أيّها «الأعزازيّون» .. من حقنا أن نعرف !!

ثريا عاصي 

كأنه في مسرح العبث، يخامر المراقب شعور بأن بلاد الأرز هي ساحة تدور عليها أحداث عبثية. خذ إليك مسألة زيادة رواتب الموظفين (قضية سلسلة الرتب والرواتب!) لتتناسق مع معدلات غلاء المعيشة والإفلاس، حيث قرر أصحاب القرار والفصل، أن يمنحوا هذه الزيادات لكبار الموظفين فقط بحجة أن عدد الأخيرين قليل، بعكس الموظفين الصغار، ذوي الرواتب المتواضعة جدا. فالعجز في خزينة الدولة، لا يسمح بغير هذا النوع من العدالة! أي بإنصاف الميسورين.. الذين ينصفون أنفسهم بأنفسهم بواسطة المناصب التي يملؤونها!
هذا في المواضيع المعيشية، أما في المواضيع الحياتية، أو إذا شئت في مواضيع الحياة والموت فحدث!. أيا كان رأيك وميلك ومذهبك وقبيلتك في هذا السياق، فإن أردت أن تتابع ما يجري في بلادك أملا بأن تستشف أو تفهم بعضا مما لحق بالناس أو ينتظرهم، وقعت في مصيدة وتسببت لنفسك بصداع ودوّخت دماغك إلى حد الغثيان.. إذ أن المواقف والسياسات في بلاد الأرز، كمثل العدالة فيها، تبدو محيرة وغريبة. كأن الناس وحكامهم في أرجوحة ذاتية الدفع لا تتوقف، فالجميع سكارى.
نعم، أدهشتني زيارة الجماعة المعروفة باسم «مخطوفي أعزاز» إلى إمارة قطر، إلى حد الذهول. فلقد كان اختطافهم، حين اختطفوا، علامة واضحة وبالغة الدلالة، على أن ما تشهده سوريا، ليس ثورة، ولا يمت للإصلاح والعدالة والديمقراطية ولقضايا الناس المعيشية والحياتية بصلة إطلاقا. منذ ذلك الوقت والمعطيات تتراكم مؤكدة، بأن هذه الثورة المزعومة هي حرب إجرامية على سوريا وأناسها. إذ اعتقدت الولايات المتحدة الأميركية، ان حكام سوريا غارقين في اللهو والاستهتار والجهل والفساد، وبالتالي فإن الفرصة ملائمة لمحو كيان الدولة فيها وتشريد سكانها، أو تجميعهم في مخيمات المنفيين والمنبوذين الذين صار وجودهم، عبئا أو عائقا أمام تحقيق المشاريع الاستعمارية.
وتوخيا للدقة، بدأ الضباب يغشى مسألة «أعزاز»، عندما تناهى إلى السمع أن الثوار الخاطفين أطلقوا سراح أحد الرهائن، فجاء الاخير إلى بيروت وألقى خطابا، علنيا، مفاده أن الخاطفين هم طيبون جدا، وأن ما جعلهم يقدمون على فعلتهم هي أسباب مفهومة ومبررة. هذا يعني أن صاحب هذا الخطاب أبلغ رسالة إلى المعنيين!
ولكن هل حـُلت مسألة مخطوفي أعزاز، وكيف؟ تم تبادلهم مع معتقلين في سجون السلطة السورية، رغم انهم لبنانيون. دفعت فدية مالية، (ملايين الدولارات) لا ندري مبلغها، يقول الرواة إن أمراء قطر تكفلوا بتسديدها. ولا ننسى الحكومة التركية التي شمّرت عن ساعديها بعد أن تبلغت رسالة اختطاف طيارين تركيين في بيروت. وقبل ذلك قيل كلام كثير عن جهود تبذلها شخصيات لبنانية، غالبيتها من «خصوم» حزب الله. من البديهي أن الإجابة على السؤال أعلاه، هي بالنفي، بمعنى أن القضية لم تنته، ونحن لا نعرف عنها شيئا، لأن المعنيين، لا يحترمون عقولنا، كعادتهم، ولا يبدو أنهم مستعدون لمعاملتنا بأسلوب جديد !
ما حملني على تناول هذا الموضوع، هو الزيارة التي قام بها مختطفو أعزاز والحاجة حياة عوالي إلى إمارة قطر. فمداورة هذه المسألة في ذهني أوصلتني، بصراحة ووضوح إلى طريق مسدود. توجد إذن جماعة اسمها مختطفو أعزاز، اي أن رابطا ما يجمع بين أحد عشر شخصا، كان «ثوار» في سوريا، يتزعمهم رجل يعرف بأبي ابراهيم، يحتجزهم في مدينة أعزاز على الحدود السورية التركية. هذا من ناحية أما من ناحية ثانية، فمن المرجح أن تكون زيارة هذه الجماعه إلى أمير قطر امتدادا لعملية الاختطاف، وبالتالي فالقصة ليست كما اعتقدنا، بل هي ذات تفاصيل لم تكتمل بعد.
من المحتمل في هذا السياق أن المعنيين كانوا على علم بهذه الزيارة وأنهم حملوا الجماعة المذكورة، رسالة إلى الأمير القطري. ظل الأميركيون والصينيون عدة سنوات، في زمان الرئيس نيكسون يتبادلون الرسائل بواسطة فرق كل منهم في كرة الطاولة ! فهل قرر حكام العرب، وزعماؤهم وقادتهم، تبادل الرسائل بواسطة جماعات الرهائن، بعد أن تحاربوا بوحشية يندى بها جبين الإنسانية؟!
يبقى السؤال الكبير، الذي ينتظر الإجابة دون جدوى، ما هي مؤهلات الأمير القطري التي تجبر المختطفين، ومن هم في أغلب الظن وراءهم، على الرجوع إلى هذا الأمير، في شؤون بلادنا في لبنان وسوريا، البلدان المجاوران لفلسطين المحتلة، اللذان تمنّعا لتاريخه عن تطبيع العلاقات مع دولة المستعمرين الإسرائيليين، رغم أن الأخيرة فرضت العلاقات التي تريدها على منظمة التحرير الفلسطينية نفسها!
هل مرد هذه المعاملة الخاصة لأمير قطر، إلى وعود قطعها سموّه بتحرير كل مختطف ودفع الفدية التي يطلبها الثوار المرتزقة في سوريا مهما بلغت قيمتها؟ (راهبات معلولا!) أو إلى وعود بإعادة إعمار ما هدمه الأخيرون في سوريا، وعفا الله عما مضى، ورحمته على الذين قدموا دماءهم وجميع ما يملكون دفاعا عن سوريا العروبة؟.
أو لعل مكانة أمير قطر مردها إلى كونه، راعيا أساسيا لتنظيم الأخوان المسلمين، إلى جانب السيد أردوغان رئيس الحكومة التركية طبعا، أملا بإخراج هذه الجماعة من الحلف الأطلسي ـ الوهابي. والله أعلم!
لا منأى عن القول أخيرا، بأن الدفاع عن سوريا ولبنان اقتضى تضحيات كبيرة، وتسامحا مع الذين أخطأوا وأساؤوا للسوريين واللبنانيين معا. ولكن من المرجح أن أكثر الذين يحبون سوريا ولبنان لن يقبلوا مرة أخرى بأن تذهب هذه التضحيات هباء، ولا شك في أنهم لن يتسامحوا مرة ثانية.

::::

“الديار”،

http://www.charlesayoub.com