ثورات أم تكرار لفاجعة لبنان؟

ثريا عاصي

كيف تكون مقاربة الثورة في سوريا إذا كانت الغاية هي استبدال دكتاتورية بديكتاتوريات إسلامية، فضلا عن تقسيم الوطن إلى إمارات متناحرة، وليس التغيير ووضع ركائز لدعائم نظام إجتماعي حديث، ولميثاق عيش جمعي جديد؟ لا حاجة لطول بيان في موضوع الإضطرابات والإنقلابات التي جرت أينما حلت الثورات المزيفة. إذ لم نشهد لتاريخه إلا بلادا نكبت، إدماء ودمارا ونهبا. لا غلو في القول بأن الثورات المزيفة التي ظننا أنها تعبير عن عبقرية الجماهير الواعية، الثائرة، فإذا بها سلعة قديمة معروفة سيئة النوع. ليست بالقطع صناعة محلية صافية. بل هي مغشوشة يخالطها الكثير من المركبات التي دسها المستعمرون، الإسرائيليون والغربيون!
حدثٌ غريب، لا تدري مَن وراءه، يقع فجأة. إغتيال شخصية سياسية، إمطار حافلة مسافرين وابلا من الرصاص. من البديهي أن المسؤول أو المساعد على وقوع مثل هذا الحدث يعلم مسبقا، أنه سينجم عنه أمور ذات خطورة كبيرة. إنفجار أزمة داخلية، إتاحة فرصة لإيهام الناس أن أوان الثورة قد آن وغايتها استدرار أنهار اللبن والعسل وجرها إلى المنازل ! ما أن تغص الميادين حتى تدور المعارك ويعلو أزيز الرصاص ويغطي الدخان الأسود سماء الساحة، فيحجب الرؤية بصورة دائمة، بل أكاد أن أقول إلى الأبد. عندئذ تفتح مغاليق البلاد أمام المستعمرين الإسرائيليين فيدخلونها ببـِذَل حلفائهم في الغرب، العسكرية والمدنية!
ما أود قوله، بعد هذه التوطئة. أن الثورات التي يحدثون عنها، لم تأت بجديد، فلقد عرفنا نموذجا مشابها في لبنان، في منتصف السبعينيات، ولا تزال الثورة مستمرة إلى يومنا هذا، في دفع بلاد الأرز القهقري، إلى حد أن الأخيرة اقتربت من شفير الهاوية!
في العراق، حدثت ثورة أليس كذلك؟ ألم تثر جماعة من العراقيين، بعد حرب الكويت؟ تناهى إلى العلم أن الأميركيين هم الذين حرضوا وقّدموا لها النصيحة بأن ظروف هزيمة الدولة العراقية، بعد حرب الكويت، ملائمة للثورة! من المعروف أن الجماعة المذكورة وقعت في المصيدة! ما جعل «الثوار» العراقيين الذين أفلتوا من العقاب يرتمون، كالمجانين، في أحضان الأميركيين، إلى حين ضربت الأبراج في نيويورك، فاتخذ الأخيرون منها ذريعة لغزو العراق. ليس من اجل نصرة «الثورة»، فثوار العراق، كمثل ثوار لبنان، وغيرهم الذين هيجهم الربيع الأميركي، هم ثوار بلا ثورة. غزا الأميركيون العراق لأنهم لا يريدون دولة إسمها العراق!
ألم نشهد في لبنان فاجعة، تشبه تلك التي جرت في العراق؟ حراك وطني، ما يلبث أن يتحول إلى «ثورة» بلا ثورة، ثورة مذهبية طائفية إثنية مناطقية قبلية، مافياوية، كلها نعوت تصلح لتعريف «الثورة» بلا ثورة، ثم تصير الثورة حربا داخلية دموية وحشية. القتل على الهوية في هذا الزمان يعني استحالة العيش المشترك. يتقابل المتحاربون فيها بواسطة قذائف المدافع وتفجير السيارات في الأماكن العامة. فإذا بلغ سيل الدماء حدا ملحوظا، وإذا انتشر الدمار وعم الخراب، خرج أمين عام جامعة الدول العربية وأمير خليجي، عن صمتهما ودعا مجلس الأمن الدولي للعمل على إنقاذ «العرب والمسلمين»، في البلاد التي أغرقتها أموال النفط، وسلاح المستعمرين!
وقعت هذه الفاجعة في لبنان، ثم في العراق، ودخلت دبابات المستعمرين إلى بيروت وإلى بغداد. لا حرج في القول، بان الثوار في سوريا ليس لديهم ثورة. كون الثورة مشروعا جديدا بديلا. إمارة الرقة الإسلامية ليست بديلا. الغاية منها هي التحكم بالفرات وبمنطقة الجزيرة التي تضمن للسوريين أمنهم الغذائي. من البديهي أن الثوار، بذلوا كل ما في وسعهم من أجل أن تطأ قوات المستعمرين دمشق ودرعا وحلب وحمص وحماة واللاذقية وإدلب ودير الزور. إحتفى الثوار، بالسفيرين الأميركي والفرنسي في حماه. إحتفى «الثوار» بالسيناتور الأميركي جون ماكين. إحتفت السلطات الفرنسية، واللوبي الإسرائيلي في فرنسا، بأعضاء الإئتلاف السوري.. شن المستعمرون الإسرائيليون غارات على مواقع الجيش العربي السوري أثناء ملاحقته للجماعات المسلحة.
مجمل القول، ان قوات المستعمرين تقف على أهبة الإستعداد لمهاجمة سوريا! فما من شك في أنها تتحين الفرصة الملائمة للإعتداء على سوريا. لان الغاية من الثورة المزيفة هي الخداع لتغطية العدوان. ان المصير الذي يريده المستعمرون لسوريا هو كمثل المصير الذي اختاروه للعراقيين.. ولكن لحسن الحظ أن السوريين ما يزالون قادرين على المقاومة إصرارا على تمسكهم بحقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم. لذا فهم يستحقون تأييد التقدميين ليس في سوريا وفي بلاد الشام فقط، ولكن في العالم أيضا، لانهم يتصدون لمخطط إمبريالي القصد منه إخضاع العالم لهيمنة قطب واحد!
لا منأى في الختام عن التوقف حيال مسألة مثيرة للقلق والحيرة. ان جميع الثورات الربيعية التي كما الإعصار، اقتلعت الإنسان والحجر والشجر، لا تختلف في جوهرها عن الفاجعة التي تتوالى فصولها في بلاد الأرز. أما إذا صح هذا الاستنتاج فإننا نكون امام وضع يتسم بالخطورة الكبيرة. يتجسد ذلك بأن نفس الأزمة التي تتفاعل عناصرها بنفس الطريقة، تتكرر أو تسري كمثل العدوى في البلاد العربية التي من المفروض أن لها دوراً في المشروع العروبي النقيض للإمبريالية. تؤدي هذه الأزمة إلى نفس النتائج. ما يدهش إلى حد الذهول، أنه لم تؤخذ العبر من التجربة في لبنان. ربما هو اليأس. لا حياة لمن تنادي. أو أن الضمائر في غيبوبة والعقول في غفوة. ما جعل البعض يضحون بالمستقبل فأجروا أنفسهم والبعض الآخر باعوا وتغربوا… من يلدغ من الجحر ألف مرة لا يكون مؤمنا ولا عاقلا!