جيوب المقاومة والطابور السادس الثقافي

عادل سمارة

جيوب المقاومة، ربما ذكرتها سابقاً، هي حينما يُهزم جيش أو يستحيل انتصاره يقرر الانسحاب لإعادة ترتيب صفوفه ومن ثم القيام بهجوم مضاد أو معاكس. ولكي يحصل على وقت مقبول للقيام بذلك دون ان يطارده العدو فيلحق به هزيمة ماحقة، يترك ورائه من يتطوعون بأن يكونوا جيوب مقاومة أي مجموعات صغيرة تقف في طريق العدو وتشاغله أو تُهارشه بلغة العسكر.

مناخ هذا الحديث أو دافعه هو المشهد العربي الحالي وخاصة في الدول التي حكمتها وتحكمها انظمة قومية الاتجاه.

إثر هزيمة 1967 تراجع بل تقريبا اختفى دور القوى القومية واليسارية في المشهد العربي بعد هزيمة مصر وسوريا في تلك الحرب. وارتد كثيرون منهم ضد مواقفهم وفكرهم واقترب او انخرط في قوى الدين السياسي. واكتمل المشهد سوادا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي حيث ألغت كثير من الأحزاب الشيوعية حتى إسمه.

هذا الفراغ هو الذي سمح للوهابية وقوى الدين السياسي ان تملأ المشهد عبر آليتين:

  • آلية التعبئة السلفية التي اساساً تطيع ولي الأمر (حسب تفسيرهم) أي انظمة الدين السياسي وتخدر الشعب بالطواعية حتى لو كان النظام او الحزب حليفا للكيان الصهيوني او الإمبريالية. هنا استخدم النص الديني والحديث الشريف استخداما رجعيا قمعيا رافضا لأي تفسير سوى تفسير هؤلاء.
  • وآلية التمويل حيث تم تسخير مقادير هائلة من اموال الريع النفطي للإنفاق على هذه النشاطات ومنها تشكيل مجاهدي أفغانستان والقاعدة ولاحقا النصرة وداعش…الخ.

خلال الفترة ما بين 1967 وحتى اليوم، كانت هناك جيوب مقاومة من مثقفين ومفكرين قوميين ويساريين (اشتراكي ماركسي شيوعي) والتي لم تتراجع في وعيها ولا مواقفها في تحدٍ لمواجهة المد الراسمالي والرجعي الماقبل تاريخي.

تفسير صمود هؤلاء كما كتبت: ” يكمن المقاتل خلف سلاحه ويكمن المثقف خلف وعيه”. نعم فالوعي يصون المثقف الثوري المشتبك عن تواطؤ المساومة.

في الفراغ المذكور نشطت مجموعات مثقفي الطابور السادس الثقافي في الوطن العربي وفلسطين المحتلة  وهذه المجموعات من جهة مرتبطة بالتمويل الخليجي ومن جهة ثانية متنوعة بين مثقفي الدين السياسي ومخلفات قومية وماركسية استدخلت الهزيمة . فكان الوعظ بالسوق وراس المال والقُطرية والتطبيع ، اي ترويج استدخال الهزيمة.

زاد هذا الطابور شراسة إثر ما يسمى الربيع العربي وخاصة ضد سوريا وليبيا واليمن ومصر والجزائر.

ولذا، أعتقد أن جيوب المقاومة التي بقيت ثابتة على ثوابتها هي مطالبة اليوم بنضال صمودي اشد ليكون مقدمة  لبناء وتسيير هجوم مضاد على ارضية العروبة وليس القطرية والاشتراكية وليس راس المال والسوق.

هذه معركة شديدة وحامية الوطيس وحاسمة، ولذا، يجد الجيل الشاب نفسه أمام أحد خيارين:

  • ردّة تكرس التجزئة والتبعية وقيادات رجعية تابعة لا تؤمن بوطن وتمحض ولائها للغرب وتقر ب “شرعية” الكيان الصهيوني ولو لا مباشرة. مثلا كيف تمتلىء قطر بقواعد عسكرية امريكية وبمكاتب المخابرات والتجارة الصهيونية وتحتضن جناحا من قيادة حماس! أليس هذا عشق النقيضين؟
  • أو مع قطب المقاومة المضاد للقطب الآخر والساعي لإعادة المد العروبي متحالفا مع إيران والبريكس.