. بيد أن اشتيِّة هنا على مايبدو لايتفق تماماً مع عريقات لجهة التلويح بانهيار السلطة، ذلك لأنه ببساطة واثق من انتفاء هذا الإحتمال طارحاً اسبابه عندما قال، “لا اعتقد انه في مصلحة اسرائيل ان تدفع السلطة للانهيار، ونحن لانريد للسلطة أن تنهار، والمجتمع الدولي الذي استثمر كثيراً في السلطة لايريد لها أن تنهار”. إذن، ووفقما قاله، هذه السلطة يحصِّنها التقاء لثلاث مصالح، هى على التوالي، صهيونية، واوسلوية، واستثمارية غربية، أو من يطلق عليهم ويطلقون على انفسهم “المجتمع الدولي”، أو ماتدعى تحبباً بالدول المانحة، أوالتي لاتعني سوى معهود الدول المعنية باسرائيلها، إلى جانب نافضي اليد من القضيه المركزية للأمة من العرب. لكن اشتيِّة يفتح صندوق عجائبه الأوسلوية فيفاجئنا بأنه أخيراً قد اكتشف مالم يكن بخاف على بسطاء الفلسطينيين والعرب منذ أول يوم بدأت فيه الكارثة الأوسلوية، أودرجت فيه ما تدعى “المسيرة التسووية”، لكنما، وهنا تتبدى لنا قمة الفجيعة الأوسلوية التي ابتلى بها الشعب الفلسطيني، دون يثنيه هذا الذي اكتشفه عن ماهو سادر فيه…مالذي اكتشفه؟!
مما اكتشفه المفاوض شتيِّة أن الأمريكان لايبتغون حلاً للصراع وانما هم بصدد ادارته لصالح اسرائيلهم، وعليه، فإن كل مالدى كيري لايعدو مجرد اتفاق اطار للمفاوضات يتبدى له “وكأنه مرجعية جديدة لعملية تفاوضية طويلة الأمد”! وحيث اكتشف بأن الصهاينة هم من يضغطون على الأميركان وليس العكس، وانهم يريدون “استمرار الوضع القائم”، فهو يستبعد نجاح كيري في “تقديم أية افكار تلبي الحد الأدنى من العدالة للشعب الفلسطيني”، وبالتالي فهو يعتقد “انه لن يكون هناك اتفاق اطار يستطيع الفلسطيني أن يوافق عليه”. ويعدد اشتيِّة المفاوض الخلافات، أو ما لا يسهل التوافق حولها من القضايا التالية. أولها، “يهودية الدولة” الصهيونية، التي تعد على رأس القائمة الكيروية. وثانيهما، القدس، رغم أن رئيس السلطة اختصر الحل بشأنها، ابان استقباله مؤخراً لما ناف عن الثلاثماية من الشباب الصهاينة في المقاطعة، وبسَّطه على الوجه التالي، ” لانريد تقسيم القدس. بلدية اسرائيلية، وبلدية فلسطينية، وجسم ينسِّق فوقهما. معتبراً أن في هذا “بداية التعايش الحقيقي بين الطرفين”! وثالثهما، الأغوار، حيث لايرى نتنياهو في تصريحاته الأخيرة بديلاً عنه فيها ويرفض وجود طرف ثالث وفقما يقترحه كيري،. ورابعهما، عودة اللاجئين، المجمع على رفضها صهيونياً، رغم أن رئيس السلطة ، وفي اللقاء ذاته، أيضاً طمأنهم بأنه “لن نسعى أو نعمل على أن نغرق اسرائيل بالملايين لنغير تركيبتها السكانية، هذا كلام هراء..”، وهو عنده كلام هراء لأن المبادره العربية تقول بحل “متفق عليه”، وهذا المتفق عليه كان مدعاة تساؤله، “و مع من الحل المتفق عليه؟”، ليجيب بنفسه، “بين اسرائيل والفلسطينيين”، ويزيد فيوضح، “أي لااحد يفرض على احد شيئاً، ولااحد يفرض على احد حلاً”!!! ويخلص الدكتور اشتيِّة بتوصيف لحركة كيري وهو أن “كل الذي يقوم به هو عبارة عن بالونات اختبار لأفكار محددة هنا وهناك” … وحيث “يهودية الدولة، ولاقدس، ولاعودة للاجئين الواضح أنه لايقبل بها صهيوني واحد، ولايريد رئيس السلطة ومعه المبادرة العربية فرضها عليه، يتوصل المفاوض اشتيِّة لما كان قد ادركه بسطاء الفلسطينيين والأمة منذ عشرين حولاً وهو عقم مساره الأوسلوي، ذلك عندما يقول، “لقد مضى على المفاوضات من خلاله اكثر من عشرين عاماً ولم يحقق أية نتائج”… إذن، ومالبديل ياهذا؟ سؤال لم ولن يطرحه الأوسلويون على انفسهم ، ولم ولن يجيب عليه سوى الشعب الفلسطيني، ولا من اجابة عليه سوى المقاومة…