أوكرانيا تستقطب نبض العالم

محمود فنون، فلسطين المحتلة

شبه جزيرة القرم لم تكن جزءا من أوكرانيا ولم تكن أوكرانيا على حالها .

فبعد صراع مرير في بداية القرن الثامن عشر بين تركيا ومن ساندها والقيصرية الروسية على شبه الجزيرة حسم  الصراع لصالح روسيا وأصبحت جزءا منها تابعاله.

وبعد ذلك جرت مياه كثيرة في النهر إلى أن قامت الثورة الروسية العظمى والحرب الأهلية والحرب العالمية الأولى والتدخل الأجنبي ثم تشكل الإتحاد السوفييتي وكانت القرم جمهورية حكم ذاتي وظلت كذلك إلى عهد خروتشوف حيث أصبحت جزءا من أوكرانيا وذلك في إطار الإتحاد السوفييتي ثم انفصلت اوكرانيا عن الإتحاد السوفييتي ومعها القرم  ونسبة تزيد على 50% من سكان القرم من اصل روسي .

هذا ليس كل شيء: فالقرم قاعدة حربية وموانيء على البحر الأسود وطريق الروس إلى المياه الدافئة من البحر الأسود وعبر مضيق الدردنيل وبحر مرمرة إلى البسفور والبحر الأبيض المتوسط  وطريق للتصدير والإستيراد والغاز وطريق لمظاهر القوة العسكرية .

إذن مسألة القرم ليست مسألة سهلة وقد كانت فعلا ميدان صراع فيها وحولها عبر القرون الثلاث الماضية وكانت النتائج تعود لصالح روسيا قيصرية كانت أو في عهد الإتحاد السوفييتي وهاهي في عهد روسيا الإتحادية حاليا .

ولكن لماذا الآن ؟

لأن الحراك الدائر في اوكرانيا يستهدف من ضمن ما يستهدف إعادة النظر في علاقة أوكرانيا بروسيا والتوجه لحلف شمال الأطلسي أي إلى الطرف المقابل لروسيا .

ومن هنا يمكن القول أن الحراك في أوكرانيا لا يقتصر على تغيير الحكم كما حصل في بلادنا بل تغيير موقع الدولة ومجمل علاقاتها السياسية والإقتصادية والعسكرية وكل شيء تقريبا .

وما يجري ليس بريئا صافيا بل هو مدعوم وموجه من قبل أطراف حلف الناتو صراحة وعلانية كما أفادت الإخبار من مختلف المصادر .

هنا تكون روسيا في موقف لا تحسد عليه حيث يدار الصراع معها في أوكرانيا من قبل الحلف الغربي في حرب هي ربما تكون أسخن من مجرد حرب باردة وهي على الأقل تؤججها إلى درجات قصوى .

إنه من الصعب جدا على روسيا أن تسلم بالتنازل عن القرم فهذا يتعلق بأمر جوهري يخص مستقبلها ومستقبل علاقاتها على كل الصعد، ولذلك سارع البرلمان الروسي بإعطاء صلاحيات واسعة للرئيس ليتعامل مع هذا الملف الخطير والشائك .

والغرب يرى نفسه قادرا على خنق روسيا من موقع حساس ويحتوي على قواعد عسكرية ونقاط استراتيجية، وأوكرانيا بلد ملاصق لروسيا من الصعب أن يهملها الغرب وربما يضع فيها دروعا صاروخية موجهة ضد روسيا .

كما أن اوكرانيا ممرا للعديد من مركبات الإقتصاد الروسي بترول وغاز وغير ذلك .

هنا تتكثف العلاقات الدولية بمظهر الصراع الدائر بين الغرب الإستعماري وروسيا .بما يجتذب إهتمام البشرية ربما بمستوى أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا في 1963م .الصراع الدائر هو صراع بين الدول الرأسمالية  نفسها في ظل أزمة إقتصادية تفجرت منذ عام 1908 ولا زالت مفاعيلها حتى اليوم دون حلول ، وفي ظل محاولات أولية لكسر وضعية وهيمنة القطب الواحد بزعامة أمريكا  وتشكيل تحالفات مقابلة مثل البريكس .

تبقى الأسئلة : كيف ستدار الأزمة وكيف ستحل ؟وكيف سيؤثر حلها على الوضع القائم في سوريا ؟