تمدد «داعش» المتجدد:

هل يغيّر حسابات الغرب؟

زياد حيدر

 

إن صحت الأنباء التي أوردها بعض الناشطين عن سيطرة «داعش» على معبر الربيعة الحدودي بين سوريا والعراق، تكون صورة الخلل في توازنات المنطقة العسكرية قد دخلت في مشهد جديد للواقع المتأزم.

معركة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المفاجئة في حجمها وسرعتها في العراق، ومعركته المتقدمة والمستمرة في شمال سوريا، ربما تكون عنوان الجهد الديبلوماسي والعسكري المقبل، وذلك لأسباب عدة، تتعدى التكتيك المرحلي، إلى المدى البعيد.

فللمنطقة التي يرفع فيها «داعش» المزيد من راياته، وتتخلخل فيها وحدات الأمن والجيش العراقية بسرعة غير عادية، ميزة في الحسابات السياسية. ولا يقتصر الأمر على آبار النفط المنتشرة في مساحات الأنبار ونينوى وكردستان، بل يتعداه إلى الطبيعة الديموغرافية التي شكلتها سياسات الأمر الواقع في شمال العراق، كما الشمال الشرقي لسوريا.

ليس سرا أن «داعش» شكل منذ تشكله حالة مواجهة دائمة مع الأكراد في سوريا، وفي مقدمتهم «لجان الحماية الشعبية الكردية»، التي تتبع إلى «حزب الاتحاد الديموقراطي» الذراع السياسية لـ«حزب العمال الكردستاني»، الحليف السابق لدمشق، والعدو الشرس لتركيا.

كما ليس غائبا أن «حزب الاتحاد» والسلطات في سوريا، على اتصال، وثمة تنسيق مشترك بين الطرفين في المناطق التي تخضع لسيطرة «وحدات الحماية الكردية»، لكن تبقى تحت إدارة الدولة كما تحت أنظار رقابتها. وسبق لأكثر من مصدر سوري أن اعترف، في السابق، بهذه العلاقة. كما لا يخفيها الأكراد، وإن يفضلون عدم الاعتراف بها رسميا.

ورغم أن «الاتحاد الديموقراطي» أعلن الأسبوع الماضي أنه منع إجراء الانتخابات الرئاسية في مناطق نفوذه، واستعرض صناديق اقتراع صودرت، إلا أن المسؤولين السوريين لم يتوقفوا في الأسابيع الأخيرة عن زيارة مدينتي القامشلي والحسكة والتجول في مناطق وجود «لجان الحماية الشعبية الكردية».

إلا أن ما يتجاوز هذا، هو العلاقة القائمة على مستوى أكثر تأثيراً، في المجال العسكري. إذ يشير تقرير لـ«مجموعة الأزمات الدولية» صدر في أيار الماضي إلى تلك العلاقة بوصفها «تحالفاً غير معلن» بين الطرفين، مذكراً بأن سيطرة قوات «الاتحاد الديموقراطي» على معبر اليعربية الحدودي، في تشرين الأول الماضي، والذي كان تحت سيطرة «داعش»، جرى بتنسيق بين سلاح الطيران السوري ومدفعية الجيش العراقي.

ويشير التقرير في هذا السياق الى أن «الكتيبة 39 من الجيش العراقي تقدمت داخل الأراضي السورية لمدة زمنية محدودة لمساعدة الاتحاد الديموقراطي».

فهل انقلبت المعادلة أمس باستعادة «داعش» السيطرة على معبر الربيعة؟

ويعتبر المعبر من وجهة نظر لوجستية مهماً للغاية في تأمين مصادر الطاقة من كهرباء ووقود وغذاء ومساعدات إنسانية لمناطق شمال شرق الجزيرة. كما أنه شريان التجارة الأساسي بين محافظة الحسكة في سوريا ومحافظة نينوى العراقية، التي أصبحت تخضع لسيطرة «داعش».

وستفقد سيطرة «داعش» على المعبر «الاتحاد الديموقراطي» تأمين موارده الضخمة المطلوبة لدعم وحداته العسكرية، كما أنها ستضعه في موقف ضعيف مجددا أمام تحالف الأكراد القائم بزعامة الزعيم الكردي مسعود البرزاني. إلا أن ما هو أخطر، ويتعدى المنافسة الكردية – الكردية على المرتبة الأولى في صفوف المعارضة السورية، هو حتمية مواجهة كبرى مع تنظيم «داعش» أيضا.

ومد التنظيم مساحات سيطرته إلى حدود كردستان، وعلى مسافة عشرات الكيلومترات من أربيل، قد لا يكون مجرد صدفة حتمتها المواجهات الميدانية. ويدفع احتلاله، بسرعة مذهلة لمدن وفقدان الدولة العراقية عنصر الرد السريع أو الدفاع، إلى تكهنات جديدة بشأن ساحة الصراع السورية – العراقية مجتمعة الآن في مواجهة «داعش».

وتنامي خطر «الدولة الإسلامية» المنظم، وتعميقه لأسس بناء «دولته الإسلامية» في المشرق، قد يزيد من مخاوف الغربيين بشأن «الذئب» الذي يكبر شيئاً فشيئاً في شرق المتوسط، لا سيما أنها تتحمل وبعض حلفائها الإقليميين، بشكل أو آخر، مسؤولية تعاظم تهديده وانتشاره. كما أنه من اللافت، في ضوء الانحدار السريع للوقائع في العراق، أن تسارع الحكومة العراقية إلى إرسال طلب مساعدات عسكرية سريعة من الولايات المتحدة باعتبار الأخيرة «شريكتها في الحرب على الإرهاب».

:::::

“السفير”