شكري بلعيد : «حيّاك بابا حيّاك»!

ثريا عاصي

من المقرر أن تجري في 21 كانون أول (ديسمبر) الجاري (اليوم الأحد)، الدورة الثانية للإنتخابات الرئاسية التونسية. ليس عن طريق الصدفة إذن أن يظهر بالمناسبة، على شبكة التواصل الإجتماعي بيان يزعم ناشروه، أنه صادر عن «داعش»، دولة الخلافة الإسلامية شاء من شاء وأبى من أبى. كأن هذه الدولة تريد إبلاغ التونسيين رسالة، قبل أن يتوجهوا إلى مراكز الإقتراع.
تفيد الرسالة، أن «داعش» هي التي أمرت بإغتيال المناضلين التونسيين شكري بلعيد ومحمد البراهيمي. هي تأمر أيضا بمقاطعة الإنتخابات. تحذر التونسيين من أن أعناقا كثيرة ستضرب، وأن الأوضاع لن تستقر في تونس ما لم تحكمها دولة إسلامية تطبق شرع الله. رسالة «داعش» تبين الأمور بصراحة.قالت «داعش» كلمتها وقد أُعذِر من أنذَر !
لا حرج في القول أن هذه الرسالة هي ثمرة من ثمار «الربيع العربي». ربيع أمراء قطر وأميركا والمثقفين «المفكرين» عشاق الديمقراطية. كانت الإنتخابات من قبل شكلية، حيث كان المرشح الأوحد ينال أصوات جميع المقترعين. صار الإختلاف بدعة وإرتدادا، بعد «الديمقراطية» المستوردة إلى مجتمعات ما تزال نسبة الأمية فيها عالية من جهة وما يزال الإنتماء القبلي والطائفي يقيدالناس من جهة ثانية. لا تسل في هذا المجال أيضا عن تفشي المحسوبية وتسلط المافيات.
مجمل القول أن «داعش» تعد التونسيين بالآلام والمتاعب. تدعي بأن ذراعها طويلة، ستطال أعناق الذين يعترضون طريقها. الأخيرون بحسب شريعة «داعش» هم المفسدون في الأرض. من المرجح أن الأوضاع في ليبيا، ملائمة. يتناهي إلى العلم أن الفوضى العارمة تعم ليبيا وتنتشر فيها معسكرات تدريب «الجهاديين». لعل هذا ما يفسر تجنيد أعداد كبيرة نسبيا من التونسيين من أجل القتال في سوريا. من يشرف على هذه المعسكرات؟ هل كان هذا مبتغى دول حلف الأطلسي عندما استولوا على ليبيا؟
ألا يحق لنا حيال هذا الهياج الإسلامي الذي يكاد أن يملأ الدنيا صخبا ودما، أن نبدي إستغرابنا بل ذهولنا وأن نتساءل عن دوافعه الحقيقية؟. بصرف النظر عن المسألة الدينية وعن أن الإيمان تدرّجٌ فردي. إن أي مراقب يستطيع أن يستخلص من الأحداث التي نشهدها أن الإسلاميين توكلوا بالتخريب والترهيب فقط. إذ من البديهي أنه ليس لأحد أحقية حصرية في تأويل النص الديني ثم فرضمفهوميته على الناس فرضا بمساعدة مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الاميركية. زدْ على ذلك أن الدولة الدينية، أية دولة دينية هي دولة قديمة تاريخيا، يؤسسها عادة الأنبياء. مجمل القول أن قيام دولة إسلامية في تونس أو في غيرها من البلدان، هو أمر مستحيل. فأغلب الظن أن المقصود، بواسطة «داعش» ومن هم على شاكلتها، هو تنفير الناس من الإسلام، بالإضافة إلى تفرقة شملهم وحملهم على أن يتنابذوا فلا يجتمعون على مشروع دولة وطنية.
يمكننا أن ننعت الوضع في تونس بالخطورة. ليس من شك في أن ذلك حصل من المتغيرات والمتبدلات التي طرأت على المنطقة العربية منذ السبعينيات، فصار مجلس التعاون الخليجي يتطلع إلى ممارسة النفوذ، بما هو قوة إقليمية. فجند الإسلاميين ضد المسلمين وشجع إتفاقيات التطبيع مع العدو الإسرائيلي ضد حركة التحرر العربية. واستقوى بحلف الناتو.

:::::

“الديار”