ثريا عاصي
تكاد «السياسة » في لبنان أن تـُختصر في حركة أشخاص نحو مناصب في هيكلية الدولة. المعروف أن هذه المناصب حصص يتوزعها الذين نجحوا في فرض أنفسهم كممثلين لأتباع الطوائف والمذاهب التي ينتمون إليها. إستنادا إلى أن الأحقية في ولوج ميدان السياسة في لبنان تكون عادة نتيجة صراع يجري في داخل المذهب الواحد هو الصراع الحقيقي والأكبر أهمية مقارنة بالصراع الثانوي، طاعة لأوامر تأتي من قوى أجنبية، بين المذاهب المختلفة، بالضد مما يبدو لأول وهلة، على سطح المستنقع السياسي اللبناني.
غني عن القول أن الإمتيازات في لبنان هي كلية وشاملة. الثروة هي شرط ضروري ولازم لتبوء مكانة الوجاهة والزعامة على رأس الطائفة. تورثُ الثروةَ. بكلام صريح أن زعماء لبنان أثرياء والزعامة تزيدهم ثراء !
أنتقل بعد هذه التوطئة إلى مسألة الحوار المرتقب، بين حزب الله من جهة وتيار المستقبل من جهة ثانية. الذي تبشر به وسائل الإعلام. المأمول منه أن يُفضي إلى إتفاق على رئيس جمهورية «وفاقي »، يتفق الجميع على إنتخابه. هكذا هو قانون الإنتخاب في الديمقراطية «التمديدية » اللبنانية. يتفقون على من يترشح قبل التصويت له. فيستحسن الجميع النتيجة ويدّعي كل من الأطراف المتخاصمة أنه الفائز والعاقل والوطني المسؤول.
المفارقة، الشكلية على الأقل، هي في أن رئيس تيار المستقبل يطل كمثل الأمين العام لحزب الله، بالصوت والصورة، لإبلاغ رسائله إلى اللبنانيين، هذا يطل من مكان في لبنان، وذاك أغلب الظن أنه يطل من مكان في باريس أو في الرياض. أفصح السيد حسن نصرالله عن الأسباب التي تحول دون ظهوره العلني. لكننا لا نعرف شيئا عن الأمور التي توجب بقاء رئيس تيار المستقبل والنائب في البرلمان اللبناني خارج البلاد. هذا فيما يتعلق بالجزء العائم من جبل الجليد.
أما في موضوع « الإحتقان السني ـ الشيعي »، فلقد إستوقفني خبر عن بيان رسمي يفيد بأن قوات الأمن السعودية أوقفت أعضاء خلية داعشية كانوا قد إعتدوا على المشاركين في إحتفالية دينية خاصة بالشيعة. يرشح من البيان المذكور أن السعوديين ليسوا ضد الشيعة، ولكنهم يدّعون أنهم ضد «الإرهاب ». من نافل القول أن كلمة «الإرهاب » صارت مبتذلة. ينعت كل فريق خصومه بالإرهاب. ينبني عليه أن الجرأة والصراحة والصدق توجب على الجميع أن يقدموا البراهين والأدلة على «إرهابية » حزب الله الذي يتهمونه بالإرهاب وبرعاية المجرمين، وفي الوقت نفسه يزعمون أنهم يريدون الحوار معه. إذ من المرجح أن التصدي للمستعمرين الإسرائيليين ومقاومتهم صار في نظر البعض إرهابا. يستتبع ذلك طبعا، أن على حزب الله أن يوضح بدوره مفهومه للإرهاب.
من البديهي أن الغوص في مضمون الرسائل الصوتية ـ المرئية يملأ الشباك بالتناقضات، وبالدلائل على جهل فاضح بمعطيات الجغرافيا والتاريخ. نحن في لبنان أقرب إلى سوريا من قربنا من أي بلد آخر، مصيرنا من مصير السوريين. كل هبات العالم لا تبدل ذلك. أما إتهام حزب الله بالإرهاب من جهة والتوكل بتجهيز الجيش بسلاح ضد الإرهاب من جهة ثانية فإنه يكشف عن أن الحوار المنتظر يشبه التوقيع على إتفاقية 17 أيار 1983.
وأخيرا ليس إرهابيا من حرر جنوب لبنان وصد العدوان وليس صحيحا القول « ان الفلسطيني ليس لديه بلد كي يعود إلى فلسطين « (الأسلوب الركيك من المصدر!). الفلسطينيون الوطنيون لم يتخلوا عن النضال وعن حق العودة !.