ثريا عاصي
كان لا بد من زيارة الشام (دمشق). إلتقينا وتبادلنا الأخبار. ناقشنا بصراحة أمورا كثيرة. جلسنا في المقاهي. لم نتعفف عن دخول المطاعم الدمشقية التي أنا متلهفة دائما، لوجباتها وسهراتها. الشام موجودة، الشام تنبض، ولكن الشام حزينة ومهمومة.
رأيت الناس جموعا، أينما ذهبت. كنت أنتظر أن أقرأ على وجوههم عوارض الصدمة، والذهول. ولكن أحسست انهم مأخذون في سيرورة حراك جديد، لم أعهد مثله من قبل . الحرب حاضرة. هذه حقيقة ظاهرة للعيان.
ولكن، ما لفت نظري في دمشق هو أنه بموازة المواجهة، بالتلازم مع معركة الدفاع عن الكيان الوطني السوري، يجري الإعداد لسوريا جديدة، قادرة على صد العدوان الحالي ومنع تكراره. دلائل عديدة أوصلتني إلى هذا الإستنتاج. أذكر منها النقاش بين السوريين. حضرت إجتماعا تعدديا، إذا جاز التعبير، شارك فيه وزير الإعلام شخصيا. يتساءل الناس عما جرى جهارا نهارا، دون حرج أو خوف . هذا لم يكن معروفا في السابق . فلسطين لم تغادر دمشق مع من غادروا. تلازم وجودي فيها مع فعاليات المؤتمر السنوي لاتحاد الجاليات الفلسطينية في أوروبا تحت شعار «الإنتماء والوفاء». تجدر الإشارة أيضا إلى مؤتمر آخر دولي، من أجل مكافحة الإرهاب.
دمشق تتحرك، وتقاوم. نسمع عن مصالحات بين مكونات المجتمع الوطني السوري بعد أن باعدت بينها الإشاعات المغرضة. بعض الجماعات المسلحة التي انساقت وراء جهات مشكوك بنواياها تعلن عن رغبتها في العودة إلى حضن الوطن، بحسب المصطلح الذي يستخدمه السوريون. رغم أني أحترزُ جدا من المصالحات. هل تُقبل الديةُ من القاتل عمدا؟ الدية ُ لا تبرئ المجرم، مثلما أن تشييد المساجد ليس وسيلة لتبييض الأموال التي تتأتى عن السرقة والرشى. فما بالك إذا كانت المصالحات تقتضي إرضاء المجرم والخائن؟ أو إعطاءه حصة من السلطة . تختلف المحسوبية عن المذهبية!.. الأمل في سوريا الجديدة!.
سوريون يقاومون كسوريين في صفوف الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني واللجان الشعبية، بالإضافة إلى مقاتلي حزب الله (رجال المقاومة). في المقابل هناك سوريون يعترضون بما هم مذهبيون يريدون سلطة مذهبية، ضد الدولة الوطنية جنبا إلى جنب مع المرتزقة الذين أرسلهم إلى سوريا، مجلس التعاون الخليجي والحكومة التركية . ما يزال السيناريو هو نفسه يتكرر : «إسقاط جمال عبد الناصر» ! كان يعني إسقاط مصر، كمثل إسقاط المقاومة الفلسطينية وإسقاط العراق وسوريا . محو التراث، إلغاء الوجود، الإقصاء، النفي. الذين يُشغـِّلون الرجعية العربية ويمدونها بالخبرات العسكرية والسلاح، هم أنفسهم الذين يقدمون العون والسلاح للمستعمرين الإسرائيليين. صار لمجلس التعاون الخليجي رأي في «حل المسألة» السورية والمصرية والعراقية واللبنانية ! يا زمان النفط!
ذهبت إلى دمشق القديمة، باب توما، باب شرقي، مدحت باشا، الأمين .. مررت على الحواجز العسكرية هناك. رأيت سوريا التي تقاوم وسوريا التي تسهر وتغني، سوريا التي يختلط فيها الإنسان العروبي على إختلاف أجناسه وعقائده ومذاهبه . أيقنت أن جميع الطرق تنطلق من سوريا وانها قلب العروبة النابض . إشتقت إلى سوريا وأنا في دمشق. إزددت أملا بأن النصر على الأعداء قادم.
ثباتا يا دمشق على الرزايا وتوطينا وإن ضاق الخناقُ
دمشق وأنت غانية عروسٌ أمشتبك الحراب لك الصَّداقُ؟(محمد مهدي الجواهري).