توفيق المديني
أعلنت «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» في تونس يوم الإثنين الماضي ، أن رئيس الوزراء الأسبق الباجي قائد السبسي فاز في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد يوم 21ديسمبرالجاري ، حاصداً 55.68في المئة من الأصوات، مقابل 44.32 في المئة للرئيس المنتهية ولايته، المنصف المرزوقي.وكان رئيس الهيئة، شفيق صرصار، أعلن خلال مؤتمر صحافي، أن السبسي «حصل على مليوناً و731 ألفاً و529 صوتاً، ، فيما حصل منافسه محمد المنصف المرزوقي مليوناً و378 ألفاً و513 صوتاً بنسبة ، من إجمالي ثلاثة ملايين و189 ألفاً و672 تونسياً شاركوا في التصويت.وأفاد صرصار أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 60.11 في المئة من إجمالي نحو 5.3 ملايين تونسي مسجلين على القوائم الرسمية للاقتراع، معتبراً أن الهيئة لم تسجل انتهاكات جسيمة قد تؤثر على نتائج الانتخابات. وأشار إلى أن «المناخ العام للعملية الانتخابية كان في جو من السلم والنزاهة ويعد نجاحاً آخر يُحسب للمسار الانتقالي في تونس».
وأقر منصف المرزوقي رسمياً بهزيمته، وهنأ منافسه السبسي، ويعني ذلك أن المرزوقي لن يتوجه بأية طعون لهيئة الانتخابات، ما يعني إقرار النتيجة المعلنة بشكل رسمي. وبذلك أصبح الباجي قائد السبسي أول رئيس منتخب ديمقراطيا ،وأول رئيس للجمهورية الثانية في تونس وخامس رئيس في تاريخ تونس المستقلة بعد رئيسين في عهد الجمهورية الأولى (1957-2011) هما الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي ورئيسين في المرحلة الانتقالية (2011-2014) هما فؤاد المبزع ومنصف المرزوقي.
1-الباجي قائد السبسي الوجه الديمقراطي للبورقيبية
يشكل فوز الباجي قائدالسبسي انتصاراً تاريخياً للمشروع الوطني الحداثوي الذي قاده الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة منذ تأسيسه الجمهورية التونسية الأولى عقب حصول تونس على استقلالها في عام 1956، حيث شيد بورقيبة الدولة المدنية الوحيدة في العالم العربي ،فيما أخفقت الأديولوجيات الشمولية الأخرى : الماركسية و القومية و الإسلامية ، فضلاً عن إقامة بورقيبة مشروع اجتماعي تحرري شعاره تحرير المرأة التونسية، ونشر التعليم الديمقراطي ، و محاربة الفقر،و تحقيق الضمان الصحي.
من المعروف تاريخياً أن الدولة البورقيبية طغت على المجموع الإجتماعي باسم عقلانية مشروعها السياسي، حيث كان البرنامج الأساس للنخبة الحاكمة بعد الاستقلال يتكون من أهداف التحديث والعلمنة مع مبدأ لـ »الجمعنة« السياسية، إنه الكيان التونسي »القطري« المنفصل عن »الأمة« الإسلامية وعن الأمة العربية. وقدمت الدولة التونسية الفتية نفسها على أنها مجموعة من »مؤسسات رسالية« للتحديث، وضعت نصب عينيها، بصورة خاصة إعطاء الشعب التونسي ثلاثة أشياء مهمة : التعليم وحقوق المرأة ونشر أنماط جديدة من السلوك، وفرض نفسها بصفتها مرجعاً لتكريس الرأسمال الرمزي، وبالتالي فرض الرقابة على المجتمع.
وقاد هذا التطور المفرط لدولة الوصاية البورقيبية في الوقت عينه إلى غياب فضاء عام محدد تحديداً متميزاً، ومجهز بقواعده الخاصة وممثليه. ولما كانت دولة الوصاية هذه تشكل وحدة مع جهازها وبيروقراطيتها وغير مفصولة عن المجتمع، فقد عجزت عن أن تكون التعبير المباشر عن الكلية العينية، كلية المجتمع والشعب، لأن قوام هذه الدولة والسلطة المتمسكة بزمامها لم يكن القانون الذي لا يقوم إلا على قاعدة الحقوق. ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه الدولة خارجة عن المحكومين، وهذا التخارج بين السلطة والشعب، وجد التعبير عنه في مركب الدولة – الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم، الذي أنتج نسقا سياسياً مغلقاً، أفضى في النهاية، إلى تقلص الدولة في شكل عملية تحرر نسبي لها.
الرئيس الباجي قايد السبسي تمرد على نظام والده الروحي الحبيب بورقيبة، عندما انشق رمزيا عنه في نص استقالة شهير سنة 1970 في جريدة «لوموند» عندما كان سفيرا لتونس في باريس.. و في المؤتمر الثامن للحزب الاشتراكي الدستوري المنعقد في مدينة المنستير عام 1971،حقق الجناح الذي كان ينادي بالليبرالية الاقتصادية والليبرالية السياسية في آن واحد،الأغلبية في المؤتمر،وتمثل هذا الجناح في أحمد المستيري والباهي الأدغم والباجي قايد السبسي،والحبيب بولعراس،فتدخل بورقيبة شخصياً،وألغى انتخابات المؤتمر،وحسم الصراع لمصلحة الجناح المتصلب ذي النزعة الفاشية، الذي كان يقوده محمد الصياح مدير الحزب سابقاً – وقاد ذلك إلى تصفية جناح المستيري- الباجي قايد السبسي المضروب على صعيد السلطة منذ مؤتمر 1971.
ومع ذلك فإن عدداً ًكبيراً من المؤرخين التونسيين يتجاهلون أن الباجي قائد السبسي كان قائد الجناح الديمقراطي داخل النظام البورقيبي عينه، و الرجل الذي وضع كل امكانياته المالية على ذمة الحركة الديمقراطية الناشئة فأسس مجلة «ديمقراطية» الناطقة بالفرنسية ،وكان قريبا من مجموعة «الرأي» ورابطة حقوق الانسان وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين .ولم يعد الباجي قائد السبسي إلى الحكومة الا بعد اكثر من عشر سنوات وبعد اعتراف الزعيم بورقيبة بالتعددية الحزبية في 1981. وكان الباجي قائد السبسي وزيراً شبه دائم في حكومات الحبيب بورقيبة، وفي عهد حكم زين العابدين بن علي، عُيّن في فترة أولى رئيسا للّجنة السّياسيّة والشّؤون الخارجيّة ،ثمّ في سبتمبر 1990 رئيسا لمجلس النوّاب حتّى أكتوبر 1991. ومع سقوط النظام الديكتاتوري في 14 كانون الثاني 2011، أجمع عليه «الثوار» بتشكيلاتهم الإسلامية والمدنية واليسارية ليكون رجل «المرحلة الانتقالية» من الثورة إلى «النظام الجديد» الذي اكتسب مع انتخابه رئيساً للجمهورية الثانية، صورته الكاملة.
انطلاقاٌ من هذا الإرث البورقيبي، عمل الباجي قائد السبسي على تأسيس حزب جديد بعد أن سيطرت الترويكا الحاكمة سابقا بقيادة حركة النهضة الإسلامية على مقاليد السلطة في تونس عقب الانتخابات التي جرت في 23 أكتوبر 2011. ونجح الباجي قائد السبسي، الوزير السابق في عهد بورقيبة والرئيس الأوّل للبرلمان في عهد بن علي، و صاحب الكاريزما«البلدية» العتيقة (كإبن برجوازية تونس العاصمة )،في أن يقدّم نفسه كـ«أملٍ للخلاص والتغيير» لجزء هامّ من المجتمع التونسي ، عبر تجميعه في «حزب نداء تونس» في بداية سنة 2012،أطياف سياسية و فكرية عديدة: شتات الجزء الأهمّ من كوادر ورجال أعمال نظام بن علي وحزبه المنحلّ، «التجمّع الدستوري»، ممّن لم يختاروا الانضمام ل«حزب النهضة الإسلامي» ، وبقيّة الأحزاب «الدستوريّة»، و من فئات الطبقة المتوسطة المتضررة من الثورة ، و من النقابيين واليساريين الليبراليين المتخوفين من مشروع حزب النهضة القاضي ب«أخونة الدولة التونسية» و القضاء على مظاهر مدنيتها و علمانيته، من خلال تمظهرات مسودّة مشروع النهضة للدستور، التي تضمّنت «الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع»، وبعث مجلس أعلى إسلامي.
2-هزيمة «الإسلام السياسي»، ممثلاً بحركة النهضة ووكيلها المرزوقي
بفوز «حزب نداء تونس» في الانتخابات التشريعية، وفوز زعيمه الباجي قائد السبسي في الانتخابات الرئاسية، استطاع هذا الأخير المدعوم من قبل الأحزاب السياسية الوطنية الديمقراطية والليبرالية والعلمانية ، أن ينجح في استمالة كوادر النظام السابق ل«حزب نداء تونس»، ويواصل تمثيل مصالح برجوازيّة العاصمة والساحل، والاحتفاظ بدعم القاعدة الاجتماعية التقليديّة للحزب الحاكم منذ الاستقلال، وأن ينقذ تونس ودولتها المدنية ،ومكاسبها الحداثية ، ويخلصها من براثن مشروع الإخوان الرجعي الذي يقوده بالوكالة منصف المرزوقي المدعوم من قبل حركة النهضة والجماعات السلفية، و«رابطات حماية الثورة »،والذي يستهدف تهديم أسس الدولة المدنية الحداثية واستبدالها ببناء الدولة الإسلامية بالتدرج .إنه انتصار للبعد الديمقراطي الذي كان مفقوداً في النظام البورقيبي ، وهو ما كان يتطلع إليه التونسيون ، على اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية.
فالتونسيون الذين خرجوا إلى الشوارع واحتجوا على النظام السابق في أكثر من مدينة سواء في أحداث سليانة 1990 أو الحوض المنجمي في 2008 أو بنقردان في صيف 2010 أو بداية من 17 ديسمبر 2010 إلى 14 كانون الثاني / يناير 2011 كان هاجسهم الأساسي هو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية ،وليس تخريب الدولة ونسف مكاسبها . و الحال هذه عرف زعيم «حزب نداء تونس»و الرئيس المنتخب الباجي قائد السبسي كيف يستثمر الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها حركة النهضة ، لا سيما ضعف الكفاءة في إدارة الحكم ، والعجز عن تقديم أجوبة شافية على المطالب الاجتماعية، وتساهلها الكبير مع التيّارات السلفيّة التكفيرية و الإرهابية ، في النصف الأوّل من فترة حكمها، وكذلك تهميش النهضة لحليفيْها في «الترويكا» الحاكمة، حزبيْ «المؤتمر من أجل الجمهورية» و«التكتل من أجل العمل والحرّيات»، وصدمة زلزال اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد في شباط/فبراير 2013، وتعاظم خطر الإرهاب إثر اغتيال النائب القيادي بالجبهة الشعبيّة محمّد البراهمي في 25 تموز/يونيو 2013.
إضافة إلى أخطاء حركة النهضة، لعبت العوامل الإقليمية و الدولية لمصلحة تزايد نفوذ «حزب نداء تونس»، ومنها: أولاً:الحرص الواضح للدول الغربيّة المؤثّرة، تحديدا الولايات المتحّدة وفرنسا وألمانيا، على أن تكون تونس «النموذج الديموقراطي»الناجح في المنطقة، وهو ما يفترض وجود توازن بين قوّتين سياسيتين كبيرتين تحت سقف شروط المنظومة الليبراليّة المعولمة.وثانياً: تداعيات تغيّر المشهد الإقليمي، وتحديدا سقوط الإخوان المسلمين في مصر على تراجع حركة النهضة ، والصعوبات التي واجهها مؤخّرا حليفاها في أنقرة والدوحة .وثالثاً: أجواء الخوف للشعب التونسي من الإرهاب المستوطن في تونس،والحنين إلى «الأمن والاستقرار الضروريّين لعودة الحركة الاقتصاديّة»، وخيبة أمل أغلب التونسيين من حكم «النهضة».
فنجح الباجي قائد السبسي في إقناع الكثيرين من التونسيين بخطابه عن «استعادة هيبة الدولة»،و«المحافظة على الإرث الحداثي البورقيبي والنمط المجتمعي التونسي». كما استفاد في ذلك من الماكينة الحزبيّة والانتخابيّة القويّة التي ورثها عن حزب بن علي المنحلّ. ونجح زعيم «حزب نداء تونس »الباجي قائد السبسي خلال الحملة الانتخابية في كسب تأييد قطاعات واسعة من الرأي العام، حيث نحت لنفسه صورة «رجل الدولة القوي» الذي يدافع عن مكاسب التونسيين الاجتماعية والسياسية ضد أجندة حركة النهضة التي يرأسها راشد الغنوشي، والتي تسعى لنسف تلك المكاسب والعودة بتونس إلى القرون الوسطى من خلال أسلمة الدولة والمجتمع. وفي الوقت الذي انتهج المرزوقي خطاباً يحرّض على العنف والكراهية وإثارة النعرات الجهوية والقبلية، انتهج قائد السبسي خطاباً وطنياً يدعو إلى الوحدة الوطنية بين جميع التونسيين، مشدداً على «الوفاق الوطني» من أجل إنقاد تونس من الأزمة التي تعصف بها منذ حوالي أربع سنوات. واستفاد قائد السبسي أيضاًمن القواعد الانتخابية للأحزاب الوطنية والديمقراطية وأيضاً اليسارية التي دعت قواعدها إلى قطع الطريق أمام المرزوقي «لما يمثله من خطر على مستقبل العملية الديمقراطية بعد أن أصبح صوت الإسلامويين المرتبطين بالتنظيم الدولي للإخوان»، كما استفاد من خزان انتخابي شعبي غير منتم للأحزاب، بعد أن قاد حملة انتخابية ناجحة في الأحياء الشعبية وفي الجهات الداخلية المحرومة.
ومع فوز قائد السبسي يكون التونسيون قد انتصروا للمشروع الوطني الحداثي، الذي ناضلت من أجله أجيال من المصلحين مند منتصف القرن التاسع عشر من أجل بناء دولة مدنية ذات مؤسسات سيادية قوية تتمتع باستقلالية قرارها الوطني، وأيضاً من أجل مجتمع تعددي ديمقراطي يضمن الحق في الاختلاف والتعايش السلمي.فالذي هزم «الإسلام السياسي » في الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس ، ليس وريث البورقيبية في بعدها الديمقراطي الرئيس المنتخب الباجي قائد السبسي فقط، و إنما «المجتمع المدني» الذي انتصر لذاته ـ وليس لبورقيبه ، واختار المرشح «المدني» في وجه المرشح المدعوم من الإخوان، تعبيراً عن طموحه إلى التقدم، والمزيد من التقدم…وبذلك أجهض المجتمع المدني التونسي الأمل الأخير لمشروع الإخوان الذي يقوده بالوكالة منصف المرزوقي في تحالف انتهازي مع الإسلامويين المدعومين من قبل المحور التركي القطري.وكان من نتائج هذا المشروع زيادة «الشرخ الجهوي»أو المناطقي الذي بدا واضحاً في نتائج الانتخابات. إذ صوّت الشمال والساحل بكثافة لصالح زعيم «حزب نداء تونس»، وولايات الجنوب لصالح منصف المرزوقي وكيل النهضة، فيما كان حجم التصويت لهما في ولايات الوسط متقاربا.
و الحال هذه، فإن خسارة المرزوقي هي في نهاية المطاف خسارة ل«لإسلام السياسي » الذي تمثله حركة النهضة، رغم ادعائها بالحياد في الانتخابات الرئاسية ، وهو الرأي الذي عبر عنه بأكثر صراحة ووضوح الحبيب اللوز، الذي قال إن أبناء النهضة ساندوا المرزوقي في الدور الأوّل، واذا كانت قيادة الحركة تعرف ذلك وعلى بيّنة منه، وتقول إنها تفوّض لهم الأمر، فهذ ا يعني أنها تؤيد المرزوقي.و هكذا، يشكل توجّه أصوات قاعدة النهضة و كوادرها للمرزوقي رغم «حياد» القيادة، تمرداً حقيقيا على السلطة المرجعية و التاريخية للشيخ راشد الغنوشي ، الأمر الذي يعتبره المحللون بأن هذا الوضع سيدخل النهضة في حالة «تدافع» داخلي، قد يخلق هوّة بين القيادة والقواعد وقد يفقد الغنوشي سلطته التاريخية على الجماهير النهضاوية، التي لم تلتزم كثيرا بما أراد أن يقوله من خلال ما قاله، خاصة عندما نفى أي امكانية للتغوّل مستقبلا، وهي الكلمة المفتاح في الدعاية المضادة التي توخاها أنصار المرزوقي للتضييق في جبهة خصمه.
تكون الصورة بالنسبة إلى الناخب التونسي، إماّمع النهضة أو ضدّها، وهو ما تجسّد فعليا، من خلال مواقف العديد من الكتل والتوجهات السياسية والمراقبين الذين اعتبروا أن المرزوقي هو مرشح النهضة وليس غيره، لذلك انقسم الناخبون إلى قسمين، لكلّ منهما نموذج للدولة وللمجتمع، من خلال مقاربتين، الأولى تتأسس على المقولات المرتبطة أكثر بالهوية، والثانية المرتبطة أكثر بالرؤية الوضعية.
بعد اجراء الإنتخابات التشريعيّة وبعدها الرئاسيّة التي فاز فيها مؤخرا الباجي قائد السبسي كأول رئيس للجمهورية الثانية ، نجحت تونس ، هذا البلد الصغير (من حيثُ الحجم الجغرافي والبشري) في الثورة، وفي تحقيق الانتقال الديمقراطي ، من دون الوقوع في مطبّات الصدام العنيف والاحتراب الأهلي، و بالتالي أصبحت تجربتها الديمقراطية الناشئة قريبة من مصاف الدول الديمقراطيّة العريقة حيثُ تفصل الإرادة الشعبيّة عبر الانتخاب وصناديق الاقتراع في صراع القوى السياسيّة والأحزاب على السلطة.
3- مستقبل السياسة الخارجية التونسية في عهد السبسي
يعتقد العديد من المراقبين أن المرزوقي كان خلال الثلاث سنوات الماضية، الأداة المنفذة لمخطط «الإسلام السياسي » في تونس ، وعلى الصعيد الإقليمي ، لا سيما حين ربط السياسة الخارجية التونسية بما يسمى سياسة المحاور الإقليمية والدولية،و قطعه العلاقات الديبلوماسية مع سورية، و ارتمائه في أحضان حركة النهضة التي غضت النظر عن المجموعات العنفية والمجموعات الإرهابية التي كانت تؤمن بنظرية التمكن على الصعيد الداخلي، و جندت ألاف التونسيين للذهاب للقتال في سوريا مع المجموعات الإرهابية التي تقاتل الدولة السورية .
وعلى الرغم من أن فوز زعيم «حزب نداء تونس» أنهى نفوذ جماعات الإسلام السياسي في المشهد السياسي التونسي، فإن الجماعات الجهادية لا تزال تشكل خطراً على التجربة الديمقراطية الناشئة، ويعتبر قائد السبسي أن من أبرز أولوياته خلال السنوات الخمس القادمة تتمثل في محاربة الإرهاب وتوفير الأمن للمواطنين، الأمر الذي عزز التفاف السياسيين وأغلبية التونسيين حوله ودعمه.ويشدد السياسيون والمراقبون على أن «تونس فتحت صفحة جديدة في تاريخها الوطني وكسبت معركة وطنية مصيرية ضد الإسلامويين لتجهض وللأبد أجندتهم المرتبطة بجهات خارجية ولتقبر مخططات الإسلام السياسي لا في تونس فقط وإنما في بقية البلدان العربية».
مع مجيىء الباجي قائد السبسي إلى رئاسة الدولة التونسية، فإن أنّ من أهمّ صلاحيات الرئيس في الدستور الجديد ، الذي يُنتخب بالاقتراع العامّ المباشر، ضبط سياسات الأمن القومي والعلاقات الخارجيّة، وله كذلك الحقّ في حلّ البرلمان.و من الأكيد أن السياسة الخارجية التونسية ستشهد في عهد الباجي قائد السبسي تحولاً نوعياً ، لجهة تجسيده القطيعة مع نهج سلفه المرزوقي، الذي دمر السياسة الخارجية التونسية التي اتسمت طيلة تاريخها الحديث بالرصانة والمسؤولية، وخدمة القضايا الوطنية و القومية، ووضع استراتيجية وطنية لمحاربة الإرهاب بالتنسيق الكامل مع القوى الإقليمية و الدولية ، و العمل على فتح صفحة جديدة في إعادة العلاقات الديبلوماسية مع الشقيقة سورية، و ترميم العلاقات مع كل من مصر و الجزائر و دولة الإمارات العربية، لكي تستعيد تونس دورها الفاعل في خدمة القضايا الوطنية والقومية.