عادل سمارة
من ناحية عملية، حينما اخترق مقاتلو حزب الله الحدود الجغرافية المقيتة بين سوريا وجزئها المشقوق سفاحا عنها لبنان، شعرت بنشوة أقرب إلى رغبة عودة الإنسان إلى الأم الطبيعة. طبعا اعلم ان القومي السوري والبعثي وبعض قوى المقاومة الفلسطينية تقوم بذلك ايضا. فالحدود القطرية كالحدود مع الكيان الصهيوين لا فرق حقاً. بل أخطر. ذلك لأن تاريخ ولادة الدولة القطرية هو نفسه تاريخ زرع توليد الكيان الصهيوني سفاحا خالصاً ، ولذا، فإن كل واحدة منهما ممسكة بذراع الأخرى لأجل بقائهما. ليس شرطا أن تكون قيادة كل دولة قطرية متصهينة، ولكن كثيرا منها، ولا حاجة لتحميل معدة هذه المقالة ببعض الأسماء مما يدفعها للتقيؤ.
بكلام آخر، أتمنى أن يسعفنا الزمان لكتابة عنه أوسع وأعمق، فإن الحيز الجغرافي للوطن العربي هوالوحيد في العالم والتاريخ الذي تعرض دائماً لاستهداف خارجي وتعاون داخلي أدى إلى سحق الحيز الجغرافي هذا وكاد ياتي على التاريخ والثقافة وربما اللغة. أما الدين فتم سحقه تماما وتحويله إلى قنبلة إرهاب على يد الاشتراق الإرهابي حيث ابتلع الغرب الرأسمالي الإسلام في حقبة العولمة وأعاده لنا إرهاباً.
قد يقول البعض إن سحق الحيز قد توقف عند عدد القطريات الحالي. ربما، ولكن أليس عدد هذه القطريات قاتلاً؟ اليس هو سبب ضياع عدة أقطار وليس فلسطين وحدها؟ ولم يتوقف الأمر؟ فحتى لو لم يتجزأ العراق إلى دول ثلاث، فهل الحكم في العراق عربي حيث هو بتعيين المحتل وحت بعد خروج نسبي للمحتل فإذا هو يستجدي المحتل ليحميه!، وهل المعارضة الطائفية فيه عربية وهي بين داعش صنيعة المحتل نفسه عبر عملية معقدة هي الاسشتراق الإرهابي، وبين قبائليين يستجدون واشنطن أن تحتلهم عبر ما يسمى تسليحهم لإنشاء طبعة مخففة من داعش في مواجهة حكام بغداد، ؟ أما كردستان العراق فهي قاعدة صهيونية وليست مأوى للشعب الكردي المنكوب.
يختلف سحق الحيز في الوطن العربي عن سحق الحيز التطوري في مختلف بلدان العالم. هناك الأمر ذاتياً، وهنا الأمر خارجيا ومتخارحا.
من هنا كان حديث سيد المقاومة دعس الحدود لاعادة خلق الحيز بقوة ذاتية ولأجل الوجود الشعبي المحلي.
والسؤال هنا، من الذي حمل المبادرة السياسي أم الثقافي؟
صحيح ان كثيرا من الكتاب هم عروبيون، وهم غير قطريين، وهم علمانيون وماركسيون وقوميون وتقوم قناعاتهم على أنه وطن كل من فيه، وليس العرب وحدهم، باستثناء الكيان الصهيوني لأنه ليس فيه بل عليه لم يولد من الرحم، بل زّجَّ في الرحم من خارج الجسد.
ولكن المثقفين هؤلاء انقياء وحقيقيون ولكنهم ليسوا عمليين. بل هم إلى حد ما اشبه بكثير من القادة القوميين العروبيين من حيث الثقافة والقول لكنهم لم يتخلصوا من القطرية، فانتهوا قُطريين.
صار المطلب اليوم قبل غد دور المثقف المشتبك والذي بداية يشتبك مع الحدود القطرية. بمعنى، لماذا تتردد نخبة من الكتاب الواعين والشرفاء في إعلان وحدة الحركة الثقافية سواء على مستوى الوطن العربي أو على الأقل على مستوى كتله الجغرافية المشرق والمغرب أو الهلال الخصيب والجزيرة، ثم وادي النيل ثم المغارب العربية. جبهة ثقافية عربية تكسر الحدود وتتجاوز الحزبي والرسمي.
وما الذي سيحصل؟ سيتم اعتقال البعض. لا بأس وما المشكلة؟ فلن يكون المثقف حقيقياً ما لم ينتقل من مثقف ثوري إلى نقدي إلى عضوي إلى مشتبك.
يجب على المثقف أن يخرج دائما على السلطان بل أن يكون في حالة طراد من قبل السلطان، طراد بمعنيين:
الأول: لأنه ضد السلطان بالضرورة والوعي يعمل السلطان على قمعه او قتله
والثاني: حتى لو كانت المسافة الوطنية والطبقية بينه وبين السلطان ضئيلة، فلا شك أن السلطان سيطارده كي يحتويه، وعليه أن يرفض.
لقد نفذت القطرية حتى إلى الأحزاب التي تأسست قوميا او ماركسيا. فصار اسم كل حزب محصور في قطره. وهذا بالطبع تماهٍ مع حدود سايكس بيكو. وخطورة هذا بانه شاء أم أبى، بوعي او بلا، يؤصل القطرية في عناصره وكوادره واصدقائه، وبالتالي في البلد!.
يعني التقاط اللحظة أن يتم البناء على مبادرة سيد المقاومة التي ستلاحق العدو اينما اعتدى. لاحقوا عدوكم القطري في كل الوطن لأنه يعتدي على كل الوطن.
ملاحظة: لقد صاغ بعض القطريين اسما خبيثا للدولة القطرية فأسموها ب الدولة الوطنية، ومن هذا تم توليد البرجوازية الوطنية، ووطنيها سفاحاً. حتى أن مركز دراسات الوحدة العربية، وهو كما يقول مركز لدراسات الوحدة العربية، نشر لكتاب يبررون الدولة القطرية ويدافعون عنها بما هي برايهم مقدمة للدولة القومية! (أحد هؤلاء الكتاب د. محمد جابر الأنصاري، وقد رددت عليه في كتابي (دفاعا عن دولة الوحدة وإفلاس الدولة القطرية، منشورات دار الكنوز الأدبية 2001 أسسها المناضل الراحل عبد الرحمن النعيمي) وها نحن نرى كيف ان الدولة القطرية في السعودية وقطر تقودان الاستشراق الإرهابي لمحو الأمة العربية كاملة بدءأ من الهلال الخصيب. هذا الإرهاب الهائل يدعو للترحم على الإستشراق الكلاسيكي كما لو كان كما قال احدهم وغنت فيروز (جادك الغيث إذا الغيث هما…با زمان الوصل بالأندلسِ).