قراءة في زلزال الانتخابات التونسية

توفيق المديني

 

يجمع المحللون السياسيون التونسيون أن ما حدث يوم الأحد 26 اكتوبر 2014، يعتبر زلزالا سياسيا كبيرا ضرب بقوة  الخارطة السياسية للأحزاب التونسية بعد هذه الانتخابات التشريعية التي اتسمت ب«الشفافية» و «الصدقية»، بوصفها أول انتخابات حرة وديموقراطية في تاريخ تونس. فقد عزّز الشعب التونسي التزامه الديموقراطي بفضل انتخابات ذات صدقية وشفافة، مكنت التونسيين من مختلف الحساسيات السياسية، من التصويت بحريّة لمجلس تشريعي وفقا لأول دستور ديموقراطي في البلاد.

العزوف الانتخابي

بداية كانت نسبة مشاركة التونسيين في هذه الانتخابات العامة في حدود ٪60، من أصل حوالي 5 ملايين و285 ألفا و136 تونسيا مسجلين في الدوائر الانتخابية،و هي نتيجة تُعدُّ ضعيفة نسبيا . فالذين انتخبوا في تونس هم حوالي 3 ملايين ناخب،  كما أن هنالك حوالي مليون مسجل لم يتحولوا يوم الأحد الماضي إلى مكاتب الاقتراع.و في مقارنة مع انتخابات 2011كان عدد الذين يحق لهم التصويت7 ملايين و 400 ألفا تونسيا ، لكن الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع وصوتوا هم حوالي 4 ملايين ناخب، و هذا يعكس لنا مدى العزوف الكبير لدى التونسيين للقيام بواجبهم الانتخابي، لا سيما بين الشباب. كما بينّ  هذا العزوف الانتخابي أن التونسيين الذين رفضوا هذه الانتخابات و لم يصوتوا  هم الحزب الأول في تونس، أي حزب العزوف الانتخابي ،و أن نسبة 80% من المجتمع التونسي ليسوا  مع «حزب نداء تونس».هذا هو الدرس الأساسي والأهم قبل معرفة طبيعة الموازنات السياسية الجديدة التي أفرزتها هذه الانتخابات..فهذا العزوف الانتخابي يعتبر نتيجة قاسية للطبقة السياسية التونسية الحاكمة، ولجميع الأحزاب السياسية التونسية على اختلاف مشاربها الفكرية و السياسية، و يعكس مدى عدم الثقة  القائمة بين أكثرية المجتمع التونسي و السياسيين، وكذلك أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة.

عوامل قادت إلى فوز«حزب نداء تونس»

و أظهرت نتائج الانتخابات التي جرت يوم 26 أكتوبر الماضي عن فوز«حزب نداء تونس»  العلماني بنحو 85 مقعداً من أصل 217 مقعدا ، و هو الحزب الذي احتل المشهد السياسي التونسي منذ أكثر من سنتين ، لا سيما بعد اعتصام باردو في صيف 2013، الذي أعطاه صفة «الشرعية الثورية»، حين نزل حزب «نداء تونس» بثقله في احتجاجات وتظاهرات طالبت بالإطاحة بحكومة «الترويكا» التي كانت تقودها حركة النهضة، وذلك إثر اغتيال قيادي الشهيد محمد البراهمي في حادثة إرهابية هي الثانية خلال أقل من عام، ومقتل عناصر من الأمن والجيش في هجمات نسبتها السلطات التونسية إلى تنظيم «أنصار الشريعة»الإرهابي، وبعد أن ركز أيضا في حملته السياسية الانتخابية على موضوع الإرهاب ،بوصفه من إنتاج الحصيلة السلبية لفترة حكم «حركة النهضة» التي اتهمها بالتراخي في التعامل مع جماعات سلفية جهادية اتهمتها السلطات باغتيال اثنين من قادة المعارضة العلمانية وقتل عشرات من عناصر الجيش والشرطة في 2013.

ويعتبرالباجي قائد السبسي (87 عاماً)، مؤسس حزب «نداء تونس» (يمين الوسط) الفائز بالانتخابات التشريعية التونسية محامياًوسياسياً تونسياً مخضرماً، ويُوصف في تونس بأنه الخصم رقم واحد للإسلاميين.ويعتبر قائد السبسي المولود سنة 1926، من رموز نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي حكم تونس بين 1956 و1987، وقد تولى في عهده منذ خمسينات القرن الماضي العديد من المناصب بينها بالخصوص وزارات الداخلية والدفاع والخارجية.كماتولى في بداية عهد الرئيس زين العابدين بن علي منصب رئيس مجلس النواب، وكان عضو اللجنة المركزية للحزب الحاكم في عهده «التجمع الدستوري الديموقراطي» حتى 2003.

لقدصوت الشعب التونسي بقوة لمصلحة «حزب نداء تونس» لاعتقاده أنه الحزب الأوفر حظاً في إلحاق الهزيمة بحركة النهضة ،و لهذا السبب استفاد «حزب نداء تونس» من «الانتخاب المفيد»  حتى لا يتم تشتيت الأصوات ، و من اصطفاف كل الطبقة المتوسطة التونسية وراءه ، حيث أرادت هذه الطبقة أن تصوت لمصلحة الحزب الذي يمتلك من القوة لكي يحافظ على نموذج المجتمع التونسي الوسطي و المعتدل و المنفتح على الحداثة الغربية، والعلماني ،كما كان  في عهد النظام السابق . فصوتت هذه  الطبقة المتوسطة التي تمثل الأكثرية في المجتمع التونسي بقوة له، لأنها أرادت أن تتحرر من حكم الترويكا، وتزيح حركة النهضة من الحكم، و تقطع عليها طريق العودة نهائيا إلى السلطة عبر هذه الانتخابات. وهذا ما يفسر لنا أيضا  أن بعض الشرائح من هذه الطبقة التي كانت تصوت تقليديا لمصلحة أحزاب وسط اليسار، مثل الحزب الجمهوري، وحزب المسار الديمقراطي،غيرت هذه المرة بوصلتها وأعطت أصواتها بالكامل لمصلحة «حزب نداء تونس»، وعاقبت في الوقت عينه كل الأحزاب التي كانت حليفة ل«حزب نداء تونس»، و التي كانت مجتمعة داخل «الاتحاد من أجل تونس»، فهي لم تعد تقبل بأنصاف المواقف، حيث اندثرت هذه الأحزاب الديمقراطية الوسطية  الحليفة للنداء من المشهد السياسي التونسي عبر هزيمتها  الساحقة في هذه الانتخابات.فالحزب الجمهوري الذي يتزعمه السيد نجيب الشابي لم يفز سوى بمقعد يتيم، بعد أن كان له 16 مقعداً، وحزب  المسار الديمقراطي لم يفز بأي مقعد ، بعد أن كان له 10 نواب في المجلس التاسيسي السابق، وكذلك الأمر لحزب العمل الوطني الديمقراطي الذي يترأسه السيد عبد الرزاق الهمامي، والحزب الاشتراكي الذي يتزعمه السيد محمد الكيلاني.كما أن الدور الذي لعبته الجبهة الشعبية ، سهلت قطاعات واسعة من البرجوازية الصغيرة للإلتحاق بحزب نداء تونس، وتصوت له.

و استفاد «حزب نداء تونس» من الدور الكبير للإعلام التونسي المنحاز بقوة له ، والذي عبد له الطريق لكي يحتل طليعة المشهد السياسي التونسي طيلة العامين الماضيين، ويغرس في ذهنية الشعب التونسي صورة معينة مفادها أن «حزب نداء تونس» هو الحزب الوحيد القادر على هزيمة حركة النهضة، فتضخمت أعداد الوافدين إلى الانضمام للحزب المتشكل حديثاً.لكن هذا الفوز الكبير لحزب نداء تونس، ما كان ليحصل ، لو لم يتوافر عاملان أساسيان في هذا الفوز. الأول : دور المال السياسي الفاسد الذي أسهم في شراء ذمم الناخبين ، لا سيما في الأرياف، و الأحياء الفقيرة من المدن، و الثاني: الدور القوي الذي لعبه «حزب التجمع» المنحل بقرار قضائي في مارس 2011، حيث أن الماكينة الحزبية و الانتخابية لحزب التجمع انضمت بقوة للعمل لمصلحة«حزب نداء تونس»، ووفرت له الأرضية التنظيمية، والخبرات الضرورية، و الدعم اللوجيستي لتحقيق هذا الفوز الانتخابي، إضافة إلى أن الأحزاب الدستورية المنبثقة من حزب التجمع ، أعطت الضوء الأخضر لأنصارها للتصويت ل«حزب نداء تونس»، ودعمه انتخابيا تجنبا  لتشتيت الأصوات، فاكتسح هذا الأخير الشمال و الساحل بدعم قوي من أنصار و منخرطي الأحزاب الدستورية ذات المرجعية التجمعية .و هكذا عاد «التجمعيون» ، الذين أقصوا من الحياة السياسية بعد الثورة، لكي يعودوا من جديد عبر بوابة «حزب نداء تونس»، والشرعية الانتخابية.

ويضم حزب «نداء تونس» نقابيين ويساريين ومنتمين سابقين إلى حزب «التجمع الدستوري الديمقراطي» الحاكم في عهد بن علي الذي حكم تونس بين 1987 و2011.
وتقول المعارضة القومية الديمقراطية، و اليسارية، إن «حزب نداء تونس» «تجمع جديد» وإن قائد السبسي الذي تولى رئاسة البرلمان بين 1990 و1991 من «أزلام» نظام بن علي. كما تحذر من عودة «الاستبداد» الى تونس إن وصل «حزب نداء تونس» الى الحكم،و المحافظة على نهج الليبرالية الرأسمالية المتوحشة التي كانت سائدة في العهد السابق، مما يؤكد أن التحديات الاقتصادية و الاجتماعية التي تواجهها تونس منذ بداية الثورة سوف تستمر من دون حل، ما لم تغير تونس من خياراتها الاقتصادية و الاجتماعية نحو القطع مع نهج التبعية ، والعمل نحو إقامة نموذج من التنمية يلبي مصالح و تطلعات الطبقات و الفئات الشعبية .

النهضة تراجعت ، لكنها لا تزال قوية

واحتلت حركة النهضة المرتبة الثانية بحصولها على 69 مقعداً،أي بخسارتها حوالي 20 مقعدا بالقياس إلى نتيجة انتخابات 2011.وكانت أكبر نسبة حققتها حركة النهضة هي في الجنوب معقلها التاريخي .ورغم أن حركة النهضة خسرت عدداً كبيراً من المقاعد، فإنها حافظت على نصيبها الانتخابي، وعلى تموقعها ومكانتها ضمن الأحزاب الكبرى في البلاد، باحتلالها المرتبة الثانية.ورغم أن حركة النهضة فقدت أكثر من ثلث قاعدتها الانتخابية ، بسبب أدائها السيىء في الحكم ، و إخفاقها في تقديم الحلول  الواقعية للمشاكل الاقتصادية، واغتيال زعيمين من المعارضة اليسارية والقومية، وتغلغل الإرهاب في عهدها،فإنها لا تزال رقماً صعباً في المعادلة السياسية التونسية ، إذبقيت متقدمة بأشواط كبيرة على حزب الاتحاد الوطني الحر (16مقعداً)الذي يليها في المرتبة الثالثة .فقدد حافظت حركة النهضة  على مرتبة الحزب الثاني في تونس وتتجاوز قوتها الانتخابية الربع وهي تستعد من الآن فصاعداًلأهم استحقاق انتخابي قادم بالنسبة لها وهي الانتخابات البلدية والجهوية والتي ستسمح لها بالانغراس النهائي في الجسم الانتخابي التونسي.وكانت حركة النهضة اعترفت بهزيمتها، واتصل زعيمها الشيخ راشد الغنوشي بزعيم حزب نداء تونس السيد الباجي قائد السبسي ،وهنأه اثر فوز حزبه في الانتخابات التشريعية ،واصفا هذه الحركة بالحضارية وأن الحديث بينهما كان بشكل ودي. وذكر قائد السبسي أن ليس له أي مشكل ولا عداوة مع راشد الغنوشي أو مع حزب حركة النهضة.

اندثار الأحزاب السياسية الحليفة للنداء و النهضة

لقد ضرب هذا الزلزال الانتخابي في تونس، كل الأحزاب التي كانت حليفة لحركة النهضة في إطار الترويكا السابقة ، التي حكمت تونس منذ بداية 2012و لغاية بداية 2014، فحصل حزب المؤتمر الذي يتزعمه الرئيس المنصف المرزوقي على 4 مقاعد في هذه الانتخابات، بينما حصل على 29 مقعدا في انتخابات 2011، وحصل حزب التكتل الذي يتزعمه رئيس المجلس الوطني التأسيسي الدكتور مصطفى بن جعفر ،على  مقعد يتيم بعد أن كان له 21مقعدا في 2011،و اندثرت  الأحزاب الأخرى التي كانت تؤيد النهضة مثل حزب وفاء، وحزب التنمية و الإصلاح و تيار المحبة ، وهي كلها أحزب عاقبها الشعب التونسي بسبب انتهاجها سياسة الإقصاء و الثأر ،و الإدعاء بأنها أحزاب تدافع عن الثورة ، وهي لم تشارك فيها، إضافة إلى تقسيمها التونسيين بين جماعة ما قبل الثورة ، وجماعة ما بعدها.

و احتل حزب الاتحاد الوطني الحر الذي يتزعمه الميلياردير التونسي سليم الرياحي رئيس فريق النادي الإفريقي لكرة القدم، المرتبة الثالثة بحصوله على 16 مقعدا، وهو حزب من دون هوية سياسية أو فكرية، لكنه حزب شعبوي يؤمن بالليبرالية الاقتصادية ، وهو ما سيشكل بيضة القبان في المشهد السياسي التونسي ، عند تشكيل الحكومة المقبلة، لأنه سيتحكم بمفاتيح  التحالف القادم ، وسيرفع من سقف مطالبه، وهو من شأنه أن يدفع «حزب نداء تونس» في نهاية المطاف إلى التحالف مع النهضة في إطار حكومة تعايش ، وهو سيناريو مستبعد، لكنه غير مستحيل.

وتأتي الجبهة الشعبية بزعامة السيد حمه الهمامي  في المرتبة الرابعة بحصولها على 15 مقعدا،وهوأمر منتظر و لم يفاجىء أحداً من متابعي الشأن السياسي التونسي. فالجبهة الشعبية التي تشكلت على أساس أن تصبح القوة الثالثة القادرة على تكسير هذا الاستقطاب الثنائي بين حركة النهضة و حزب نداء تونس، لم تقدم البديل الثوري للنظام الديكتاتوري السابق،وأخفقت في تحقيق التوافق بين الجماهيروالقوى الوطنية والديمقراطية من أجل بناء نظام ديمقراطي  بديل ، بالتالي أخفقت في بناء  كتلة تاريخية تدافع عن الثورة ، وتعمل إلى التوصل لأهداف وطنية جامعة على قاعدة الديموقراطية.

واحتل حزب آفاق تونس الليبرالي جدا المرتبة الخامسة بحصوله على 8 مقاعد، حيث تقوده قيادة شابة و متعلمة، ومثقفة، وتتقن التعامل مع وسائل الاتصال الجماهيري المتطورة.

          السيناريوهات المحتملة لتشكيل الحكومة المقبلة

السؤال الذي يطرحه التونسية بعد هذا الزلزال الانتخابي، من سيحكم تونس؟من المنطقي أن الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد(وهو في هذه الحالة حزب نداء تونس)هو المعني مباشرة بتشكيل ائتلاف ليحصل على الأغلبية (109مقاعد من 217).لكن الحزب له 85 مقعدا فقط، فهو مطالب بالتحالف مع أحزاب أخرى للحصول على 24 مقعدا أو أكثر لكي يحصل على الأغلبية في البرلمان المقبل.

لا شك أن هذا السؤال يهيمن اليوم على قيادات «حزب نداء تونس »وأن لديهم الآن سيناريوهات متعددة تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الموضوعية التي أفرزها الصندوق…
ولا يمتلك «حزب نداء تونس» العديد من الخيارات أمامه، و يتمثل السيناريو الأول في إقامة تحالف ديمقراطي عريض،  يضم «حزب نداء تونس» و«حزب آفاق تونس» وفسيفساء من الأحزاب والمستقلين، لكن هذا التحالف الديمقراطي الليبرالي  سيكون حتما هشاً وقابلا للانفجار في كل أية لحظة، نظرا لأنه سيسير في نهج الليبرالية  الرأسمالية المتوحشة، و بالتالي سيتخذ قرارت اقتصادية لن تكون شعبية على الإطلاق.

السيناريو الثاني، أن يتحالف «حزب نداء تونس» مع الجبهة الشعبية، و «حزب آفاق تونس»، لكن هذا التحالف لا يمكن أن يرى النور إلا إذا قدم النداء و الجبهة الشعبية تنازلات متبادلة و مؤلمة للطرفين ، لا سيما أنهما يختلفان على مستوى الخيارات الاقتصادية والاجتماعية .فإذا قبلت الجبهة التحالف مع النداء، وقبلت بجوهر الليبرالية الاقتصادية، فإنها ستخسر الكثير من قاعدتها الشعبية.أما السيناريو الثالث، فيكمن في تحالف«حزب نداء تونس » مع «حزب الاتحاد الوطني الحر »، وهذا التحالف مستبعد لاعتبارات سياسية ولطبيعة تموقع حزب سليم الرياحي…

السيناريو الرابع و الأخير، و يتمثل في تقاسم السلطة بين «حزب نداء تونس» و حركة النهضة، و هو التقاسم الذي أسسه اللقاء التاريخي بين الشيخين راشد الغنوشي و الباجي القائد السبسي  في باريس في 13 أوت 2013،إذ تتفق حركة النهضة وحزب نداء تونس على نمط التنمية السائر في نهج العولمة الليبرالية المتوحشة .وعلى هذه القاعدة يتفقان أيضا في نسج علاقات التبعية لمراكز النفوذ السياسية والاقتصادية الرأسمالية المؤثرة في العالم. ولكن ذلك لا يمنع وجود صراعات بينهما الآن – ولفترة أخرى من الوقت – مدارها احتكار الحكم السياسي والنفوذ الاقتصادي والاجتماعي من جهة ونوعية النموذج القيمي الاجتماعي للحياة العامة الحضارية والثقافية للشعب التونسي.فكما هو معروف يتبنى «حزب نداء تونس» ومجمل القوى الليبرالية المتحالفة معه والتي يمكن أن تحذو حذوه نمطا عصرانيا حداثيا للمجتمع يكرس مفهوما خاصا للحريات العامة والفردية على الطريقة الغربية بمضمونها البرجوازي الاستهلاكي والذي يبقى قابلا للتكييف والتطويع ما بين الطابع الديمقراطي الليبرالي والشكل الاستبدادي حسب تقلب موازين القوى.بينما تعمل حركة النهضة وكل القوى المتغلفة بالدين وطائفة من الأحزاب المتحالفة معها والقريبة منها، علاوة على تمسكها بالخيارات الليبرالية المملاة من الدوائر الاستعمارية، على فرض نموذج جديد على المجتمع التونسي يقوم على قيم محافظة ومتخلفة تجاوزها الزمن يريدون إحياءها وتفعيلها في العلاقات الاجتماعية العامة اساسا لاستبداد جديد باسم الدين.

في هذا السياق، تحدّث القيادي اليساري في حركة «نداء تونس» بوجمعة الرميلي عن رؤية التحالفات المقبلة، قائلاً إن «الاتحاد من أجل تونس هو مَن سيكون جنباً إلى جنب مع حركتنا»، برغم أنه لم يحقق أية نتائج كبيرة في الانتخابات التشريعية، مضيفاً أن حركته كذلك لن تتحالف مع حركة «النهضة»لاختلاف مشروعها وبرنامجها مع برنامج «نداء تونس». وأضاف بلهجة الواثق، أن «نداء تونس لها مبادئ ولن تتخلى عن حلفائها مهما كان الثمن، والاتحاد سيحكم معنا».والجدير بالذكر أن «نداء تونس» و«الاتحاد من أجل تونس» بينهما عقد حكم مشترك في صورة وصول «النهضة» للحكم، برغم أن «النداء» ترشّحت للانتخابات التشريعية بقوائم خاصة وليس مشتركة.وعن سؤاله حول إمكانية تحالف «النهضة» مع «نداء تونس»، قال الرميلي إن «هذا الخيار مستبعَد، خاصة أن نداء تونس لا تخون ناخبيها، الذين عبروا عن خيارهم في الابتعاد عن تجربة الترويكا الحاكمة السابق».وأضاف أن «الحركة لن تتحالف في الحكم إلا مع مَن يقرّبها في برنامج النداء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ومشروع النهضة المجتمعي يختلف مع مشروعنا».وفسّر الرميلي موقفه بأن مشروع حزبه مخالف لمشروع الإسلام السياسي، مشيراً الى أن حركته لا تريد خلط السياسة بالإسلام، قائلاً«للإسلام مكانه وللسياسة مكانها».

          لقد آن الاوان، بعد الزلزال الانتخابي ، أن تدرك القوى السياسية التونسيةالديمقراطية ،  ان الديموقراطية في تونس لم تعد تجدي معها توفيقية باتت مستهلكة مستنفدة، وانها لن تتبلور الا عبر الصراع والتناقض وليس عبر توافق طوباوي مفترض، أو تسويات سياسية تعيد إنتاج النظام السابق.و باتت القوى الديمقراطية التونسية في حاجة الى اجتراح مشروع مجتمعي جديد وخارج عن الاستقطاب الثنائي(النهضة ونداء تونس) يكسر البنى التونسية التاريخية المتكلسة ويمهد لفكر ديمقراطي جديد وانسان تونسي جديد.

:::::

صحيفة الشرق