نحن شغلية في فرنسا وهم غزاة في وطننا

عادل سمارة

لا يبدو ان تناول حادثة الإرهاب في فرنسا سيخف سريعاً. والأهم ، لا يبدو انها، رغم شدتها سوف تُحدث تحولا في السياسة الرسمية لفرنسا ولمختلف الأنظمة المعادية للعروبة والإسلام ومنها أنظمة يحكمها عرب ومسلمون.

لعل الخطير في الأمر هو تصوير هذا الإرهاب  كأن له اب واحد، وهذا ليس شأن أي مولود! ، فأي مخلوق يحتاج إلى أبوين. حتى الان ظل التركيز على كون الإرهابيين الذين قاما بالعملية هم عرب/مسلمون. لا أحد تقريبا يقرأهم كفرنسيين. كنتاج فرنسي فعلي. وإن حصل فيتم ردَّهم إلى ما قبل قرن من الزمان حيث اصولهم من المغرب العربي وتدريبهم حديثاً على الإرهاب في المشرق العربي، إذن هم برأي هؤلاء لا صلة لهم بفرنسا أللهم لكونهم يحملون جنسيتها. وهكذا انتهى العزاء الرسمي لفرنسا بتسجيل الواقعة بان عربا إرهابيين قتلوا فرنسيين.

عمال في القطاع الأسود وهم غزاة

هؤلاء الإرهابيون هم فرنسيون، شاءت العنصرية هناك أم أبت. وهم في حقيقة الأمر مدفوعين بردة فعل على النظام السياسي والاقتصادي والثقافة الفرنسية قبل الثأر للرسول عليه السلام. من يعرف ذوي الأصول العربية في الغرب والمنتمين لتيارات الدين السياسي يدرك أن للكثير منهم ممارسات شخصية فردية لا علاقة لها بتعاليم الإسلام، اي أنهم كثيرا ما يخالفون تلك التعاليم، مما يؤكد أن ردة فعلهم نتاج وضعهم.

لكن الأهم من هذا كله فالعرب وتحديداً عرب المغرب العربي لم يذهبوا إلى الغرب ومنه فرنسا ، وإنما اساساً طُلبوا أو جُلبوا على يد الراسمالية الفرنسية الي افقدتها الحرب الإرهابية الغربية الأولى كثيرا من قوة العمل. وتم تشغيل هؤلاء في الأعمال السوداء والشديدةعلى الجسد، إعادة بناء الطرق وسكك الحديد والتنظيف. هناك في فرنسا اشتغلوا ولا يزالون محققين لراس المال الفرنسي اضعاف ما يجنونه من أجر وهو ما يسمى “القيمة الزائدة” التي تُسحب من جهدهم ولا يحوزون عليها. هم باختصار ضحايا استغلال جسدي اقتصادي وضحايا احتقار ثقافي قومي. وبكلمة ادق هم اوضح نموذج على اللاسامية غير  المسجلة وغير المعلنة. اللاسامية التي احتلها اليهود، وجردوا العرب من ساميتهم. حيث صارت حكرا عليهم. وبينما، باستثناء الفترة النازية، تمت لليهود بما يقارب السيطرة على المجتمعات الغربية، تتم ممارسة اللاسامية ضد العرب ومن قبل اليهود ايضاً. وهكذا فقدت الأكثرية السامية موقعها واحتله جزء من الأقلية اليهودية، فليس جميع اليهود ساميي الأصول. (ربما دراسات الراحل عبد الوهاب المسيري هامة هنا في تحديد الأصول من حيث الطول واللون وقياسات الجمجمة…الخ).

وفي الجانب الآخر، فإن الغربيين وخاصة الفرنسين في الوطن العربي هم غزاة ومحتلين. ليسوا قوة عمل لا ماهر ولا يدوي. هم يمثلون الاستهداف الغربي للوطن العربي منذ الراسمالية التجارية التي ولدت الاستعمار فالصناعية التي ولدت الإمبريالية إلى الراسمالية المعولمة التي تعتمد ما يسمى الاقتصاد الجديد مقرونا أكثر من المراحل السابقة باالسلاح.

الغالبية الساحقة من الغربيين هم جنود في القواهد العسكرية وخبراء مخابرات لتدريب جلاوزة الأنظمة العربية على التعذيب والتحقيق، وممثلي وخبراء شركات للنهب…الخ.

ولو حاولنا إجراء عملية (كلفة – فائدة) فإن ما يجنيه وخاصة ما يحوله العمال العرب في الغرب، إلى وطنهم الأصلي، مع أن هذا يتضائل مع توطن الجيلين الثالث والرابع في الغرب مما يقود إلى تدني تحويلاتهم، لكن كل هذا لا يمكن مقارنته مع النهب الهائل الذي يضع الغرب الراسمالي يده عليه من ثروات الوطن العربي وهذا معنى استهداف الوطن العربي من الغرب.

بكلام آخر، فالفارق بين عمالنا في فرنسا، وبين الفرنسيين في الوطن العربي، هو اقتصادي وكذلك أخلاقي. هم يربحون أكثر، وهم غزاة  بينما نحن شغلية.

ليس هذا كل ما يتعلق بالمشكلة، ولكنه على الأقل محاولة لتبيان أن تلك المظاهرة الرسمية الكبرى في باريس بعد العمل الإرهابي هي تكريس مناخ خلق الإرهاب، هي كمن يقول، لن أرفع حذائي عن عنقك!

ليس الإرهابيون ثوريين، فما فعلوه في فرنسا هو مجرد مزاح مقارنة بما يفعله إرهابيون عرب في وطنهم وأهلهم. وحتى في هذا، فإن المركز الراسمالي الغربي قد احتل حرب  الغُوار ليحولها إلى حرب إرهاب ولهذا حيث آخر.