ثريا عاصي
الدم ينزف في سوريا. كثيرون هم السوريون الذين نزحوا من منازلهم. اما لأن القنابل هدمتها واما لأنهم أجبروا على الرحيل لإخلاء المكان، الحارة، الحي، تلبية لمتطلبات إمارة إسلامية تريد مراكز لمقراتها ومحاكمها الشرعية وبيت مالها الذي يتولى جمع الجزية لحسابها، مقادير من الذهب، مفروضة على السوريين الأصليين الذين ما يزالون على دين عيسى ! يبدو أيضا أن الإمارة أقامت مخافر «الأمر بالمعروف» حيث يتولج عناصرها منع إظهار الصلبان. يصنع الفقراء صلبانهم من الخشب وليس من الذهب. لقد التبس الأمر على العقول.. يقولون أن هذه هي ثـورة. لا ندري لماذا وقع الخيار على سوريا!..
26 شباط 2014، «مجزرة» أخرى. يقولون أنها حدثت في بلدة العتيبة يقولون أنها جريمة. يقولون أيضا أن العتيبة كانت موقعاً لقوات الدفاع الجوي السوري، ولكن «ثوار» الإمارة الإسلامية استولوا عليها وخرّبوها. ليس من حاجة للدفاع الجوي في زمان الثورة. يقولون أن قتلى العتيبة كانوا يعدون لهجوم او لانسحاب فكمن لهم جنود الجيش العربي السوري، وأخرجوهم نهائيا من ميدان المعركة.
ما يبعث على الأسف هو أن هذه المجزرة ليست الأولى، أضف إلى أن المنطق يقودنا إلى التسليم بأنها لن تكون الأخيرة. هذه بداهة. المفارقة هنا هي أن البعض يتظاهرون، لدى سماعهم بأخبار عن سقوط عدد كبير من القتلى في موقعة من المواقع أو نتيجة لهجوم إرهابي على بلدة تأخر أهلها عن إعلان البيعة للأمير الإسلامي القادم، يتظاهرون بانهم مندهشون، مصدومون !. فيسارعون إلى التعبير عن استنكارهم كما لو كانوا مرهفي الإحساس. يلقون المسؤولية على الحكومة السورية (السلطة) دون تردد، أو على حزب الله، دون النظر إلى المكان والظروف والتوقيت. الإدانة تلقائية جاهزة. قبل إجراء أي تحقيق. كأننا لم نر في السنوات الثلاث الماضية مرات ومرات مشاهد تقشعر لها الأبدان.
ألم نر رجلا يشق صدر قتيل ويخرج منه القلب؟ ألم نر رجلا يعدم رميا بالرصاص على قارعة الطريق، مجموعة من الشباب، أجبروا على الركوع صفا واحدا معصوبي الأعين، مقيدي الأيدي؟ ألم نر رجلا دميما، ملتحيا، يلبس قميصا باكستانيا، يحز عنق رجل آخر؟ ألم نر شيوخا يرمون جثثا في نهر العاصي؟ ماذا جرى في جسر الشغور؟ من قتل الصبي بائع القهوة في مدينة حلب؟ من قتل الصبي السوري ساري في حمص، وأرسل صوره إلى قناة الجزيرة القطرية فبثتها هذه الأخيرة «عن شاهد عيان»، قبل أن تتسلمه الصبي أمهُ، جثة هامدة. كم من الناس قتلوا.. في المنازعة بين جماعات المتمردين…؟! سيكشف التاريخ يوما هوية الذين استخدموا «ذخائر الكيماوي»، لتتخذ منها الإدارة الأميركية والحكومة الإشتراكية الفرنسية ذريعة لضرب سوريا بالصواريخ البعيدة المدى.
من هم الذين قـُتلوا في العتيبة؟ هل هم من سكان هذه البلدة؟ هل هم سوريون؟ من أين جاؤوا؟ ولماذا؟ يحق لنا أن نسأل، نحن الذين نزعم أننا براء من العصبية القبلية وأننا لا نصطف مهما كانت الظروف، وبأي شكل من الأشكال، على أساس طائفي أو مذهبي أو عرقي، وأننا نبحث ونفحص حتى نعرف الحقيقة ونتمكن من الحكم. فمثلما أننا نلعن الإدارة الأميركية كونها تنتهج سياسة إجرامية وحشية ضد الشعوب الفقيرة والضعيفة، ونلعن أيضا المستعمرين الإسرائيليين بوصفهم مستعمرين عنصريين، إغتصبوا فلسطين وشردوا سكانها الأصليين، كان منطقيا وبديهيا أن نشكك في مصداقية ثورة تدعمها الولايات المتحدة الأميركية وأتباعها وحلفاؤها. ليس من حاجة اليوم إلى براهين على زيف وخداع هذه الثورة، وإلى أدلة على ارتهانها للمستعمرين.
أنا على يقين من أن الذين يدينون الثورة المزعومة في سوريا ويقاومونها، يدينون أيضا الذين يرتكبون المجازر ضد المدنيين والذين استخدموا «المواد الكيماوية»، والذين يشجعون على مثل هذه الفعلات، ويوظفونها في المحافل الدولية. أن من يقدم على هذه الأعمال الشنيعة، يجب ان يكون مستوى كراهيته وعداوته ضد سوريا والسوريين قد بلغ أعلى درجات الجنون العنصري والغرائزي.
عندما نقول أنه يوجد في سوريا كذا ألفا من المقاتلين الأجانب، وأن دولا كمثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وتركيا واسرائيل تدعم هؤلاء المقاتلين، فإن ذلك يعني أن حربا ضروساً تدور على أرض سوريا، وأن قوى عظمى تمتلك تقنيات عسكرية متطورة جاءت لتفرض إرادتها على السوريين ولتحقق لنفسها مكاسب على حسابهم.
هل يعقل أن ننظر إلى هذه القوى بوصفها صديقة للسوريين وحريصة على مصالحهم وأرواحهم؟ إذا اتفقنا على أن هذه القوى هي امبريالية وإستعمارية، كانت الإجابة بالنفي. ينبني عليه أن من واجب الحكومة السورية أن تجند السوريين وتقودهم في معركة التصدي للمعتدين الذين اجتازوا الحدود وتغلغلوا في أنحاء البلاد! كيف استطاع المعتدون تحقيق هذا الإختراق، ذلك تقع مسؤوليته على الدولة وأجهزتها الأمنية وحدها! أما الآن، وقد حدث ما حدث، فإن واجب الدفاع عن الأرض والوجود والكرامة، يقع على جميع السوريين دون استثناء فئة أو فريق أو طائفة أو عرق. المعطيات تثبت أن المعركة تتطلب تضحيات كبيرة. من المسؤول؟
ولكن إذا كانت المجازر في سوريا تتكرر منذ ثلاث سنوات، و«الحبل على الجرار»، بحسب سيناريوهات صارت معروفة، فإن تصنع الإنفعال الإنساني هو خداع مظاهر. لأن المجازر في سوريا، هي طبق الأصل عن تلك التي يرتكبها عادة، المستعمرون الإسرائيلييون في حروبهم. أما بخصوص الولايات المتحدة الأميركية فحدث ولا حرج. إن دماء العراقيين لم تجف بعد. وفي السياق نفسه، ما يزال الغموض يلف جوانب كثيرة من فاجعة رواندا والدور الذي لعبته آنذاك الحكومة الإشتراكية الفرنسية. بل أكاد ان أقول فاجعة الإنسانية، قتلا ودمارا وبؤسا، هي نتيجة لتغول النظام الليبرالي. لولا العنصرية الوحشية التي تحفز هذا الأخير لما وقعت فاجعة اليهود في أوروربا، ولما ألقت الولايات المتحدة الأميركية قنبلة ذرية على كل من هيروشيما ونغازاكي ولما اغتصب الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي فلسطين ولما استمر تكرار الفاجعة.
في الختام، بني سوريا.. فمن خُدَعِ السياسة أن تًغروا بألقاب الإمارة وهي رق..