القرار الدولي بمحاربة “داعش” : جدية ام خديعة ؟

العميد د. امين محمد حطيط 

 

شهدت الايام الاخيرة موقفين للغرب من التنظيم الارهابي “داعش ” الذي اعلن قيام دولة الخلافة الاسلامية في العراق الشام ، تمثل الاول باقدام اميركا على توجيه ضربات جوية ل”داعش” في شمال العراق على حدود كردستان ، و الثاني بالقرار الذي اصدره مجلس الامن ضد “داعش ” و جبهة النصرة  ، مواقف قد يفسره البعض بان الغرب قرر اخيرا ان يعترف بالحقيقة و يواجه بشكل جدي الارهاب الذي يمارسه هذين  التنظيمين ، فهل هذا التفسير  يقع في موقع الصحة و الصواب ؟.

في الاجابة نرى ان الكتاب يجب ان لا يقرأ من صفحته الاخيرة او في سطره الاخير فقط ، بل ينبغي  ربط الامور ببعضها البعض  و احترام الماضي لفهم الحاضر و توقع المستقبل وعطف الفرع على الاصل للاستدلال على الاتجاه الحقيقي للمواقف ، و بالتالي فاننا نبدأ هنا من من حقيقة بات الكل يعترف بها مؤداها ان نشأة “داعش ” او “جبهة النصرة”  لم يكن بمنأى عن الغرب او حلفائه او ادواته من الكيانات الاقليمية ، حيث ان تركيا و السعودية و قطر ، هي الدول التي رعت و مولت و احتضنت بشكل اكيد و موثق هذين التنظيمين الارهابيين معولة عليهما لاسقاط الدولة السورية و اقتلاع القلعة الوسطى من محور المقاومة تمهيدا للاجهاز على هذا المحور بكليته وفقا للمشروع الصهيواميركي . و لم تعد هذه الامور خافية او محجوبة حتى عن البسطاء و العاديين الذين لا ينفقون كبير جهد او وقت على  المسائل السياسية و الاستراتيجية .

و من جهة اخرى بات واضحا  و بالادلة و القرائن القاطعة ان اندفاعة “داعش” الاخيرة في سورية و منها الى العراق جاءت :

اولا ً في سياق ما يمكن تسميته “استراتيجية توحيد البندقية المناهضة لمحور المقاومة ” بما يذكرنا في لبنان بخطة بشير جميل في الحرب الاهلية و التي اسماها “عملية توحيد البندقية المسيحية  ” و التي آلت  الى تشكيل ما اسمي ” القوات اللبنانية ” التي نصبت اسرائيل قائدها يومها رئيسا للجمهورية بعد احتلال 1982 .

و ثانيا  في معرض تنفيذ الخطة الاميركية الجديدة القائمة على مشاغلة محور المقاومة و استنزافه و قطع الحبل الذي يصله ماديا بالقضية و المقاومة الفلسطنية في غزة ، و هي الخطة التي تولت اسرائيل امر تنفيذها في غزة و تولت داعش امرها في العراق و سورية و لبنان .

  قد يظن البعض ان الغرب يرفض او ينكر السلوك الاجرامي ل”داعش”  ، و انه بصدد التصدي لها و بدأ فعليا بذلك و قد يكون اول الغيث ما قامت اميركا من توجيه ضربات جوية ل”داعش” على حدود كردستان العراق او ما صدر عن مجلس الامن من قرار ضد  “داعش” و “النصرة”  .. و على الاتجاهين (الضربات الجوية ، و قرار ادانة داعش و النصرة ) نجد ان وراء الاكمة ما يجب التنبه له و ما ينبغي الحذر من الافخاخ الغربية التي تنصب في هذا السياق و اننا نسجل ما يلي :

أ‌.        بالنسبة للضربات الجوية .

لا نعتقد مطلقا بان الضربات الاميركية جاءت خدمة لامن العراق و سيادته على ارضه او كما احب بعض السياسيين العراقيين تفسيرها او تبريرها بانها نفذت عملا بالاتفاقية الامنية العراقية الاميركية المسماة “اتفاقية الاطار الاستراتيجي ” للعلاقات العراقية الاميركية ، حيث ان اميركا لو كانت جادة بالفعل في ذلك  لكانت استجابت للطلبات العراقية التي وجهت اليها غداة “مسرحية الموصل الداعشية ” او اقله عندما سجلت اقمارها الاصطناعية قيام “داعش” باعدام 1700 شخص في الموصل و محيطها او عندما تأكدت من اعمال الابادة الجماعية و الجرائم ضد الانسانية التي ترتكبها “داعش” بحق الايزيدين في سنجار او المسيحيين او الاقليات الاخرى في محيط الموصل . لكن شيئا من هذا لم يحصل لا بل صرح اوباما بوضوح ” ان اميركا لن تكون سلاح الجو للشيعة او سلاح الجو للاكراد او سلاح الجو لاحد انما سلاحها لجوي هو لخدمة المصالح الاميركية و ليس لاي مصلحة اخرى ” ..

بهذا التصريح و على ضوئه يجب ان تفسر الضربات الجوية الاميركية في العراق دونما ان نذهب بعيدا للقول بان اميركا التي تعهدت تنظيم “القاعدة”  الارهابي و فروعه في النشأة و النمو انقلبت عليه في نهاية المطاف ، و جل ما يمكن قوله مع بعض الافراط في حسن الظن ، بان اميركا التي لا تدافع الاعن مصالحها ، رأت ان شيئا من هذه المصالح تم المس به من قبل ” عناصر غير منضبطة ” في داعش فتوجهت طائراتها لحمايته  لتأديب الشاذين  و لتذكر “داعش” بالسقف المرسوم لها في حركتها السياسية و الميدانية من جهة و من جهة اخرى لتتنصل اميركا من اي مسؤولية عن ارهاب داعش التي ينسبها كثير من الباحثين اليها ، و لتؤكد حمايتها لحدود كردستان العراق الذي شاءته خنجرا بيدها تستعمله في المنطقة و تبقيه وسطا بين منزلتين فلا يصل الى الاستقلال و الانفصال التام الناجز عن العراق و لا يعود الى  الارتباط العضوي الكامل بالدولة المركزية ، بل يصح فيه مصطلح جديد في العلم الدستوري “شبه الدولة المستقلة ”  .

و من جهة اخرى قد تكون اميركا في ضرباتها الجوية المحدودة الفعالية العملانية و الاستراتيجية في العراق ،  ارادت ان تنشئ سابقة تبني عليها لاحقا في العمل داخل سورية تحت ستار ضرب داعش ثم تطور الامر في اتجاه يناسبها دون ان تصطدم بعقبات من اي طبيعة كانت و لهذا جاء مجلس الامن بقراره الاخير ليزيل من امامها بعض العقبات في هذا السياق  كما سنبين .

ب‌.   اما قرار مجلس الامن و الذي صدر على اساس مشروع غربي قدم الى المجلس في ظل رئاسة بريطانيا الشهرية له ، و مع ما تضمنه من مواد تدين “داعش” و “النصرة ” و  تمنع  التعامل معهما   كما  و يدين المتعاملين معها على اي صعيد بشري تجنيدي او تمويل و تعامل مادي تجاري او غير تجاري كما و يحث على التصدي لاعمالهما الارهابية  ،فانه على اهميته من حيث المبدأ فانه لا يشكل العلاج الحقيقي للمسألة .

حيث ان دراسة مفصلة و معمقة  لهذا القرار تقودنا الى ربطه بالمثل السائد ” تمخض الجبل فولد فأرا ” فهذا القرار و على اهميته القانونية الوثائقية ، جاء خال من اي آلية تنفيذية ، و فارغا من اي محتوى يقود الى محاسبة الدول التي تدعم “داعش” و تسهل لها اعمالها الاجرامية و الكل يعرف على الاقل  الدور التركي و السعودي و القطري في دعم “داعش”   سابقا و حاضرا .

كما يجب ان نتوقف عند السلوك النزق للبريطاني رئيس مجلس الامن ضد مندوب سورية و مندوب العراق اثناء مداخلتهما تعليقا على القرار بما يفسر بانه رفض لاي سلوك للاضاءة على ثغرات القرار و فضح خلفيته.

 بالتالي و رغم كل ما قيل او يقال حول هذا القرار نرى ان الايجابية الوحيدة فيه هو اقرار اممي و باجماع من مجلس الامن بان ما قالته  سورية في وصفها للتنظيمين بانهما ارهابيين ، و ما يستتبعه هذا الوصف من ان سورية تشهد عدوانا ارهابيا خارجيا  و ليس فيها ثورة شعبية كما يتخرصون ، ان هذا التوصيف السوري هو حقيقة اكيدة صادق عليها مجلس الامن بكل اعضائه و ما عدا ذلك لا نرى في القرار ما يثير الرضى و الامل بجدية الغرب في محاربة الارهاب . و بالمناسبة نسأل من كان خلف هذا القرار و دفع لاعتماده خاصة اميركا و بريطانيا :

1)     لماذا لم يدرج ابي بكر البغدادي و اعوانه المباشرين و اركانه ال 12 في لائحة الارهاب الدولية و تجمد اصولهم المالية ؟ و لماذا لم يحالوا الى المحكمة الجنائية الدولية بقرار من مجلس الامن ؟ وهل ان الاحالة ستجرح المسؤوليين الاميركيين الذي ظهروا  في صور تجمعهم مع ابي بكر هذا  ؟

2)    من يزود داعش بالخرائط التفصلية للميدان في سورية و العراق و التي تحدد اماكن القوة و الضعف في البنية الدفاعية في البلدين و يخطط ل”داعش” في غزواتها تجنبا لمواطن القوة و تسللا عبر محاور الضعف ؟ اليست القوى التي تملك الاقمار الاصطناعية في المنطقة و  اجهزة المخابرات الدولية خاصة الاطلسية الاميركية ؟

3)    اليست تركيا الاطلسية هي المعبر الوحيد الاكيد الذي يمر به النفط العراقي او السوري المنهوب لبيعه في السوق الدولية خاصة الاروبية بما يعود على “داعش” ب 3 مليون دولار يوميا . فلماذا لا تتخذ التدابير الزجرية ضد تركيا لتتوقف عن ذلك ؟

4)    اليست تركيا بشكل رئيسي هي المعبر الخارجي الرئيسي  لاارهابيي داعش و النصرة الى العراق و سورية ؟ فلماذا لا تقفل مطاراتها و موانئها بوجههم ؟ او لا يوجه لها اي لوم في ذلك ؟

5)    اليست قطر و السعودية و بعض دول الخليج الاخرى و بعرف الجميع هي من يؤمن التمويل المستدام لهذين التنظيمين الذين يعتنقا  الفكر الوهابي على الطريقة الاميركية التي عبر عنها رئيس المخابرات اللاميركية السابق ؟

اسئلة كثيرة تطرح و تقود الاجابة عنها الى قول يقيني ان الغرب عامة و اميركا خاصة لو كانت جادة في محاربة “داعش” و النصرة لاستطاعوا تجفيف مصادر قوتها في اشهر و لما كنا  بحاجة حتى الى قرار من مجلس الامن بل ان اميركا  و حلفائها في الاطلسي و اتباعها في الاقليم قادرون على ذلك بمجرد اتخاذ القرار و لكن هذا القرار الاميركي لن يصدر لان اميركا لا زالت ترى في الارهاب و عصاباته جيشها الخفي الذي يحقق لها ما عجز جيشها التقليدي الظاهر عن تحقيقه .

اما تفسرنا للقرار الصادر عن مجلس الامن فهو ان الغرب الذي يتحمل المسؤولية المعنوية و المادية عن جرائم داعش و النصرة الارهابية رأى ان التنصل من هذه المسؤولية يكون بانكارها و التظاهر العلني بالاستعداد لمحاربتها عبر قرار في مجلس الامن لا يتمتع باي آلية تنفيذية و لا تتعدى قيمته العملية  قيمة الحبر الذي كتب به ، و يبقى هدف اخر و هو ما ذكرناه اعلاه لجهة التأسيس لسابقة تتيح لاميركا استعمال طيرانها على الارض السورية بحجة محاربة “داعش” .. و هذا ما ينبغي التنبه له .

:::::

“الثورة”، دمشق