القنيطرة :عَيْنٌ على سوريا وعلى فلسطين

وائل بنجدو

 كانت أولى أهداف الكيان الصهيوني منذ 1948 إنتزاع الإعتراف الدولي في مرحلة أولى بشرعيَّة وجوده ، و في مرحلة ثانية إنتزاع الإعتراف العربي الرَّسمي ثمّ المرور، في مرحلة ثالثة، لتثبيت حقيقة الإحتلال في الذهنية العربية الشعبيَّة . العدُوّ الصّهيوني تجاوز المرحلة الأولى و الثَّانية ، و هو من هذا الموقع يعتبر كل إعتداء عليه عملا إرهابيا و عدوانا سافرا على سيادته ، و حتَّى الأنظمة العربية العميلة و الرجعية في المنطقة توافقه في ذلك ، و تتآمر على كل أشكال المقاومة و تتصدَّى لها . لكن ما يحُول دون تمرير هذه الإستراتيجيَّة بسلاسة و يؤرِّق قادة العدو الصُّهيوني هو وجود إيران و سوريا و حزب الله . هذا المحور، الذي يضمن المحافظة على توازن سياسي و عسكري ضد الكيان العنصري الإسرائيلي، يُعامل الدولة الصهيونية بمرجعيّة ما قبل المرحلة الأولى . بمعنى أن حزب الله و حليفاه يرفضون ــ إلى حدّ الآن ــ الخضوع لمنطق “الأمر الواقع” الذي يفترض الإعتراف ب”إسرائيل” .

إنَّ الإعتراف بشرعيَّة إسرائيل ليس مجرَّد ورقة يتِمُّ المصادقة عليها بل هو إجراء له إستتباعاته السياسيّة و العسكريّة ، و الكيان الصُّهيوني يَعِي أهميّة هذه المسألة منذ تأسيسه لذلك حاول ، منذ سنوات ، بشتَّى الوسائل إدخال سوريا ل”حظيرة المعترفين”. لكن سوريا أيضا ، تعي بدورها خطورة هذه المسألة لذلك رفضت كلّ الإغراآت و صمدت في وجه الحصار ، و هي تقاتل اليوم أدوات الثَّالوث (الرجعية العربية و “إسرائيل” والإمبرياليّة) من تنظيمات إرهابية إسلامية و تشكيلات مسلَّحة ، تتلقّى تدريبات عسكرية في تركيا أو الأردن، و مرتبطة بمعارضة عميلة . و إحدى أسباب هذه الحرب على سوريا هي أنّها تمثّل نشازا بجانب أنظمة تتفنَّنُ في العزف على وتر العمالة للعدوّ .

حاول الكيان الصهيوني سنة 2006 تدمير الواجهة الأولى و التعبيرة العسكرية الأوضح لهذا المحور ( إيران و سوريا و حزب الله ) و هي حزب الله ، و قد مُنِي آنذاك الجيش الصهيوني بهزيمة مدوِّية . خلال تلك الحرب ساندت إيران و سوريا حليفهما حزب الله ، و اليوم تحاول “إسرائيل”من جديد كَسر المحور عبر بوابة سوريا و شنّ حرب بالوكالة عليها عبر تقديم الدَّعم المادي و العسكري و اللوجستي لحلفائها الإرهابيين على أرض سوريا ، و كما في حرب سنة 2006 فإنَّ إيران و حزب الله يساندان سوريا و يقاتلان إلى جانبها في هذه الحرب .

يعمل “محور المقاومة” ككتلة موحَّدة و متكاملة ، و ممّا يعزِّز هذا التَّوجّه هو إعلان الأمين العام لحزب اللّه حسن نصر الله ، منذ أشهر، عزم الحزب دخول المجال السُّوري لمواجهة الكيان الصهيوني . و ما يمثِّل خلفيّةً لتحرُّكات المحور هي المسألة ،المشار إليها في بداية المقال، و هي عدم الإعتراف بشرعيّة الكيان الصّهيوني. لذلك ربّما تَواجَد بعض كوادر حزب الله صحبة الجنرال الإيراني في مدينة القنيطرة السوريَّة ، و ربّما كان العدوّ صادقا حين قال أنّهم كانوا يخطِّطون لتنفيذ عمليات ضدَّ “إسرائيل”. هذه العمليّات ، لو تمَّت فعلا ، لكانت أعمالاً مُدانة و إرهابيّة بمقاييس “المُعترفِين” ، أمّا في نظر “الرافضين للإعتراف” فهي طبيعيّة ، بل إنّه من التقصير أن تَغِيب تلك العمليَّات. فطالما هناك إحتلال صهيوني لفلسطين و لأجزاء أخرى من الوطن العربي ، فمِن الطّبيعي أن تكون هناك مقاومة من كلِّ الإتجاهات و على كل الجبهات بهدف إزالة الكيان الصهيوني و تدمير مؤسساته . هذا هو المنطق الذي يجب أن يَحكُم  تفكير كل الوطنيين و الثوريين و كل الشعوب العربية . وإنطلاقا من هذه الرُّؤية ، يمكن أن نجيب وزير الدفاع الصهيوني حين تساءل :” ماذا كان يفعل أعضاء من حزب الله في القنيطرة؟” كالآتي : ” و ماذا تفعل أنت على أرض فلسطين ؟”.

شهداء حزب الله و الشهيد الجنرال الإيراني محمد علي الله دادي كانوا في القنيطرة لأنّه على بُعد كيلومترات باتّجاه الجنوب من تلك النُّقطة توجد دولة الإحتلال الصّهيوني ، وعلى بُعد كيلومترات باتّجاه الشمال توجد أدوات دولة الإحتلال من التنظيمات الإرهابية الدينية و “المعتدلة” . و بتعبير آخر لأنَّ :”القنيطرة عَيْنٌ على سوريا و على فلسطين”.

“الأخبار” اللبنانية.