من الأصدق الزهار أم ابو مرزوق؟

عادل سمارة

إذا ما حاولنا إجراء تماثلات بين مسيرة حركتي فتح وحماس، يمكننا القول بأن موسى ابو مرزوق يشبه في دوره دور عصام السرطاوي في فتح أو كثيرين غيره ممن أطلقوا بالونات اختبار لمدى تقبُّل الشارع الفلسطيني لعبورهم إلى التسوية.

حديث ابو مرزوق عن جواز التفاوض شرعاً مع الكيان واضح لا لبس فيه، ولذا ليس صحيحاً ما قاله د. الزهار لجريدة الأخبار اللبنانية حيث إلتف على الموضوع وغطى نفسه بالهجوم على فتح وهذا سلوك لا يقنع القارىء، كما لا يقنع الصحفي، لكن الصحفي غالباً ما يتعاطى مع الأمور كمهنة لا كموقف:

يقول الزهار:

“… هذه خدعة كبيرة استخدمها الإعلام، وهي غير صحيحة. لا نفاوض إسرائيل مباشرة مع أنه لا يوجد مانع شرعي أو سياسي منذلك، لكن سياستنا عكس ذلك. من كان يفعل ذلك هو أبو مازن (محمود عباس)، وهو أيضاً إن ساعدنا في التفاوض غير المباشر معالاحتلال خلال مباحثات وقف النار في القاهرة، فإننا لم نخوله أن يفاوض إسرائيل على برنامج سياسي ولا على حدود عام 67، ولاعلى أي شيء آخر. عباس كان يفاوض لرفع الحصار وفي القضايا الإنسانية كإدخال المواد والبضائع إلى غزة”

أما أن ينسب الزهار الذنب إلى الإعلام أو إلى ابو مازن، فهذه رماية في الاتجاه الغلط بقصد التضليل.

ما يرفضه الزهار عن دولة في حدود 1967، أكد الموافقة عليه السيد خالد مشعل في اللقاء الثلاثي في قطر بينه وبين أبو مازن وحاكم قطر تميم بن حمد. ولم ينكر مشعل ذلك اللقاء بينما أكد ابو مازن حصوله وبأن نسبة صحته 80 بالمئة.

 أما تفسير الزهار وأبو مرزوق حول عدم وجود مانع شرعي، فهو قرار بتطويع الشرع وامتطائه. وهو موقف في جوهره داعشي تماماً، بمعنى أن الزهار يسمح لنفسه بأن يفتي باسم الشعب كله على الوطن جاعلا من الشريعة وفهمه لها مقياساً. وهذه حقيقة خطورة قوى الدين السياسي والتي هي فيما بينها مختلفة متصارعة. فما بالك بالقوى غير ذات التوجه الديني السياسي أي العلمانية التي ترفض تطبيق الشريعة  بل ربما تسترشد بها في مجالات معينة ليس مصير وطن وشعب من ضمنها.

إن استناد حماس إلى الشريعة في مفاوضة العدو لا يتعلق بالمرحلة الحالية وخاصة الوضع الحالي بمعنى أن الحالة الفلسطينية هي حالة استعمار اقتلاعي لا يملك اساساً الأرض التي يحتلها، بينما في فترة الرسول، لم تكن قريش بلا حق كالمسلمين في مكة وغيرها. لذا، فأي تفاوض مع هذا العدو هو تقاسم الوطن معه.

ثم يقول الزهار:

“…من الممكن الحديث مع جهة عربية أو دولية كالأمم المتحدة ليفاوضوا إسرائيل في القضايا الإنسانية، وليست السياسية.الدليل علىذلك أنه في صفقة «جلعاد شاليط» فاوض الإيرلنديون إسرائيل مباشرة، كذلك تدخلت مصر وألمانيا، وكانوا أداة تفاوضنا المباشرة،أمّا نحن فلا نجلس مع إسرائيل، مع أننا نصر على اختيار جهات معينة للتفاوض أكثر من غيرها.”

لكن هذا الحديث لا ينفي ما قاله ابو مرزوق. فالزهار يهرب إلى الأمام، ولا يريد أن ينقد زميله، وربما لأن زميله لم يقل ما قاله من بنات افكاره فقط.

من جهة أخرى، فإن الزهار قد أخذ الحديث باتجاه مهاجمة فتح وليس الإجابة على السؤال حول قول زميله!

 وحول الخيارات البديلة قال الزهار:
“…الخيارات البديلة في حال استمرار إخفاق الحكومة أنه لا بد من بديل، كأن تجلس الفصائل وتناقش الخيارات الأخرى. الجبهتانالشعبية والديموقراطية طلبتا تشكيل حكومة وحدة وطنية وأقرّتا بضعف هذه الحكومة، وإلى ذلك الوقت سندرس هذا الخيار. “

لكن جلوس الفصائل لم يُثمر حيث جلست كثيرا وطويلاً. لعل السؤال الأساسي هو: هل لدى قيادات الفصائل الرغبة في الإجماع على خيار شعبي؟ هل يمكن لقوى بدأت منذ عقود بشكل فصائلي انحصاري تقوقعي أن تتحول بقدرة قادر إلى جبهة وطنية؟ هي فصائل تتحرك وتعمل كدول!

أما والحديث عن حماس، فلماذا لم تقم حماس بعد الانقسام بتشكيل هيئة وطنية لإدارة شؤون قطاع غزة؟ لقد كتب أكثر من شخص يطالبهم بهذا المعنى، وكاتب هذه السطور من بينهم. أم أن ما يدفع حماس للحديث عن شكل ما من التنسيق هو الأزمة التي تعيشها، وبالطبع كل القوى مأزومة.

الزهار لم يخرج من عباءة اوسلو رغم انه يُهيل عليها ما في اسطبلات أوجياس، وهو ما لن يتمكن فريق التسوية من إزالته.

“…قد يقولون إننا (حماس) خسرنا شرعيتنا أيضاً، لذلك نحن جاهزون للانتخابات دائماً ولا نخافها. المفروض أن تجرى الانتخاباتبعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة”

أليس مشروع اوسلو هو سبب الانقسام؟ اليست الانتخابات تحت الاحتلال؟ اليس هذا ما صدرناه إلى العراق وليبيا  ديمقراطية تحت الاحتلال؟ اية مساهمة بائسة ونسميها ديمقراطية. إن انتخابات تحت الاحتلال هي اعتراف بالاحتلال.

يقول الزهار: ليس صحيحاً أن التوجه إلى قطر يعني أن «حماس» ضد إيران”

ربما ليست حماس ضد إيران، ولكنها كمنظمة دين سياسي ليست مع إيران، ولكن قطر ضد الأمة العربية، وقطر تنفذ سياسات تكمل تماما السياسات الصهيونية وهي مستعمرة امريكية. وهي دولة عدوة ومعتدية على سوريا وليبيا ومصر على الأقل. قطر قدمت الأموال لحماس في غزة لكنها لم تقدم لا السلاح ولا الملاجىء من أجل حرب استنزاف ضد العدو.

يقول الزهار:

“… لأن  أوسلو الذي تبنته المنظمة «خمّارة سياسية» حولتها «حماس» إلى برنامج مقاومة”

جميل هذا، ولكن اقوال أبو مرزوق ومشعل تشي بغير هذا؟ فهل حماس مقبلة على برنامج طلاق المقاومة تدريجيا على طريقة فتح لكن بغطاء تفسير الدين السياسي؟

يرى الزهار بأن إشراف حرس الرئيس على المعابر بهدف جني الأموال:

“…تقديري أن الهدف من ذلك أن يجنوا أموالاً كما كان الحال مع رجال الأمن الذين عملوا في المعابر إبّان عهد الرئيس الراحل ياسرعرفات”

وهذا صحيح، ولكن ما الفرق ؟ ألم تجن حماس من الأنفاق الكثير؟ ثم من يدري كم دفعت قطر لحماس؟ وطالما حماس هي السلطة في غزة فمنقبيل الشفافية أن تعرف الناس مقدار التحويلات وطرق صرفها.

حديث الزهار انتقائي حتى في اتفاق أوسلو وفي هذا لا يختلف عن فتح ومعظم الفصائل:

“… أما الميناء والمطار، ففي تصوري يجب ألا نأخذ إذن الاحتلال لبنائهما، لأنه وفقاً لاتفاق أوسلو، كان هناك مطار دمرته إسرائيلعام 2000. إن قررنا داخلياً أن نبني مطاراً واعتدت عليه إسرائيل، فسنضرب مطارها. أيضاً كان هناك قرار لبناء ميناء”

لا أعتقد ان مؤلفي اتفاق اوسلو يسمحون لأحد بأن يأخذ منه بعضه ويترك البعض الآخر. ومع ذلك حتى لو أقيم مطار وميناء، فماذا عن الإبحار والإقلاع منهما، هل سيكون ذلك سهلاً، ومن سيضمنه؟ أم أنها ستكون ديكوراً كالسجادة الحمراء؟ أليست الملاجىء أهم لمن يريد المقاومة؟

يلجأ الزهار للتقليل بل لتقزيم دور حماس في سوريا بل ضد سوريا. وهو دور تدريب الإرهابيين وتسليحهم والقتال إلى جانبهم بل إرسال مقاتلين من الأرض المحتلة إلى سوريا وضد سوريا، كل هذا يصفه الزهار ب:

“… صحيح أن هناك افتراقاً خفيفاً (بين حماس وإيران) بعد أحداث سوريا التي حافظنا فيها على الوقوف بحياد،”

ما هو الانحياز إذا كان هذا حياداً! هذه الخاتمة بما فيها قول الزهار كان يجب الذهاب إلى بيروت بعد دمشق، ربما هو تلطيف الجو مع جريدة الأخبار، أو ربما، والله أعلم، لأنه لاحظ مؤخراً أن هناك فرصة لضرب سوريا من لبنان، وأنه لو كانت قوات حماس هناك لساهمت في تفكيك وتدعيش الدولة اللبنانية!  أو هي مهارة التملص.

وأخيرا ينكر الزهار وجود دور لحماس في مخيم اليرموك! هنا نكتفي بالقول ، حبذا!

أختم بملاحظتين:

الأولى، كنت قد قرأت مقابلة بالإنجليزية في مجلة ميرب ريبورت الأمريكية عام 1978 كما أذكر شارك فيها د. محمود الزهار، وحسن الترابي وراشد الغنوشي، وقد أجمع الثلاثة بأنهم لا يرون امريكا عدواً. ترى هل تغيرت النظرة.

والثانية: قبل ثلاثة أعوام عقد مؤتمرا لعلماء المسلمين في غزة، وفي حديث الشيخ اسماعيل هنية (كان رئيس وزراء غزة) قال اعداؤنا هو العلمانيون وامريكا. ترى ماذا سيفعل الزهار بالعلمانيين حين تطبيق الشريعة؟