” كمب على كمب يا قمة الأزياء “!

ثريا عاصي

            صراحة لا أعرف كيف أنعت قمة الكويت، ولا أدري إذا كانت الحكومة التركية التي تحارب سوريا، تمثلت فيها . كما أني لم أطلع، ولا يهمنى أن أطلع كـإنسانة تعيش في لبنان وسوريا، على البيان الختامي (ربما الإعلان الختامي على الأصح) الذي صدر عن المؤتمرين وهل تطرق إلى “يهودية” الدولة الإستعمارية في فلسطين أم لا . ولكن أين العروبة في قمة عربية لا يحضرها رئيس مصري أصيل .. ورئيس عراقي فالعراق منكوب، ورئيس سوري فسوريا حرمها أمراء النفط من الحضور في جامعة هي من مؤسسيها، ومن قمة غالبا ما تأخذ قيمتها من الحضور السوري.. ورئيس جزائري، فالجزائر رئيسها مقعد ّ، نعم، الجزائر رئيسها مقعد …

           تناهى إلى علمي أن السيد الجربا القى خطابا امام المؤتمرين في الكويت . والسؤال هو باسم من يتكلم هذا الرجل ؟ هل ما يزال هناك سوريون يتوهمون بأن الجربا، قائد ثوري على رأس الإئتلاف السوري الذي يضم في عضويته السيد اللبواني . يحسن التذكير هنا لعل الذكرى تنفع أن اللبواني يقترح استئجار الإسرائيليين لمساعدة الثورة في جنوب سوريا، فيتخلى لهم عن الجولان، واستئجار الأتراك لنفس الغرض في الشمال مقابل  التنازل لهم، ليس عن لواء الإسكندرون ولكن  عن حلب أيضا .

          لا أعتقد أنه ما يزال يوجد سوريين، يريدون ثورة الجربا وغيره، بعدما شاهدوا ما جرى  في بلادهم . هل يعقل ان السوريين وافقوا، باسم الثورة المزعومة على قتل عشرات الآلاف من  أبنائهم وعلى هدم بلادهم، وعلى أن يـُشرد ثلث السوريين من أجل أن يحكم سوريا أو بعضا منها، جماعة تضم السيدين الجربا واللبواني . هل يعقل أن يكون السوريون قد ثاروا من أجل أن يلبسوا فرضا، القميص الباكستاني وأن يرخوا اللحى ويتزوجوا من النساء ما ملكت أيمانهم ؟!.

          من المرجح أن غاية المعتدين على سوريا في الوقت الحاضر هي منع المهجرين السوريين من العودة إلى بلادهم . بمعنى أن النازحين، في االبلدان المجاورة صاروا رهائن بين يدي حكومات أجنبية كمثل تركيا التي يساعدها أمراء النفط القطريين من أموالهم، وكمثل السعودية في لبنان والأردن . القصد هو إفراغ سوريا من السوريين !

          قلما تجد سوريا تعرف انه كان معارضا قبل انفجار الأزمة، ما يزال بعد حرب الثلاث سنوات، يقيس الأمور في بلاده بمعايير المعارضة والموالاة، فما يهمه هو الحفاظ على سوريا، على وطن لأولاده . لقد اتضح لكل ذي بصيرة من أين يأتي الخطر .

          اليست مهزلة ان نرى ونسمع، أميرا من قطر يلقي دروسا عن كيفية إحلال الديمقراطية وتدعيم الوطنية وخدمة المصلحة العامة في بلاد كمثل سوريا والعراق، وهما رغم جميع الشوائب التي إعترت هيكيلة السلطة فيهما، ركيزتان أساسيتان لدعائم القوة العربية التي تصدت لمشاريع الهيمنة الأمبريالية على المنطقة العربية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي . ثم إنهما بكل المقاييس عرفا أشكالا عديدة من النشاط السياسي والحزبي، والبرلماني . بينما لا تعرف تلك المشيخات سوى تقبيل يد طويل العمر، والدعاء للأمراء والشيوخ .

أن ما قدمته كل من سوريا والعراق من شهداء في مواجهة إعتداءات المستعمرين الإسرائيليين، لا يؤهل أميرا قطريا لا يزن الا وزن أمواله من عائدات النفط والغاز، أن يدس نفسه بين السوريين والعراقيين والمصريين وغيرهم في ليبيا وتونس والجزائر ! تارة باسم الثورة، وتارة أخرى بحجة نصرة الدين الإسلامي !

           من أوكل إلى الحكومة التركية، التي يتزعمها أردوغان، مهمة المشاركة في “ثورة” في سوريا ؟ هل أطلق أردوغان ثورة كونية في تركيا وبالتالي من الطبيعي أن ينقل هذا الأخير رسالة ثورية إلى العالم بدءا من سوريا، في اطار مفهوم “الثورة الدائمة” الذي كان ثوريو بدايات القرن الماضي ينشطون من أجلها ؟

          لا شك أن الهجوم الذي وقع مؤخرا على منطقة اللاذقية، إنطلاقا من الأراضي التركية وبدعم من القوات التركية، هو رد فعل على معارك القلمون، أو بالأحرى هو تعبير عن إحتجاجات مطلبية، بعد تلك المعارك .

          بكلام صريح  وواضح، هناك جهة موجودة في تركيا، وتقديري هي مكونة من تركيا وقطر، بالإضافة طبعا إلى المشغل المتمثل في الولايات المتحدة الأميركية والذنب الفرنسي . هذا المشغل يشرف على جميع الجبهات أي الأردن، لبنان، العراق .. لا ننسى الإسرائيليين ! تريد الجهة المذكورة أن يكون لها حصة في التسوية التي سوف تفرض إستنادا إلى اندحار جماعات المتمردين المتوقع، كما حدث في القلمون .

          الدولة لا تستطيع ان تدير شؤون البلاد، او الوطن، إلا إذا كانت علمانية . والقول بغير ذلك لا يعدو هراء بهراء . هذا يعني ان العلمانية هي من شروط بقاء الدولة، ولكن من شروط بقائها  أيضا أن لا تشارك في حرب مذهبية أو عرقية . بناء عليه لا تستطيع تركيا ان تشارك في مشروع مذهبي، كمثل المشروع الذي يحمله الإسلام السياسي، الإخوان المسلمين، دون أن تتفكك وحدتها . وما من شك في ان النهج الذي يسلكه اردوغان يضعف الوحدة الوطنية التركية . كيف تجيش الأتراك ضد العلويين في سوريا، وفي تركيا نفسها علويون ؟! مهما يكن فان التجربة تثبت أن الإنقياد لإرادة المستعمر الأميركي لمحاربة الناس في البلاد المجاورة، نتيجته دائما، وبال على المعتدي والمعتدى عليه . وعلى المعتدي أولاً .

          إذن تركيا لا تستطيع ان تحارب في سوريا، مثلما أن سوريا في الراهن لا تستطيع أن تقاتل في تركيا أو في أي مكان آخر . لا بد هنا من أن نأخد بالحسبان أن قوى أخرى تراقب ساحات المواجهة، وهي بالقطع ليست متفرجة . فالحروب لا تقع عادة في هذا العالم  بين طرفين .. بل تشارك فيها أطراف عديدة ..

           ما يصح على شمال سوريا، يصح أيضا في جنوبها، حيث من المرجح أنه توجد معسكرات وقوات تابعة للأردن ولآل سعود . ليس مستبعدا أن يتكرر سيناريو “كسب” في وقت من الأوقات ولكن في جنوب سوريا .

          مجمل القول أن سقوط يبرود ليس نهاية طريق الجلجلة . إذ لا تزال في المنطقة دمامل كثيرة، من المحتمل أن تتزايد إحتقانا، فينتج عنها ألم حاد، ومن المحتمل أيضا أن تنفجر وتفرغ ما في جوفها من قيح غني بالميكروبات، فتنتشر هذه الأخيرة أفقيا . ولا نستطيع في هذا السياق استثناء إحتمال تسرب القيح إلى داخل الجسم، عندئذ تكون العدوى عامودية قاتلة . فمدينة طرابس في شمال لبنان دمل . هل ما يحدث في طرابلس تطبيق لسياسة النأي بالنفس ؟ وبعض من تسربوا إلى مخيمات اللجوء الفلسطيني حولوها دمامل أيضا . كيف نفسر تلازم عداء اسرائيل لحزب الله كونه يملك قوة رادعة، وعداء بعض الفلسطينيين والعرب ممن لوثهم الفكر المنحرف والشاذ، لهذا الحزب نفسه، كون عناصره إسلاميون ممن يتبعون المذهب الشيعي ؟

          وأخيرا يحسن في إطار هذه المقاربة أيضا، ان نتوقف قليلا أمام موضوع الرئاسات . اي الإنتخابات الرئاسية في لبنان وفي سوريا أيضا . من المعروف أن الإنتخابات الرئاسية في لبنان  تطبخ بأشراف سفراء الدول الأجنبية . إلى هؤلاء ترجع مهمة إقناع الأفرقاء اللبنانيين بتناول نفس الطـُعم . إذ في كل مرة ينتخب المجلس النيابي في لبنان، وما أدراك ما المجلس النيابي! رئيسا للجمهورية، يتبين بعد مدة قصيرة نسبيا، أن الرئيس الذي يسكن القصر الرئاسي هو غير الرئيس الذي أنتخب … ألم يلدغ المؤمنون في لبنان من الجحر مرتين ؟؟

          أما في موضوع الإنتخابات الرئاسية في سوريا، الجديد في الأمر، ان هذه الإنتخابات، إذا جرت، سوف تكون مختلفة عن المرات السابقة ليس في أنها لن تكون شكلية كما كانت، ولكن يبدو ان القوى الأجنبية تريد أن يخرج الرئيس من مطبخها .

          أغلب الظن ان الهجمات من الجانب التركي، تندرج في اطار الإعداد للطبخة الرئاسية، بالتلازم مع التسوية، او بتعبير آخر مقايضة التسوية بالإنتخابات الرئاسية . ولا شك في ان تحريك الدمامل التي اشرنا إليها سوف يكون جزءا من هذه اللعبة . بالإضافة إلى منع السوريين الذين نزحوا إلى الأردن ولبنان وتركيا من العودة إلى بلادهم . ففي هذه التجمعات الثلاث، يوجد نازحون ويوجد عسكر، ومساعدات عينية وأموال . هم رهائن … لن يفرج عنهم دون مقابل ! غدا سوف يقولون … الإنتخابات غير شرعية لان السوريين في مخيمات الشتات لم يشاركوا فيها !…