كلام في السياسة : المغفلون

ثريا عاصي

يتبارى المحللون في هذه الأيام في طرح الفرضيات حول تجليات العلاقة التي تربط سوريا بروسيا، على شكل أنشطة ديبلوماسية روسية مطردة. إن دلت على شيء فإنها تدل على أن ما يجري في سوريا يهم القيادة الروسية بدرجة عالية. لا غلو في القول إن الساحة السورية هي كمثيلتها الأوكرانية، واحدة من جبهات المواجهة بين العولمة المتغولة التي تقودها الولايات الاميركية من جهة وبين روسيا والصين وبعض الدول النامية الأخرى من جهة ثانية.
ينبني عليه، انه يتوجب على المراقب حيال الأوضاع في البلاد السورية وفي العراق أيضا، أن يقرأ التاريخ جيدا قبل أن يقرأ الأحداث ويستخلص العبر. أقتضب هنا لأقول، دون لف ودوران، انه لولا إيران لما نهضت واستمرت مقاومة ضد احتلال المستعمرين الإسرائيليين في جنوب لبنان، ولولا الولايات المتحدة الاميركية وأمراء النفط الخليجيون لما تفجرت الأزمة في سوريا، ولولا إيران وروسيا لما استطاعت الحكومة السورية الصمود في وجه العدوان الأميركي ـ الإسلامي ـ الرجعي العربي. يقتبس جورج قرم في كتابه المرجع الهام « تفجر الشرق الأوسط « عن المؤرخ هنري لورنس، أن الشرق الأوسط مدلول سياسي على خصوصيتين :
1ـ دول إسلامية تتجاذبها قوى إقليمية ودولية
2 ـ قوى محلية مرتبطة بصورة دائمة بقوى من خارج المنطقة، ولا حل للأزمات في هذه المنطقة إلا عن طريق تدويلها.. خذ إليك مثل البحث عن رئيس للجمهورية في لبنان !
بالعودة إلى الحراك الروسي لا أظن أن لدى الروس مبادرة لحل الأزمة السورية أو أنهم جاؤوا كوسطاء لمساعدة اللبنانيين على إيجاد رئيس توافقي. إذ من البديهي أنهم على بينة من الخطط الأميركية والإسرائيلية. بالتالي هم يعرفون جيدا الدور الذي يضطلع به الأخيرون معا، في سوريا ولبنان. بمعنى آخر، ان الروس ينشطون ليس في إطار الصلح وإنما في إطار علاقات متوترة جدا بينهم وبين الغرب الأميركي، أخشى ما يخشى هو أن تتطور الأمور إلى صدام مباشر.
مجمل القول ان من المرجح أن الروس ليسوا في الواقع بصدد عرض حلول أو مبادرات. ان غايتهم هي إضعاف جبهة أعداء سوريا. من المحتمل تأسيسا عليه انهم وجدوا الفرصة سانحة لإبلاغ رسالة إلى بعض الأطراف التي تشارك في الحرب على سوريا مفادها أن ظهور «داعش» بما هي الطرف الأقوى في هذه الحرب، يسلط ضوءا كاشفا على حقيقة ما يجري في سوريا حيث يتماثل تدريجيا الوضعان السوري والأفغاني. ينبني عليه أن الوقت حان لتراجع كل جماعة مواقفها، وأن الوقت ضيق. المصير الذي كان من حظ الأفغان معروف. لم يقرره الأفغان الذين عملوا بنصائح الولايات المتحدة الأميركية واستهواهم شياطين الخليج بأموال النفط فتمردوا ضد دولتهم. لم تقرره شراذمٌ القاعدة التي دُفن مـُتنبيها في قاع المحيط. لم تقرره أيضا غوغاء طالبان في سجن غوانتنامو. سمع بوغدانوف أميرا خليجيا يقول «سندمر سوريا». ليس مستبعدا في السياق نفسه، ان تكون الرسالة الروسية احتوت أيضا تلميحا إلى أن روسيا اليوم تختلف عن الاتحاد السوفياتي المريض، وعن روسيا غورباتشوف ويالتسين. خبرَ الروسُ الولايات المتحدة الأميركية. كادت هذه الأخيرة أن تفترس روسيا. اختاروا ايها المعارضون، بين سكين داعش والخازوق الذي تُجلس أميركا عليه حلفاءها وبين التوبة بالعودة إلى الوطن. إن السوريين يقاتلون دفاعا عن وطنهم حتي لا تتشابه سوريا وأفغانستان. في انتصار سوريا انتصار لحلفائها أيضا.